اللقاء اليمني الروسي .. نقطة تحوّل مفصلية: الحلف المناهض للهيمنة الأمريكية يتوسع دوليا
بخلاف الزيارات الأربع ما بين الأعوام 2016م و 2019م للوفد الوطني إلى العاصمة الروسية موسكو ولقاء محمد عبد السلام المسؤولين الروس، اتخذت زيارته الأخيرة خلال أغسطس الحالي منحى آخر واكتسبت أهمية كبرى في ضوء المتغيرات الدولية وتحولات الميدان اليمني .
الولايات المتحدة التي تقود العدوان على اليمن منذ ثماني سنوات ساورها قلق كبير مع حصول الزيارة وأرسلت مبعوثها إلى اليمن تيم ليندركينغ والذي جال على عدد من دول المنطقة في إطار مسعى أمريكي لتثبيت الهدنة وتوسيعها نزولاً عند شروط صنعاء، خاصة مع حديث عبد السلام في مقابلة مع قناة الميادين على هامش زيارته إلى موسكو عن هدنة أخيرة والاتجاه لعدم التجديد حال لم توافق دول تحالف العدوان على توسيع وجهات مطار صنعاء وفتح ميناء الحديدة بشكل سلس أمام سفن الوقود وصرف الرواتب، ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا تسعى الإدارة الأمريكي لإبقاء الملف اليمني معلقا وإبقاء الحصار قائما مع توقف للعمليات القتالية لحين انجلاء نتائج الصدام مع روسيا وربما الصين في وقت لاحق .
وبحسب معلومات فإن صنعاء هي من تلقت الدعوة للزيارة هذه المرة، وتؤكد هذه المعلومات بأن الدعوة وصلت قبيل أسبوعين من تحقق الزيارة، فالزيارات ما بين العام 2016م و 2019م كانت صنعاء هي صاحبة الطلب، كان جهدها منصبّاً لعرض مظلوميتها على الدول خارج المعسكر الغربي ممن تمتلك مقعداً في مجلس الأمن بغية استمالتها لصالح قضية الشعب اليمني بحكم مقعدها في مجلس الأمن، لكن المصالح التي تربط هذه الدول ظلت اكبر من أن تحركها إيجابا لصالح قضية الشعب اليمني ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، فظل القرار 2216م والذي يشرعن للعدوان على اليمن يجدد كل عام دون أن يلقى اعتراضا من أحد داخل مجلس الأمن .
ويبقى السؤال : لماذا أتى اللقاء بدعوة روسية هذه المرة ؟
والإجابة تكمن باستعادة المشهد اليمني منذ آخر زيارة لعبد السلام إلى موسكو إذ وقعت تغييرات جوهرية في الميدان اليمني، في فبراير 2020م نجحت صنعاء في استعادة زخم الهجوم وقلب طاولة الميدان لصالحها، وتمكن قوات الجيش واللجان الشعبية أن تؤمن العاصمة صنعاء وأن تزيل التهديد عنها بشكل تام، ومع توالي العمليات العسكرية “البنيان المرصوص” “نصر من الله” والعمليات العسكرية في البيضاء، كان واضحا أن العاصمة صنعاء أضحت هدفا بعيد المنال بالنسبة إلى قوات التحالف السعودي الأمريكي، واستكمل هذا التحول الاستراتيجي بإجبار تحالف العدوان على ترك الساحل الغربي آخر بؤر التهديد ضد المناطق الحرة أو معظم الساحل الغربي للدقة دون قتال، ضمن عمليات إعادة انتشار للدفاع عن آخر معاقل التحالف في مارب شرق اليمن، وبنتيجة هذه المتغيرات توسعت رقعة سيطرة الجيش واللجان الشعبية وارتفعت مساحة المناطق المحررة أضعاف ما كانت عليه في العام 2019م .
الأمر الآخر أدركت موسكو في وقت متأخر أن عفاش كان ورقة رهان خاسرة بالنسبة للروس، مع ظهوره رجل الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف في داخل جبهة الصمود الوطنية بامتياز، والرجل قتل في أول مهمة عسكرية أوكلت إليه من قبل التحالف السعودي الأمريكي مطلع ديسمبر 2017م.
إقليميا انكشف لموسكو أن الرهان على تغليب المصالح مع السعودية والإمارات ودول الخليج ليس بالرهان المضمون أيضا، فبعد أشهر من اندلاع القتال في أوكرانيا تململت هذه الدول بشأن حياديتها في الصراع بين روسيا وأمريكا، ووصلت بإنتاجها النفطي إلى أقصى مستوياته 13 مليون برميل وهو الرقم المعلن حتى الآن.
