القول السديد :صحيفة الحقيقة العدد”364″:دروس من محاضرة-يوم-الفرقان4 للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله”
القول السديد
القضية المحورية والرئيسية: جدًّا كيف نكون بحيث يكون الله معنا، إذا كنا على النحو الذي يكون الله فيه معنا فلا قلق في مواجهة أي تحديات مهما كانت، أي أعداء مهما كانوا ومهما كانت إمكاناتهم، أي مؤامرات من جانب الأعداء مهما كان حجمها
ثمرة الاعتماد والتوكل على الله تعالى
قال الله سبحانه وتعالى:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال 17]
الدروس والعبر من هذه الآية المباركة: أول درس هو: ثمرة الاعتماد على الله، والتوكل على الله -جلَّ شأنه-، فالله -جل شأنه- يمنح من رعايته، ومعونته، وتأييده، ما يمكِّن عباده المؤمنين في موقفهم الحق من إلحاق الخسائر الكبيرة بالعدو، بالرغم من محدودية الإمكانات على المستوى المادي والعسكري في يد المؤمنين، وما يمتلكه المؤمنون، ولكن الله يمكنهم فيعطيهم فاعلية عالية في المواجهة، ويمكنهم أيضاً من إلحاق خسائر حساسة وكبيرة، تصل أحياناً إلى قتل قادة في صفوف العدو، والقتل في صفوف العدو في المعركة العسكرية من أكبر ما يؤثِّر عليه، ويسبب له الهزيمة، ويترك تأثيراً كبيراً عليه فيما بعد ذلك، ودائماً ما تحسب في مقدِّمة الخسائر العسكرية: القتلى؛ باعتبارهم في حساب الخسائر من أخطر الخسائر، ومن أكبر الخسائر العسكرية التي تترك تأثيراً كبيراً في ميدان القتال، والله يتدخل في هذا الجانب المؤثر
أيضاً: التمكين من قتل الأعداء، من قتل قادتهم، من قتل فرسانهم وشجعانهم، فيمثل هذا نكايةً بهم، وتطهيراً للأرض منهم ومن شرهم؛ لأن العنصر البشري هو الأساس في المعركة وفي الصراع، العنصر البشري هو الفاعل، هو المؤثر، هو الذي يتحرك، فعندما يُضْرَب العنصر البشري للعدو، هذا يؤثر عليه، وهذا يفيد أيضاً في مهمة تطهير الأرض من المجرمين والأشرار، الذين يشكِّلون خطراً على البشرية في أمنها، واستقرارها، وصلاحها، وصلاح حياتها…إلخ.
ابتعد عن الغرور واستشعر فضل الله عليك
الدرس الآخر هو درسٌ تربويٌ مهم، وهو: أنَّ الله يذكِّرنا بأنه -جل شأنه- الذي يمكِّن، لولا تمكينه، لولا تأييده، لولا معونته، لولا إمداده المعنوي، لولا تسهيلاته الكثيرة التي يحققها لعباده المؤمنين؛ لما تمكَّنوا من النكاية بالعدو بحساب إمكاناتهم المادية وقدراتهم البشرية، ولكن تأييد الله ومعونته كانت هي الحاسمة، والتي حققت هذه النتيجة، وبدونها لم يكن ذلك ليحدث، ولم تكن تلك النتيجة لتكون.
فعلى المستوى التربوي يبقى الإنسان المؤمن معترفاً بالفضل لله، ويبقى مستشعراً فضل الله عليه، ونعمته عليه؛ حتى لا يصاب بالغرور، عندما تكون في ميدان المعركة، عندما يحقق الله على يديك البعض من النتائج، أو التنكيل بالعدو، أو القتل لقادة من قادة العدو، أو إلحاق نكاية شديدة بالعدو، لا تعش حالة الغرور والعجب بالنفس، وتتجه إلى نفسك فتحسب هذا إنجازك، وقدرتك، وخبرتك، وجدارتك… وهكذا تتجه إلى نفسك، بدلاً من التوجه إلى الله ، هذا أمرٌ خطيرٌ جدًّا، هو يبعدك عن التوجه بالشكر لله ، فأنت بدلاً من الشكر لله، والاعتراف بنعمته، والإقرار بفضله، والتأثر بالانشداد نحو الله بالتعظيم له، والمحبة له، تخسر كل هذا، وتتجه نحو نفسك لتعيش حالةً سلبية من تضخُّم الذات، من التعظيم للنفس، من الاستشعار لعظمة النفس… وهكذا تجعل من نفسك صنماً تتجه إليه، تعظِّمه، تمجِّده، تكبر أنت في نفسك على نحوٍ سلبيٍ.
كذلك تصبح ناقماً على الناس، أنت تفترض منهم أشياء كثيرة بحقك: أن يروك كبيراً، أن يروك مهماً، أن يروك عظيماً، أن يقدِّموا لك إمكانات معينة، أن يعطوك ماديات معينة، أن يعطوك مناصب ومواقع معينة؛ فتفسد نفسيتك، وتتحول إلى صاحب أطماع وأهواء، وتتحول رغباتك في هذه الحياة وتوجهاتك محكومةً بهذا الهوى وبهذا الهوس.
الغرق في الذات من أعظم الآفات!
