القيادة الاسلامية وموقعها من الرحمة والتسامي بالانسان أبو مرتضى العجري
من عهد الامام علي ـ عليه السلام ـ لواليه على مصر مالك الأشتر
الموضوع / القيادة الاسلامية وموقعها من الرحمة والتسامي بالانسان .
بقلم / أبومرتضى العجري
يقول الامام علي ـ ع ـ
{وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ،يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ.}
السلطة في الاسلام : عبارة عن مشروع دولة مؤسساتية، ترتبط بالضرورة بولاية الله، ومنه تستمد تعاليمها في رسم سياساتها فيما يتعلق بالواقع الانساني (الشعب)، من تحقيق إرادته وسبل عيشه الكريم ، وهي أرقى بكثير مما عليه واقع البشر، وأكثر قيمة من حصرها في مصطلح ( السلطة السياسية فِي الاسلام) كمصطلح ينتقص من دور القيادة والسلطة التكاملي .
فيما القيادة الاسلامية : هي المكون الإداري الذي يتصدر هرم السلطة، أو يقوم على المسؤوليات في تفاصيل إداراتها والمعنية في مهامها بإدارة شؤون الشعب من منطلق الرحمة واللطف والعدل ، وبتلك المعايير التي تحدث عنها السيد حسين قائلا: بأنها ( ليست فقط سلطة تنفيذية، سلطة أوامر ونواهي جافة وتجبر وتسلط وقهر وسجن وقتل ونفي ومصادرة ) .
بل قيادة وسلطة تتكامل في لوائحها وواجباتها ومهامها، ومن منطلق الرحمة والمحبة واللطف بالإنسان، والتي جوهرها رسالات الله، ومرجعيتها {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَـمِينَ } كنموذج تضمنته أخلاقيات رسول الله ـ ص ـ كقائد أقام دولة الاسلام في يومها الاول ـ صدر الاسلام ـ، و بمعالم مشروع نظام إسلامي شامل، هذا الى جانب كونها رسالة الهدف منها التزام معاييرها وأخلاقياتها في حكومات ودول إسلامية متعاقبة ، تؤتي ثمارها فيما يتعلق بعظمة مشروع القيادة والدولة في الاسلام كضرورة في نظم أمر الأمة والحد من الفوضى والتشرذم ، أو فيما يتعلق بالمعني منها الانسان .
ومن القيم ذات الصلة بالرحمة والتي يجب أن تتخلق بها القيادة الرشيدة ومن موقعها كسلطة ما تحدث عنه الشهيد القائد السيد حسين عن مواصفات القائد المؤهل قائلا : ( يجب أن يكون عارفا كيف يربي الامة، كيف يبني الأمة، كيف يطور حياتها، كيف ينمي إقتصادها، كيف يزكي أنفسها، كيف يواجه أعدائها) وبروحية { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْـمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }.يعز عليه ويؤلمه أي مشقة تلحق بأمته .
إضافة إلى جانب مراعات ما يتعلق بالجانب النفسي للانسان كأنسان ، محكوم بمشاعر المحبة والكراهية، ويميل بروحيته الى السلوك الذي يحفظ فيه قيم التكريم ، ويتناسب مع واقعه النفسي ومشاعر الذات ، وعبر الوسائل التي بطبيعتها تعكس جوهر المحبة بين القيادة والشعب والتي أشار اليها الامام علي ـ ع ـ في بعض من عهده لمحمد بن ابي بكر ـ رضوان الله عليه ـ حين قلده ولاية مصر قائلا : { فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ. } .
ومن الأسباب التي توثق العلاقة بين القيادة والشعب وتفرض على القيائد ترويض نفسه أن يكون قريبا من شعبه، إستلهام أن القيادة بطبيعتها وجود بشري إنساني، تجمعها بالشعب مشاعر المحبة والرحمة والإعتزاز بالنفس، والتفكير في الإستقرار، والتوجه نحو الافضل ، ، وبهذا ليس هناك من سبب يجعل منه بعيدا عن مخالطتهم ومجالستهم، وتلمس مشاعرهم ، والإستماع إلى قضاياهم، والتعجيل بحلها ،وفي هذا الخصوص ما تضمنه كتاب الامام علي ـ ع ـ، إلى واليه على مكة قثم بن العباس، مذكرا إياه بمسؤولياته والتي منها { أما بعد، فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام الله، وأجلس لهم العصرين، فأفت المستفتي، وعلم الجاهل، وذاكر العالم، ولايكن لك إلى الناس سفير الا لسانك، ولاحاجب الا وجهك، ولاتحجبن ذا حاجة عن لقائك بها، فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها، لم تحمد فيما بعد على قضائها } .