دوليا أتت المواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على الأرض الأوكرانية لتدق ناقوس الخطر لدى روسيا، وأنها تأخرت في التعامل مع الملف اليمني الذي ظهرت حيويته مع احتمال توسع المواجهة مع الغرب إلى البحار .
خلال يوليو الماضي أعلنت روسيا عن العقيدة البحرية لقواتها، وفي أهم ركائز تلك العقيدة استعادة نقاط سمتها نقاط ارتكاز فنية في البحر الأحمر، ما يعني وجود قلق روسي من احتمال قيام الولايات المتحدة بإغلاق البحار وممرات التجارة الدولية بوجه سفنها .
كان للاتحاد السوفيتي سابقا قواعد عسكرية بالقرب من مضيق باب المندب، على جزيرة دهلك، ورثتها “إسرائيل” التي تمتلك الآن قاعدة بحرية وجوية على الجزيرة وفي جزيرة فاطمة المجاورتين لباب المندب، كما أنشأت حليفتها الإمارات قواعد عسكرية في ميون على باب المندب وعصب على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وقواعد عسكرية في سقطرى على مفترق الطرق البحرية التجارية باتجاه البحر الأحمر وقناة السويس وطريق راس الرجاء الصالح، بالإضافة إلى وجود قاعدة فرنسية في جيبوتي وانتشار القطع العسكرية الأمريكية في خليج عدن والبحر الأحمر تحت مزاعم حصار صنعاء، وفي موازاة ذلك تمتلك الصين قاعدة عسكرية يتيمة في جيبوتي، وحاليا تنتشر مليشيات عسكرية تابعة لطارق صالح على الضفة الغربية للبحر الأحمر وجميعها تابعة للمعسكر الأمريكي حال توسع الصراع مع روسيا إلى البحار الدولية .
وفي ضوء هذه المتغيرات أدركت موسكو أنها أخطأت جدا في تأخرها بالوثوق في أنصار الله كحليف كون الطرفان يتشاركان العداء للسياسة والهيمنة الأمريكية على العالم، روسيا ساهمت بشكل أو بآخر في تشديد الخناق الاقتصادي على الشعب اليمني ولم تتعلم من خطأها في ليبيا، نتيجة صمتها وموافقتها على تمرير مشاريع قرارات تشرعن الحرب وتزيد من معاناة الشعب اليمني الإنسانية .
وفي هذا السياق يقول الدكتور عبدالملك عيسى أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء إن روسيا أدركت متأخرة أهمية الملف اليمني في حربها مع أمريكا، وتوجهها إلى أنصار الله يأتي وقد أصبح المشرط الأمريكي على رقبتها بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهي الآن في سباق عملي مع الوقت لمعالجة هذا الخطأ .
وحول أهمية التحالف الروسي اليمني يرى عيسى أن كون صنعاء وموسكو تخوضان حربا ضد الولايات المتحدة فتح بابا لتقاطع المصالح .
ويرى أن زيارة عبد السلام لموسكو سيفتح الباب أمام اليمن للحصول على أسلحة كاسرة للتوازن، وموقف روسي قوي في مجلس الأمن يعطل ويلغي قرارات شرعنة العدوان على اليمن وهذا برأيه كاف لليمن، التي يمكنها أن تعطل أي خطوة أمريكية لتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة غربية أو صهيونية، وهذا الأمر صرح به رئيس حكومة الإنقاذ الوطني .
أيام فصلت عقب لقاء عبد السلام رئيس الوفد الوطني ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسي، حيث أطل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليعلن عن استعداد موسكو تزويد حلفائها بما يريدون من السلاح، وقال في خطاب بمناسبة يوم الجيش الروسي إن لموسكو حلفاء يناهضون الهيمنة الأمريكية في قارات العالم المختلفة .
خطاب الرئيس الروسي ينعي بشكل واضح استاتيكوا – وضعا – ظل قائما منذ الحرب العالمية وبعد ما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية، بعدم كسر التوازنات الدولية التي وجدت في بعض أنحاء العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط من قبل الدول الكبرى، حيث أحجم الروس عن تزويد سوريا وإيران ومصر بأسلحة تكسر التوازن القائم مع كيان العدو الصهيوني .
ووفقا لخبراء عسكريين فإن صنعاء قد تكون في حاجة إلى الأنظمة الروسية المضادة للطيران لكسر آخر أوراق تفوق التحالف السعودي الأمريكي في اليمن.