وقد يصل الحد بالبعض إلى أن يصاب بجنون العظمة، وبالتمحور والغرق في الذات؛ فلا يبقى مفكِّراً إلَّا في نفسه، وفي أهمية نفسه، وفي عظمة نفسه… وهكذا. وغارقاً في نفسه، ويبقى حسَّاساً جدًّا تجاه الآخرين بهذا الحساب، بهذه النظرة، من هذه التقديرات: [كيف هم؟ هل هم يحترمونني جدًّا أم لا؟ هل يقرون بمكانتي ودوري أم لا؟ هل هم كذا أم لا؟]، فيحكم علاقته بالآخرين من خلال هذا الاعتبار الشخصي، ويغرق في شخصنة الأمور من حوله، المواضيع من حوله، الأعمال من حوله يطبعها بالطابع الشخصي، هو يريد من كل عمل أن يكسب به المزيد من الأهمية، المزيد من تعزيز الموقع والشخصية؛ فيفقد إخلاصه لله .
ولاحظوا، كم تكثر الآفات عندما يصاب الإنسان بمثل هذه الحالة: يفقد الإخلاص لله ، يفقد الاستشعار للقربة إلى الله بما يعمل، يعيش حالة الغرور، يعيش حالة العجب، يعيش حالة الكبر، يتحول من المختالين، والله كما يقول في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء: من الآية36]، يصبح كثير الافتخار والاعتداد بالنفس، فيكثر من قول: [أنا وأنا وأنا… وأنا الذي فعلت، وأنا الذي صنعت، وأنا الذي حققت، وأنا الذي أنجزت]… وهكذا، وهذه حالة رهيبة جدًّا.
يعالجها القرآن الكريم بهذه التربية الإيمانية، التي يعيش الإنسان فيها حالة الذوبان لله ، وحالة الاستشعار لفضل الله، وهي الحالة الصحيحة، ليست مسألة مجاملة مع الله، هي الحالة الصحيحة والواقعية، أنَّك بدون الله لا شيء لا شيء، أنَّك بدون الله أنت الضعيف، أنت العاجز، أنت الذي لا تمتلك لا في روحك المعنوية، ولا في واقعك العملي، ما كان من الممكن أن تحقق ما حققه الله على يديك، لولا رعاية الله لك، لولا أنه هو الذي هيَّأ لك على مستوى الواقع العملي، وأمدك في واقعك النفسي والمعنوي، وهكذا هيَّأ الأشياء الكثيرة.
هناك أيضاً درس على المستوى الأمني: لا يستحسن أن يتباهى الإنسان بقتل أشخاص مثلاً في صف العدو، فيصبح يتباهى أنه الذي قتل فلاناً، أو أنه الذي تمكَّن من قتل فلان، على المستوى الأمني يمكن أن يركِّزوا عليه شخصياً، وتتحول القضية إلى قضية شبه شخصية وثأر شخصي.
هناك درس أيضاً على المستوى الاجتماعي: وهو أنَّ البعض قد يكون من أسرة معينة، أو من منطقة معينة، أو من قبيلة معينة، والتباهي بقتله قد يورث الضغائن في نفس أسرته، في نفس أصحابه، في قبيلته، وتكون المسألة حسَّاسة، تترك تأثيراً سلبياً على المستوى الاجتماعي، البعض قد يكون من نفس مجتمعك الذي أنت تعيش فيه، فيكون لهذا آثار سلبية حتى على مستوى المستقبل، على مستوى المستقبل قد يؤثِّر على البعض في موقفهم، في هدايتهم، في صلاحهم، فلهذا دروس متعددة، هذا بعضٌ منها.
كيف يكون التأييد والتسديد. ومتى؟
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، وكذلك يفيدنا كيف أنَّ الاعتماد على الله، والتوكل على الله ، والتحرك الجاد في موقف الحق يساعد على التسديد من الله ، وإعطاء فعالية كبيرة جدًّا للأشياء الممكنة والمتاحة، حتى لو كانت بنظر الناس بسيطة، فتلك الحصباء التي رمى بها النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- تحوَّلت إلى ذات تأثير كبير في نفوس الأعداء وعليهم، عندما يتحرك الناس في سبيل الله في موقف الحق، بإمكاناتهم وما يستطيعونه، وبتوكلٍ على الله ، فالله سيعطيها الفاعلية العالية في مواجهة العدو.
هناك أيضاً درسٌ مهمٌ من قوله -جل شأنه-: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}، المؤمنون- والإيمان هو صلة عظيمة بالله -عندما يتحركون في سبيل الله، عندما ينهضون في الموقف الحق ويتحملون مسؤولياتهم، فالله هو يوليهم من رعايته، من معونته، من تأييده، وهم في مثل هذا الظرف الصعب: وهم يخوضون المعركة، وهم يواجهون التحديات، يوليهم من رعايته، ومن فضله، ومن إحسانه الشيء العظيم والكبير والواسع، ويؤيِّدهم -جل شأنه-، هو يتدخل في الظروف الحسَّاسة والصعبة، ويواكبهم لحظةً بلحظة، فيمنحهم معونته وتأييده ورعايته العجيبة جدًّا، ولكن المهم جدًّا بالنسبة لنا أن نفهم أنَّ هذه الصلة التي تحظى الأمة من خلالها بمثل هذه الرعاية الإلهية، بمثل هذه المعونة من الله ، بمثل هذا التمكين والتأييد الكبير من الله ، هي الإيمان، ولهذا يأتي العنوان هنا: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ}، فالإيمان هو الصلة الهامة والأساسية بالله ، التي يحظى الناس من خلالها بمعونة عجيبة من الله، برعاية عجيبة من الله، بتأييد كبير من الله .
{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، يسمع للمؤمنين دعاءهم، نداءهم، استغاثتهم، التجاءهم، ويعلم بصدق نياتهم، وإخلاصهم، وجدهم، وجهودهم، وتضحياتهم، وعنائهم، وصبرهم، وأعمالهم، وعطاءاتهم، يعلم بكل ذلك، فيكافئهم في الدنيا، ويكافئهم في الآخرة، ويجزيهم خير الجزاء، ويعينهم.
لكي يوهن الله كيد الكافرين