القول السديد :صحيفة الحقيقة العدد”342″:دروس من خطابات ومحاضرات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله
القول السديد
لكل شهيد حكاية، وأي حكاية، حكاية الشهيد مملوءة بأغلى وأجمل الذكريات، ذكريات العمل الدؤوب، ذكريات الإخلاص لله سبحانه وتعالى، ذكريات الإيثار، ذكريات الصدق، ذكريات الوفاء.
{ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ }
الشهداء رحلوا عنا ولكن إلى أين؟ سافروا إلى مقامهم العظيم، إلى ضيافة الله، لقد استضافهم الله، ضيوفاً عند الكريم العظيم، عند أكرم الأكرمين، استضافهم وجعلهم أحياء، وكتب لهم الخلود، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ }(آل عمران: الآية 169) إنهم في ضيافته يكرمهم، يمن عليهم من عظيم فضله وواسع رحمته ما يليق بمقامهم فمقامهم عظيم، ما يليق بمكانتهم فمكانتهم عند الله عظيمة، ما يليق بشرفهم فشرفهم كبير، عطاؤهم بهذه الحياة وبذلهم لهذه الحياة، منحهم الله الكريم العظيم بدلاً منه الخلود والحياة الدائمة {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} فهنيئاً لهم، هنيئاً لهم هذه الضيافة عند الله، هنيئاً لهم ذلك المقام وذلك المستقر، ولتطب لهم تلك الحياة الهنيئة، هو الشرف الكبير الذي ترنوا إليه نفس كل مؤمن، ويتمناه ويشتاق له ويتلهف له كل ولي لله.
فرحين لا هَم ولا حَزن وليسوا نادمين على ما قدموا ولا آسفين على ما خلَّفوا وتركوا، ولا ما عنه رحلوا، كلا, فهم في حالة فرح واستبشار وسرور مرتاحين، مرتاحين {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} ما آتاهم من فضله العظيم وبره وكرمه وجوده وإنعامه الشيء العظيم العظيم الذي سمته التكريم، التكريم فهم مكرمون {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} من المكرمين.
فهم أحياء وهم فرحين بما آتاهم الله من فضله، ما بقي لهم من ذكريات فيما وراءهم، فيما تركوا وفيما عنه رحلوا هو أنهم يتذكرون رفقاءهم، رفقاءهم السائرون في دربهم من المؤمنين المجاهدين في سبيل الله، فهم في انتظار لمن تبقى متى يأتي ومتى يصل، متى يسافر إليهم ويصل إليهم لينال ذلك الشرف العظيم وتلك الضيافة الإلهية والكرامة الكبيرة التي أعدها الله سبحانه وتعالى.
{وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لأنه الفوز العظيم، لأنها التجارة الرابحة، لأنه النعيم الدائم، النعيم والكرامة التي لا تساويها كرامة، في ضيافة الله سبحانه وتعالى، يتذكرون من خلفهم من المؤمنين السائرين في دربهم الحاملين للراية، والحاملين للقضية، والقائمين بالمسؤولية، ينتظرونهم وهم يفرحون لهم، يستبشرون لهم بأنهم سيصيرون إلى ما قد وصلوا هم إليه. هذا هو الشرف الكبير وهذا حالهم وهذا مقامهم…
عندما نستذكر الشهداء، نستذكر ما حكاه الله عنهم، أنهم أحياء، هم أحياء في وجداننا، أحياء في قلوبنا في مشاعرنا، لن ننساهم، ولن ننسى مآثرهم، لن ننسى مواقفهم، لن ننسى صبرهم ومصابرتهم، لن ننسى ما كانوا عليه من الروحية العالية والبذل والتضحية والإيثار والفداء للإسلام وللمستضعفين، والصدق، لن ننسى مآثرهم في ميادين العمل، لكل شهيد حكاية، وأي حكاية، حكاية الشهيد مملوءة بأغلى وأجمل الذكريات، ذكريات العمل الدؤوب، ذكريات الإخلاص لله سبحانه وتعالى، ذكريات الإيثار، ذكريات الصدق، ذكريات الوفاء.