لا تخفي صنعاء أنها تعمل على تطوير أنظمة دفاع جوي خاصة بها، سجلت حتى الآن نجاحا ملحوظا في إسقاط المسيرات الأمريكية والصينية والتركية، وفي حالة وحيدة أسقطت طائرة تورنيدوا بريطانية الصنع فوق سماء الجوف.
ويذهب متابعون للملف اليمني إلى أن التقارب بين صنعاء وموسكو قد يدفع واشنطن إلى مزيد من تخفيف العراقيل التي اصطنعتها في طريق الهدنة الإنسانية العسكرية، كما يدفع صنعاء بالمقابل إلى مزيد من التصلب إزاء التلاعب الذي مارسه التحالف السعودي الأمريكي خلال الهدنتين الأولى والثانية، والضغط بشكل أكبر لإنهاء الحصار المفروض على شعبها حيث يتوسع حلفها من طهران إلى موسكو وكلاهما دولتان تملكان ثقلا دوليا وإقليميا وتشتركان مع صنعاء في مناهضة الهيمنة الأمريكية على دول العالم.
حصول تعاون روسي يمني، أضحت مؤشراته قائمة فعبد السلام من موسكو أعلن صراحة تهديد صنعاء للشركات النفطية الأجنبية العاملة في الحقول النفطية دون إذن صنعاء بالقصف وكذا الشركات الناقلة، ما يعني حكما نسف الجهود الأمريكية والفرنسية لاستعاضة مصادر الطاقة النفطية والغازية الروسية بسرقة النفط والغاز اليمني لتأمين بعض الاحتياج الأوروبي، وازدادت أهمية النفط والغاز اليمني مع فشل جولة بايدن إلى المنطقة لزيادة ضخ النفط الخليجي الذي وصل إلى ذروته، وفشل عقد صفقة ألمانية لاستيراد الغاز القطري .
لسنوات وفرت صنعاء صواريخها لضرب منابع النفط السعودية والإمارتية الدسمة التي تنتج ملايين براميل النفط يوميا لتعطيلها بما يلفت نظر العالم نحو القضية اليمنية، رغم استمرار النهب من الحقول اليمنية لكنه ضئيل بما تنتجه الحقول السعودية والإماراتية .
ووفقا لخبراء نفطيين فإن تحالف العدوان ينهب يوميا ما مجموعة 60 الف برميل من النفط الخام، وهو قام بتشغيل ما يقرب من خمسة قطاعات نفطية في حضرموت وشبوة بالإضافة إلى قطاع 18 في مارب النفطي والغازي، وهو يأمل في استعادة تصدير الغاز لسد بعض من حاجة الأوروبيين ومحاولة خنق روسيا اقتصاديا .
من شأن التعاون اليمني الروسي خلق أزمة طاقة عالمية لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تحملها ولو لوقت قصير، وفي هذا السياق وتقاطع المصالح كان لافتا تأكيد عبد السلام على الندية اليمنية مقابل روسيا إذ لا يمكن للأخيرة أن تحقق أثرا كبيرا في ساحة الطاقة الدولية دون وجود اليمن كحليف موثوق يتمثل بأنصار الله وحكومة الإنقاذ الوطني، في مقابل حضور صوت صنعاء في داخل مجلس الأمن عبر المقعد الروسي وهو صوت غيبته الإدارة الأمريكية والرياض قسراً لسنوات.
الأيام مفتوحة على تغييرات جوهرية في المعادلة الدولية شكل فيها اللقاء اليمني الروسي الأخير خلال زيارة عبد السلام لموسكو مطلع أغسطس 2022م نقطة تحول لضرب الهيمنة الأمريكية على العالم سبقه تعزيز موسكو وطهران تعاونهما في شتى المجالات رغما عن العقوبات الأمريكية – بلغت الاتفاقيات الأخيرة بين إيران وروسيا 140 مليار دولار – والاستفزاز الأمريكي للصين مؤشر على عمق الأزمة الأمريكية نتيجة تقارب وتحالف الدول المناهضة لها، حيث لم يبق أمام الدولة العظمى في العالم سوى تفجير اكثر من مكان توتر في العالم، أو التسليم بتعدد الأقطاب الدوليين وحكما إنهاء هيمنتها وولادة دول إقليمية فاعلة اليمن سيكون أحدها بل أهمها بموقعه الاستراتيجي على أهم طرق ومضائق التجارة الدولية، وبما امتلكه من صناعة عسكرية وقيادة تمتلك استقلالا ونهجا واضحا لاستعادة اليمن مكانته التي حكى عنها القرآن وثبتها كحقيقة ستعود متى وجدت القيادة الصادقة لشعب ذي قوة وبأس شديد.
الثورة /إبراهيم الوادعي