القدسُ أقرب.. وصلاة اقترب أذانها في الأقصى
الحقية/ليلى عماشا
“يوم القدس” هو اليوم الذي أعلنه إمامٌ ثوريّ ذو سرّ مقدّس، السيّد روح الله الموسوي الخمينيّ العظيم، ليكرّس آخر يوم جمعة من شهر رمضان يومًا يُرفع فيه اسم القدس أذانًا يدعو أحرار العالم لصلاة الحرية، ولينصر مستضعفي فلسطين والعالم، ويصون القدس كي تبقى مدينة لا تُسلب هويتها ولا تُنسى مظلوميّتها مهما تكاثر عليها الأعداء وسارقو البلاد ومزوّرو الهويّات..
في كلّ عام، يحملُ يوم القدس شعارًا من وحي المرحلة، أي شعارًا يعكس حقيقة المسافة التي تفصلنا عن تحرير القدس في مسار الصراع الوجوديّ بيننا وبين شياطين هذه الأرض.. وفي هذا العام، “القُدس أقرب”.
“لديّ يقينٌ بذلك”، كلماتٌ ثلاث تُسمع بصوت سيّد النّصر نصر الله وتسري يقينًا في دمنا..
من على شرفةِ عامل حيث يمتدُ الجليل جبالًا بلونِ الغضب الذي يعدّ العدّة للحريّة، يمكن للنّاظر أن يسمع هذه الكلمات تمرّ بين النسمات، فيرى القدس، شعلة الحقّ المقدّس، قريبة.. بل الأقرب.. يراها على مرمى حجر من القلب المدجّج بصورِ الشهداء، على جناح مسيّرة بلون الشمس تهزأ بمنظومة التكنولوجيا المتطورة، على اسم الأحبة المكتوب في صوتِ الطلقات، وعلى منصات الصواريخ العابرة لحدود الظلم والساخرة من “قبّتهم الحديدية”..
في آخر زيارة له إلى مكتبه قبل استشهاده، وثّقت الكاميرا مرور حبيب فلسطين وقائد قوّتها الثورية الشهيد قاسم سليماني ببطء قرب لوحة جدارية للقدس، مرّ عليها بيده الأحنّ، وترك على المشهد قبلة من عينيه الشّريفتين كأنّه يعدها باقتراب الموعد.. ومن كمثله حرًّا يفي بالوعود ويصون بالدمّ الطاهر عهد الأحرار.. قال يومًا: “المشاهد الموجعة في فلسطين تدمي قلوبنا وتلفّ صدورنا بحزن شديد في جوهره غضب عميق”. يومها لم يكن يقصد فقط المشاهد التي مرّت بذاكرته عن مظلومية أهل فلسطين، بل بعيني بصيرته تحدّث عن كلّ يوم فلسطينيّ، وليس آخرها حريق صدورنا الذي يلتهب في حي الشيخ جرّاح..
في اليمن، تحضر القدس في كلّ الأيّام سيّدة عزيزة في بيت كريم.. يستضيف اليمنيون الأحرار فلسطين، بل يجعلونها في صدر دورهم ليذكّروا الكون أنّ المعركة واحدة ولا تتجزّأ. ينطق اليمانيّ بلسان الحريّة الأشدّ فصاحة: القدس أقرب.. ترى العبارة مكتوبة في عيون الأطفال التي عقيق ودم حرّ وسلاح، في بسالة المقاتلين من أنصار الله وهم يلقمون بني سعود النار والحديد عقابًا لهم على تصهينهم القديم المتجدّد..
ومن العراق الجميل، عراق الحشد المقدّس، القدس أقرب.. تجد نفسك على المسافة صفر من تراب فلسطين، حين تحدّثك رمال الصحاري التي ارتوت من دم الحق حتى نطقت به، عن وجهة هواها وهوائها.. حيثما توجّهت، ستسمع ابنًا او اخًا او صديقًا لأبي مهدي المهندس يحدّثك بكل الشجن الذي يسكن صوت العراقيين عن آلام فلسطين، وعن اقتراب اللحظة التي سيتدافع فيها أهل الحبّ في أرض العراق إلى صلاتهم في باحة الأقصى المبارك.
أما في سوريا، حاضنة الحبّ الفلسطينيّ، وحصن القضية الفلسطينية الأوفى، فالقدس ياسمينة كلّ دار، ويافا رائحة كلّ بستان وحقل، وعكا حكاية كلّ نسمة بحرية هبّت إلى فلسطين ومنها، وغزّة الدمعة العالقة في كلّ عين سوريّة.. سِر في دمشق مرّة وسترى كيف الأزقة والشوارع والمقاهي والبيوت كلّها تؤدي إلى فلسطين، وكلّ الجهات تصل بالمحبّين إلى أرض الحق المحتلّة.. حينها، ستلمس بالعين المسلّحة بيقينها أنّ القدس أقرب.
القدس أقرب، نصلها من كلّ شوارع محور المقاومة والحبّ، نسكنها في كلّ بيوت الأحرار، نراها من كلّ مكان يئنّ فيه مظلوم ومستضعف.. ونسمع صوتها واضحًا في هتافات المنتفضين كما سمعناه ليل أمس حين أنشدوا حبًّا بنصر الله، في طلقات منتصر شلبي الذي وحيدًا هزم جيش الاحتلال ومنظومته الأمنية بكلّ فروعها.. يأتينا على صهوة النسمات مذخّرًا بجيش من شهداء، ويأتينا، على كتف عمادٍ شهيدٍ طاف بفلسطين سبعًا: الأول طواف المقاتل والثاني طواف القائد والثالث طواف الحامي ويليه طواف الدّاعم. أما الخامس فطواف الموقن المطمئن، والسادس طواف الحرّ المحرِّر، والسابع طواف العاشق.. القدسُ أقرب، ومن يساوره شكٌّ فليملأ قلبه برائحة اليقين المنبعث من صور عماد مغنية، ويجهّز لنفسه زاد طريقه إلى صلاة اقترب أذانها في الأقصى..