القوى الغربية تبحث في كيفية مواجهة الحضور اليمني الفاعل في البيئة الرقمية :«الهزيمة الصامتة» في اليمن: تفلّت التكنولوجيا يصدم الغرب
«الهزيمة الصامتة» في اليمن: تفلّت التكنولوجيا يصدم الغرب [2/2]
رغم نجاح الخيار العسكري الأميركي في مواجهة إغلاق اليمن أحد أهم طرق التجارة العالمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بات مستبعداً، أقلّه في الوقت الراهن، فإن البحث لا يزال قائماً عن السبل الكفيلة بإخراج الولايات المتحدة وحلفائها من المأزق اليمني. ومع أن أحداً لا ينتظر أن ترفع واشنطن وشركاؤها الراية البيضاء في المدى المنظور، فإن الأحداث في تلك المنطقة أجبرت الغرب على الميل نحو الواقعية في مقاربة الأزمة اليمنية، بعد أن اضطر مرغماً إلى مغادرة المربّع الجغرافي السابق الذي وضع فيه حركة «أنصار الله»، ووصمها بأنها «ميليشيا معزولة في الجبال»، ثم وصل إلى نتيجة متأخّرة مفادها أن الحركة تمتلك قوى عسكرية على الأرض وصواريخ وطائرات وزوارق مسيّرة.وفي هذا الإطار، يقول موقع «أنهيرد» الإخباري البريطاني «إننا لم نعد نعرف كيف نتحدّث عن ما يحدث. من المفترض أن تكون البحرية الأميركية هي الأقوى في العالم. كما أن كل فيلم حربي في العقدين الماضيين أصر على تذكيرنا بأن كل ما يتطلّبه الأمر هو حاملة طائرات واحدة لفرض الاستسلام على دولة نامية»، مستدركاً بأن «اليمن هو المكان الذي تصطدم فيه هذه الروايات بالواقع»، منبّهاً إلى أنه «إذا استمر الحصار اليمني، فذلك سوف يعني أمرين: الأول هو أن العالم بأسره سيتلقى دليلاً درامياً على تزايد العجز العسكري والسياسي للغرب، وهو ما ستكون له تداعيات حقيقية على الديبلوماسية الغربية في مناطق مثل المحيط الهادئ؛ والثاني، وربما الأهم، أن إجبار السفن على الدوران حول قناة السويس، وهي واحدة من أهم طرق التجارة في العالم، سيتجلّى في أزمات إمداد وارتفاع هيكلي في الأسعار، ولا سيما بالنسبة إلى الاقتصاديات الأوروبية».
وعلى أي حال، فالأكيد أن المهمّة الأميركية في البحر الأحمر، بدأت في التراجع والانحسار، وهو ما لم يعد في مقدور القادة العسكريين إخفاؤه عن المستوى السياسي. وفي هذا الإطار، اعترف قائد «القيادة المركزية الأميركية»، الجنرال مايكل كوريلا، بالفشل، وبعث برسالة إلى وزير الدفاع، لويد أوستن، قال فيها إن السياسات الحالية «فشلت» في تحقيق التأثير المطلوب على هجمات «أنصار الله» في البحر الأحمر. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن كوريلا دعا إلى اتباع نهج «حكومي كامل» في التعامل مع هذه القضية، يشمل الضغط الاقتصادي والديبلوماسي، بالإضافة إلى ضغط عسكري أكبر لثني الجماعة عن حملتها ضد السفن التجارية في المنطقة. وأشار أحد المسؤولين، في حديث إلى الصحيفة، إلى أن «نبرة الرسالة صدمت بعض مسؤولي وزارة الدفاع، وخاصة لناحية إصرار كوريلا على أن أعضاء الخدمة الأميركية سيموتون إذا ظللنا على هذا النحو».
الغرب يعترف بأن «أنصار الله» متقدّمون عليه بخطوة واحدة في استغلال الإنترنت
في المقابل، لا يعمل اليمن على إخفاء أصوله العسكرية عن عين الأجهزة المتطوّرة للولايات المتحدة، أي ما يسمى عسكرياً «الدفاع السلبي» فقط، بل عمل أيضاً على استحداث أجهزة استخبارات حديثة تواكب حركة الأساطيل والطائرات الأميركية على كامل مساحة الجزيرة العربية، وهو ما أدى في غير مرّة إلى وقوع أحداث مفاجئة، وتولُّد وضع حرج ومعقّد جداً لتلك الأساطيل. وقالت مجلة «نيوزويك» الأميركية إن البحرية الأميركية لم تعُد تكشف عن مواقع حاملات الطائرات في الشرق الأوسط، وإذا فعلت، فبشكل غامض، وتكتفي بالقول إن «السفن تعمل في منطقة مسؤولية القيادة المركزية». وعلى ضوء ذلك، وفي ظل فشل الخيار العسكري، انتقل الغرب إلى تفعيل الخيار الاقتصادي، عبر تصنيف «أنصار الله» على لوائح الإرهاب، وفرض عقوبات على قادتها والمؤسسات والجمعيات والأشخاص الذين يتعاملون معها في الخارج. كما بدأت القوى الغربية تبحث في كيفية مواجهة الحضور اليمني الفاعل في البيئة الرقمية، بعد أن تبيّن لها أن ملايين المتابعين يتفاعلون مع سردية «أنصار الله» ليس في العالم العربي فقط، بل في المجتمعات الغربية أيضاً.
كما أن أكثر ما يتوقّف الغرب عنده، هو الاستخدام المزدوج للتكنولوجيا وأدواتها، ومن بينها الإنترنت، من قبل جماعات ودول يصنّفها على لوائح الإرهاب؛ ولربما لو عاد به الزمن إلى الوراء، لقرّر وضع قيود على تصدير هذه التكنولوجيا، غير أن عجلة التطوّر لم تعد حكراً عليه. وفي هذا السياق، يبدو أن من ضمن الأوراق التي يحاول الغرب امتلاكها في مواجهة اليمن، التهديد بحرمان الأخير من استخدام الإنترنت كأداة اتصال إستراتيجية مهمة إلى جانب القنوات التلفزيونية، وسوق لتجارة الأسلحة. وأجرى «المعهد الملكي البريطاني للدراسات الإستراتيجية» دراسة خلص فيها إلى «أننا بحاجة إلى التحرّك إلى ما هو أبعد من القنابل والرصاص لمكافحة الإرهاب». وهاجم بشدة الأنشطة «الإرهابية» على الإنترنت، معترفاً بأن من يصفهم بالمتطرفين العنيفين «متقدمون علينا بخطوة واحدة في استغلالهم الإنترنت». وأضاف أنه «يتعيّن علينا تعطيل اتصالاتهم، وتفكيك شبكاتهم الرقمية، ومنعهم من استخدام الإنترنت كأداة للترويج لسردية اليمن وحماس وحزب الله وغيرهم. ويتطلّب هذا تعاوناً بين الحكومات وشركات التكنولوجيا والهيئات الدولية». ودعا المعهد الى إنشاء مركز وطني للاستخبارات مفتوحة المصدر، يقوم بتنسيق الخبرات والتكنولوجيا لدعم إنفاذ القانون والجهات التنظيمية.
لقمان عبدالله :الاخبار اللبنانية