القول السديد :صحيفة الحقيقة العدد”341″:دروس من خطابات ومحاضرات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله
القول السديد
تعزيز الارتباط بالقرآن والرسول هو الذي يحمينا ويحصننا تجاه كل حملات الحرب الناعمة، هو الذي سيحفظ لنا كرامتنا، هو الذي يمكن أن نبني عليه حاضر حياتنا ومستقبلها، هو الذي يمكن من خلاله أن نعالج كل مشكلاتنا، وأن نواجه كل التحديات مهما كانت تلك التحديات.
الحرب الناعمة
الحفاظ على الأصالة والهوية الإسلامية يمثّل حصانة من الحرب الناعمة
نركز على الحفاظ على الأصالة والهوية الإسلامية، ونحن كشعبٍ يمني روي عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” أنه قال: (الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية)، نحن معنيون أن نركِّز على الحفاظ على أصالة انتمائنا وهويتنا الإسلامية؛ لأننا نواجه اليوم نوعاً من أخطر الحروب، ومن أخطر أشكال الاستهداف، ذلكم- أيها الإخوة والأخوات- هو الحرب الناعمة.
الحرب الناعمة: هي حرب ضلال، ضلال يستهدف إبعادنا عن هويتنا الدينية، عن هويتنا الإسلامية، حرب بالفكر، بالثقافة، بالمفاهيم الظلامية والباطلة والخاطئة، وسائلها كثيرة، ودعاتها كثر، وهي تتحرك لاستهدافنا من خلال الكثير والكثير من الوسائل. الحرب الناعمة ذات شق تثقيفي، وذات شق إفسادي، ذات شق يستهدف فكر الإنسان، مفاهيمه، نظرته، ثقافته، وذات شق يستهدف زكاء الإنسان، وطهره، وعفافه، وأخلاقه، وقيمه، ونحن اليوم … معنيون أن نركِّز بشكلٍ كبير لأن نسعى لامتلاك الوعي اللازم الذي يحصننا وعياً وثقافةً تجاه هذا النوع من الحرب، تجاه هذا الشكل من أشكال الاستهداف.
الفاقد للعزم والوعي فريسة سهلة في الحرب الناعمة
الحرب الناعمة وسيلة للتضليل تحت عناوين مخادعة، والتضليل عادةً ما يتم بطرق مخادعة، وقد قدَّم الله لنا درساً مهماً كيف هي الحرب الناعمة في أول مشكلة يواجهها الإنسان من هذا النوع من الحرب، وتجاه هذا الشكل من أشكال الاستهداف، في أول حادثة وقعت واجه فيها الإنسان هذه الحرب، هذا الشكل من أشكال الاستهداف مع أبينا آدم “عليه السلام” بعد وجوده وخلقه، يقول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: الآية115]، {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ} الله “سبحانه وتعالى” قدَّم في هدايته لآدم التوصيات والتعليمات اللازمة والمهمة التي تحميه من هذا الخطر الذي يشكِّل خطورةً كبيرةً عليه في واقع حياته، {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ} توصيات وتوجيهات مؤكدة وملزِمة وواضحة، وفيها التحذير الكافي، وكانت مشكلة آدم “عليه السلام” كما قال الله عنه: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}، أخطر حالة هي حالة الغفلة، النسيان، عدم الانتباه لهذا النوع من الاستهداف، التباسط للأمور، هذه الحالة خطرة جداً، وستبقى هي الحالة الخطرة علينا في كلِّ زمانٍ ومكان، وعندما يفقد الإنسان العزم، الجهوزية العالية، الوعي الكافي، الانتباه اللازم، اليقظة المطلوبة، في مثل هذه الحالة يكون الإنسان فريسةً سهلة للإيقاع به في هذه الحرب الناعمة، الإنسان إذا تسلَّح بالوعي، باليقظة، بالعزم، بالانتباه، بالاهتمام؛ فهو سيتحصن من الإيقاع به في هذه الحرب الخطرة.
البدايات الأولى للحرب الناعمة
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى}[طه: الآية116]، الله “سبحانه وتعالى” كرَّم هذا الإنسان، وأسجد الملائكة لأبينا آدم تكرمةً للوجود البشري، لأبينا آدم، للإنسانية جمعاء، الله يريد لنا الكرامة، يريد لنا الخير، يريد لنا مع الكرامة المعنوية السعادة في حياتنا أيضاً، {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} هناك واحد من الجميع من أولئك الذين وجِّه إليهم هذا التكليف وأمروا بالسجود، هو إبليس أبى وامتنع أشد الامتناع عن السجود لآدم، واستكبر وعادى آدم، وعادى هذا الوجود البشري، {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه: الآية117]، إبليس هو عدوٌ للإنسان رجلاً وامرأة، {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ}،فإبليس هو عدوٌ للإنسان سواءً كان هذا الإنسان ذكراً أو كان أنثى، هو عدو للجميع، وعداؤه يتمثل في سعيه للإيقاع بهذا الإنسان في الضلال، في الغواية، يعني: الحرب الناعمة، الحرب الناعمة: هي حرب إغواء، وحرب تضليل، والهدف منها: إيقاع الإنسان في الشقاء، {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}؛ لأن عملية الإغواء والتضليل هي عملية أثرها في الحياة هو الشقاء، هو أن يشقى الإنسان، أن يهون، أن يذل، أن يخسر الخير، أن يعاني.
