الكل رابح في مزاد السلام … بقلم / عبدالله علي صبري
كان بإمكان أنصار الله أن يملأوا الفراغ السياسي بإجراءات ثورية وفقا للإعلان الدستوري، لولا أن الحكمة اقتضت تعزيز وحدة الجبهة الداخلية ، وإفساح المجال للقوى والمكونات السياسة للتوافق واستئناف العملية السياسية بما يفضي إلى وقف العدوان، ورفع الحصار، بعد سحب البساط من تحت أقدام العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا.
وبرغم صلف العدوان وفجور المرتزقة، إلا أن الوفد الوطني في الكويت ما يزال يتعامل وفقا للمصلحة الوطنية، التي تقتضي ترسيخ الشراكة الوطنية في إدارة شئون الدولة عبر سلطة توافقية لا مناص منها، كآلية لتنفيذ أية توافقات قد تنجم عن مفاوضات الكويت، التي تترنح في ظل تعنت الرياض ومرتزقتها.
تنطلق الرؤية الوطنية في الدعوة إلى سلطة توافقية من مرجعيات العملية السياسية منذ 2011، التي تنص على الشراكة الوطنية، وآخرها اتفاق السلم والشراكة، الذي انقلب عليه مرتزقة الرياض، برغم أنه كان ولا يزال من الوثائق الوطنية التي باركتها الأمم المتحدة، والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن.
والتوافق المنشود ليس منفصلاً عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، التي لم يجري تطبيق مضامينها الجوهرية بسبب استئثار القوى التقليدية بالسلطة، واستقوائهم بالخارج على بقية الشركاء السياسيين وفي المقدمة الحراك الجنوبي وانصار الله.
ولأن رؤية الوفد الوطني بهذا العمق الذي فاجأ وأربك أوراق مرتزقة الرياض، فقد عمد العدوان إلى النكوص عن التعاطي الإيجابي معها، من خلال تمييع مفاوضات الكويت، وتفخيخها بمطالب تعجيزية حينا، وبالخروج عن مسارها الجاد حينا آخر، مستغلين إنحياز المبعوث الأممي لصالحهم، وانكفاء الديبلوماسية الكويتية عن تسيير المفاوضات بشكل مباشر خشية أن تغضب السعودية.
لكن كما تمكن الوفد الوطني من فرض مسألة تثبيت وقف اطلاق النار كبند رئيسي للحكم على استمرارية حوار الكويت، فإنه عازم على اختبار جدية الطرف الآخر من خلال التأكيد على السلطة التوافقية كمدخل للخوض في أجندة المفاوضات وتفاصيلها، حتى لا تتكرر مسرحيات جنيف وبيل بسويسرا.
وليس جديدا القول أن ما يسمونه بالحكومة الشرعية قد سقطت أوراقها، حين قدمت استقالتها ابتداءً، ثم حين قبلت على أنفسها أن تكون غطاء للعدوان على شعبها، ثم لما أقدم هادي على تغيير معظم أعضائها، وانتهاءً بتغيير رئيسها.
وهذا يعني بوضوح أن التوافق على حكومة جديدة يمثل المدخل الذي يمكن من خلاله استئناف العملية السياسية بصيغتها التشاركية، إذ لا يوجد في الوفد الوطني من سيقبل التعامل مع بن دغر وشلة الرياض كحكومة ضامنة للحل الأمني والسياسي.
وبعيدا عن تفاصيل إمكانية تشكيل حكومة توافقية في الظرف الراهن، فإن قبول طرف الرياض بالسلطة التوافقية من ناحية المبدأ، سيفضي إلى تعزيز الثقة بجدية المفاوضات، وإمكانية التوصل إلى حل دائم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
بالعقل، فإنه لا سلام بلا شراكة. وفي مزاد السلام الكل رابح مهما كانت التنازلات مؤلمة. وما هو متاح اليوم قد يغدو مستحيلا في الغد. لكن ما جدوى أن يصحو العقل بعد فوات الأوان؟.