كرامةٌ إلهيةٌ خاصةٌ بأسر الشهداء
نستذكر أيضاً في ذكرى الشهيد الفضل العظيم لأسر الشهداء لمن يحتسبون شهداءهم عند الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(سورة البقرة) فكل أسرة شهيد قدمت في سبيل الله من أبنائها واحتسبتهم عند الله سبحانه وتعالى لها عند الله هذا الشرف، لها عند الله هذا الفضل، لها عند الله هذه الكرامة {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} لهم هذه المنزلة الرفيعة والعالية والفضل الكبير عند الله، ولهم هذا العطاء الإلهي الذي وعدهم الله به، ولن يخلف الله وعده.
إننا أيها الإخوة الأعزاء في هذه المسيرة المباركة عندما نتأمل الواقع والظروف التي يعيشها بلدنا وتعيشها أمتنا نرى أهمية وقيمة ثقافة الشهادة وضرورتها في واقعنا العملي، نحن في مرحلة مهمة وحساسة وخطيرة جداً، مرحلة يعيش فيها البلد ظروفاً خطيرة جداً، الأمريكيون يركزون على البلد بالذات اليمن تركيزاً أكبر من أي منطقة أخرى كما يقولون هم، وهم حريصون على أن يحكموا سيطرتهم على البلد، قطعوا شوطاً كبيراً في السيطرة على أشياء مهمة في مقدمتها القرار السياسي في البلد.
ثقافةُ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ تصنعُ أمةً قويةً في مواجهةِ كلِّ التحديات
إن الأمة المؤمنة الحاضرة دائماً والمستعدة على الدوام لتقديم الشهداء، الأمة التي فيها رجال مؤمنون، باعوا أنفسهم من الله، وهم حاضرون على الدوام لتقديم أنفسهم في سبيل الله وابتغاء مرضاته، دائماً ما تكون أمة قوية، أمة يحسب لها العدو ألف حساب، أمة في مستوى المسؤولية، أمة في مستوى مواجهة كل التحديات، وكل الأخطار، وكل الأعداء.
لكن لو فقدت الأمة هذا الشهادة، هذه الثقافة، ثقافة الشهادة، ثقافة التضحية، البذل بلا حدود في سبيل الله سبحانه وتعالى لكانت أمة ذليلة ولصارت أمة مستعبدة مقهورة، تقدم من القتلى أضعاف أضعاف ما ستقدمه من شهداء وهي في سبيل الله سبحانه وتعالى.
ما تحقق بفضل الشهداء وبفضل تضحياتهم وثباتهم واستبسالهم في سبيل الله سبحانه وتعالى هو الشيء العظيم، نصراً وعزة وقوة، دفعاً لكثير من المخاطر وفي مقدمتها الإبادة الجماعية، كانوا بالنسبة للطغاة والمجرمين في النظام الظالم الجائر، والقوى الإقليمية المتآمرة والظالمة والمتعاونة معه، والقوى الدولية وفي مقدمتها أمريكا، كانوا يريدون – وذلك واضح حتى في خطابات مجرميهم وأكابر مجرميهم – ينادون باستئصال الأمة، بالقضاء عليها، وفعلاً وممارسة وسلوكاً كانوا يستهدفون كل شيء، بطائراتهم، براجمات صواريخهم، بمدفعيتهم، كانوا يستهدفون كل شيء الكبير والصغير، الرجل والمرأة، يستهدفون الناس حتى في الاجتماعات الكبيرة، في الأسواق وفي غير الأسواق، يعني كان لديهم من نية واضحة، ومن خلال الممارسة والسلوك أثبتوا ذلك أنهم يريدون الإبادة الجماعية للناس، كانوا يستبيحون تحت كل العناوين، يستبيحون الناس جميعاً، عناوين سياسية، عناوين حتى دينية، من مجرميهم الذين يقدمون أنفسهم وكأنهم أصحاب دين وتحت عناوين دينية.
لكن لتلك التضحيات والجهود والمصابرة الأثر العظيم في أن يحقق الله نصراً يدفع به عن أمتنا الاستئصال والجرائم التي هي جرائم الإبادة الجماعية وما إلى ذلك، فما تحقق هو شيء كبير، وما سيتحقق في المستقبل إن شاء الله ثمرة لهذه الجهود وهذه التضحيات هو أكثر وأكبر وأرقى وأسمى وأعظم بإذن الله سبحانه وتعالى.