{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}[طه: 118-119]، لك في هذه الجنة التي أعطاك الله لتبدأ بها مسيرة حياتك في هذه الأرض كل هذه الرعاية الشاملة، (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا): تتوفر لك كل المواد الغذائية اللازمة، (وَلَا تَعْرَى): تتوفر لك الملابس، جوانب أساسية في احتياجات الإنسان، (وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا): يتوفر لك ما تحتاج إليه من الماء والشراب، (وَلَا تَضْحَى): لا تعاني الكد والنصب والتعب الشديد، فتعيش حالةً مستقرة.
فماذا عمل الشيطان؟ {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: الآية120]، وسيلة الإغواء وعناوين التضليل هي عناوين مخادعة، هي تتوجه إلى الإنسان من جوانب تمثِّل إغراءً لهذا الإنسان، وتأثيراً على مشاعر هذا الإنسان، إبليس عندما وسوس لآدم دخل من خلال هذه العناوين التي تلامس في نفس الإنسان رغبات معينة، (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ): شجرة إذا أكلت منها تعيش للأبد، وتحيا للأبد، ولا تموت نهائياً! (وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى): ملك يبقى على الدوام متجدداً لا ينقطع ولا يبلى! وهكذا هي دائماً العناوين التي يتحرك من خلالها الشيطان وأولياء الشيطان في استهدافنا كمسلمين، كشعبٍ مسلم، وكأمةٍ مسلمة، العناوين التي يحاولون من خلالها الإغواء الفكري والتضليل الثقافي، أو العناوين التي يحاولون أن يؤثِّروا بها من خلال ملامسة الرغبات والشهوات؛ للإيقاع بنا، لإغوائنا، للتضليل لنا، للإفساد لنا، لتضييع القيم والأخلاق من واقع حياتنا.
{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[طه: 121-123]، الحرب الناعمة- أيها الإخوة والأخوات- بدأت من تلك اللحظة: من اللحظة التي خاطب فيها إبليس آدم وحواء “عليهما السلام” بهذا العنوان المغري والجذاب: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}، بينما كانت النتيجة هي أنهما خسرا كل شيءٍ حتى الملابس، حتى الملابس، {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}، والنتيجة من تلك اللحظة تحددت لمستقبل البشرية إلى قيام الساعة، من تلك اللحظة إلى آخر إنسانٍ يولد في هذه الحياة هي هذه النتيجة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه : 123-124].
تعزيز الارتباط بالقرآن وبالرسول حصانة من الحرب الناعمة
ولذلك نحن معنيون أن نرسِّخ في انتمائنا لهذا الإسلام العظيم ارتباطنا الوثيق بالقرآن الكريم، التثقف بثقافته، الوعي لمفاهيمه، الاستنارة بنوره، والاستبصار ببصائره، وأن نرسِّخ في واقعنا الاقتداء برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” كقدوة وأسوة وقائد وهادٍ؛ حتى لا نعيش حالة الانفلات، ولا الفراغ، ولا حالة التأثر بمن هبَّ ودبّ، البعض يدخل على مواقع التواصل الاجتماعي يتأثر بأي شيءٍ يطَّلع عليه، بأي شيءٍ، أي عنوانٍ قد يكون عنواناً مغرياً، أخطر شيءٍ على شبابنا وشاباتنا في هذه المرحلة التاريخية في واقع الأمة هو الانفلات والفراغ، إذا لم يعش الإنسان معنى الانتماء الحقيقي للإسلام في التمسك برسول الله، في الاقتداء برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، في الانشداد إلى هذا الرسول العظيم، في التطلع إلى سيرته كما أوردها القرآن، والتمسك بالقرآن الكريم الذي هو المحتوى الشامل والأساس والصادق- والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- للإسلام العظيم، محتوى الإسلام بكله في القرآن الكريم، في كل أسسه ومبادئه، كتاب الهداية.
فتعزيز هذا الارتباط بالقرآن والرسول هو الذي يحمينا ويحصننا تجاه كل حملات الحرب الناعمة، هو الذي سيحفظ لنا كرامتنا، هو الذي يمكن أن نبني عليه حاضر حياتنا ومستقبلها، هو الذي يمكن من خلاله أن نعالج كل مشكلاتنا، وأن نواجه كل التحديات مهما كانت تلك التحديات.
من كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي خلال فعالية الجامعات اليمنية بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 1441هـ