ومن الشذوذ القيادي أن يتحول القائد بشخصه وموقعه الى التعالي والترفع عن شعبه، مانحا شخصه الكثير من الاستحقاقات من هيبة ومكانة وجاه، ودون أن ينتهي به الجهل الى مستوى ممارسات الطاغية المستكبر المتسلط على رعيته، والمتوحش في أخذ حقوقهم، والاستحواذ عَلَى عطاياهم، وإستهلاكها في شخصه لتلك الإستحقاقات التي تفصله عن الاخرين {وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، .} بل
بل ولأن القيادة كقدوة حسنة، ومثل عليا في تجسيد القيم فهذا سلوكه الطبيعي والذي تضمنته رسالة الامام علي ـ ع ـ إلى واليه على البصرة عثمان بن حنيف {أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ} لأنها كقيادة إسلامية إنطلقت بمسؤولياتها وإهتماماتها من دينها وقرآنها، فلاتتجاوز بتفكيرها حدود الإنسان والشعب، بما تبذله من جهد في تذليل عوامل السعادة له ، كإرث ديني وأخلاقي يلازم القيادة في إدارتها شؤون البلد، و أكده الامام علي ـ ع ـ أثناء قتاله الناكثين والقاسطين والمارقين قائلا : { اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك } .
وبإستقراء الواقع من حولنا، والبحث عن الحقيقة من إرتباط قيادات وحكومات عربية تدعي طابع الاسلام في صناعة قرارات شعوبها وإدارةشؤونها ، وتصبغ سياساتها شرائع الله، والعدل والحق في الشعوب، وتمعن في توظيف شعارات الدين في ذاتها من القاب وقداسة نجد النتائج في كل الاحوال مغايرة لتلك الشعارات ، والأقوال تتناقض ومصير شعوبهم المتهالكة، لهذا فمن الإنصاف والذي يتناسب بحق القيادات العربية أنهم ليسوا بأكثر من كائنات قذرة، ففي الوقت الذي تدعي رمزية الاسلام ، وحمل لوائه، تجاهر بتنكرها للحكمة منه، وتميل الى ماسواه كممارسة ، وفي الوقت الذي تنادي بالأمن والحقوق والحريات للأنسان، تكون قد حكمت عليه بالعبودية، واختارت قتله وهضم حقه من الحرية والكرامة، وفي الوقت الذي تسعى الى تجميل حكمها بدورها في النهوض بالاقتصاد وإزدهار البلد، نجد أنهم فحسب من تنامى إقتصادهم، وتعافى ثرائهم، وعلى حساب شعوب جائعة وفقيرة، أرغمها الحاكم أن تضل جائعة ليشبع ، وأن تضل فقيرة وجاهلة لتسهل قبضته عليهم، بتعبيدهم لسياساته المجبولة على الخيانة والعمالة .
فغياب القيادة الاسلامية بمقاييسها وإمتدادها عن واقع الشعب ، تنعكس النتائج بالضرورة سلبا لتجعل من ذلك الشعب الضحية ، و ما من حيلة حينها أمام الشعب مالم يعود بتفكيره وثوابته إلى أصالة دينه الإسلام، الا أن يقبل مكرها بمصير أنهكه المرض والفقر والجوع والتخلف والجهل، ووجود من التهالك والضعف والذبول، والغريب من التيه في مستنقع التدجين والعمالة، ودون أن يشفع له الفقر والبؤس حتى يساق كمصدر قوة في تمرير مشاريع الاعداء التدميرية، كمرتزق ثمنه دراهم معدودة ، وكرهان يربح الحاكم من خلاله رضاء العدو التاريخي للاسلام والمسلمين .
وبالعودة إلى إستكمال مفردات النص نجد حرص الامام علي ـ ع ـ على أن الإنسان في منظور القيادة الاسلامية فوق أن ينتقص من حقه في العيش الكريم والإنصاف لعوامل اللون والتوجه والولاءات أو أن يعاقب لإنتماء يخالف توجهات القيادة { فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ} فالأدميبن في دائرة نفوذ القيادة هم في كل الاحوال صنفان إما أخ تجمعك به رابطة الاخوة في الدين، ومن قيم القيادة إحترام تلك الرابطة، وإما نظير لك في الخلق ومن الانصاف فيه إحترام تركيبة خلقه ومشاعره كإنسان .
و من جانب أخر أن لايظلم أو يعاقب أو يستبعد عن لطف القيادة لإقتراف خطيئة في نطاق ماجبل عليه في تعاملاته كإنسان محكوم عليه بالخطأ والنسيان { يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ،يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ}
فذلك سلوك يصاحب الفطرة البشرية، وليس محل عقاب، ولا سبب في خيانة، ولانذير شر، بل أن يقابل { فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ} .