القائد الاستثنائي! بقلم/ مصباح الهمداني
القائد الاستثنائي!
بقلم/ مصباح الهمداني
—————
أمسكت بقلمي لأكتب شيئًا في ذكرى استشهاد القائد سلام الله عليه؛ فسقطت عليَّ فجأة تساؤلات منها ماذا سأكتب عن البحر والسماء..عن الشمس والهواء.
وقد تتساءلون عن روابط تلك النِّعم وعلاقتها بالقائد..لستُ أدري..وحسبي أنها جاءت كنفحات مقارنة، وشواهد مقاربة.
دعونا نتعرف على القائد الشهيد من خلال صورة واحدة، في شهادة موثقة،
في مقابلة مع شبكة البي بي سي قال المذيع:
-أنتَ محاصَر فلماذا لا تسلم نفسك.
فأجاب القائد:
-مسألة التسليم هذه غير واردة، موقفنا موقف ديني..ماذا يعني أتَسَلَّم؟لمن؟ للمعتدي! لمن ينفذ توجيهات أمريكا وإسرائيل؟لمن يضربنا من أجل أن يسترضي أمريكا! موقفنا موقف ديني..سنقاتل..سنقاتل، وسندافع حتى يأذن الله بالنصر.
تلكَ هي روحية هذا القائد وهو في أصعب الظروف، وأما حين كان في فسحة من الأمان، فقد كان اهتمامه بالناس كثيرًا وكبيرًا، فيقول في أحد اجتماعات إحدى الجمعيات:
“وأقسم أن بناء مركز صحي في هذه المرحلة عندي أفضل من بناء مسجد”
وكان يقول لمن يمتلكون أرضًا:
“بأنه لايجوز لهم أن يتركوها بدون زراعة، فإما أن يزرعوها أو أن يتركوها لغيرهم ليزرعوها”…
ولقد التصق بالناس في أبسط همومهم، وتحدث عن الماء وعدم الإسراف في استخدامه، وحذر من المبيدات السامة…
وكان نبوغه يملأ القلوب، ويُدهِش العقول حتى قال عنه والده العلامة المجتهد الرباني بدر الدين الحوثي:
“قد آتاه الله الهداية، بل قمة الهداية”
وقال عنه:
“بأن الله اختار الحسين وأكمله بالشكل الذي لم يختر أحدًا مثله في هذا الزمان”
وقال عنه أيضًا:
“بأنه يعتقد بأن الله قد منح الحسين العلم والحكمة وفصل الخطاب”
وأما السيد القائد فقد قال عن الشهيد:
“السيد حسين رضوان الله عليه كان شخصية استثنائية”
وهكذا كان يتدرج في مسالك السالكين، وطريق المصلحين حتى اختاره الناس ليمثلهم في مجلس النواب، فكتب دعايته الإنتخابية المشهورة والتي قال فيها (أنا لا أعدكم بشيء، ولكني أعدكم ألا أمثلكم في باطل)
وقد صدَقَ في قوله ووفى في وعده، فلم يوقع أبدًا على القروض الدولية، والتي كانت تذهب إلى جيوب اللصوص، ولا يستفيد منها الشعب بشيء.
وحين جاءت حرب الجنوب في صيف 1994 كان من أكثر الناس معارضة لها في المجلس وفي الساحات، وحين فرضت الإقامة الجبرية على النواب، والإنعقاد الدائم لمباركة الحرب، كان القائد الشهيد يقود المظاهرات الرافضة للحرب في صعدة…
وقد كان لموقفه هذا أشد الوجع لسلطة صنعاء الدموية، وما إن انتصرت في الجنوب حتى جاءت إلى صعدة في يوم السبت 27/08/1995 بحملة كبيرة صبَّت جام غضبها على أنصار السيد في مران وهمدان وضحيان وغيرها، وضربت بيوت العلماء، وتم اعتقال أكثر من ستين شخصًا..
وقد وثَّق هذا السبت الدامي الشهيد زيد علي مصلح في قصيدة طويلة عنوانها(السبت الأسود)
يذكر مطلعها الأستاذ يحي قاسم أبو عواضة في كتابه مع الشهيد القائد، والتي قال فيها:
السبتُ يومٌ أسودٌ…منه اكتسى مران عارُ
جرحٌ يظل بمهجتي…حتى نُغَسِّلهُ بنارُ
شاء البُغاةُ بفعلهم…أن يُركِعونا للشرارُ
فلتُسمعُوا كل الدُّنا…صوتًا يهز قوى الصِّغارُ
لن نعبُد الطاغوت لا…حتى نُذَرُّ مع الغُبارُ
وسنجِد في كل صفحةٍ من صفحات الشهيد القائد منهج حياة لا يتغير، ولا يفترق عن القرآن قيد أنملة…
في الحرب الأولى، وهو محاصر، وصلته رسالة من كتلة حزب المؤتمر، وطلبوا منه أن يبعث برسالة استغاثة إلى الرئيس عفاش..فرمى بالورقة وقال”سنستغيث بالله القوي العزيز”..وقال في مناسبة أخرى”والله لو قد وصلوا إلى باب الجرف هذا لما اهتزت ثقتي بنصر الله”
وفي رده على سؤال لقناة البي بي سي يقول:
“أقسم لك وللمستمعين، بأنه ليس لنا علاقة بأي طرف على الإطلاق، لا عربي ولا مسلم ولا أجنبي، إلا بالله سبحانه وتعالى..نحن ثقتنا بالله”
لقد كانت بداية انطلاق المشروع القرآني التوعوي الثقافي في مناسبة يوم القدس العالمي 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر في محاضرة بعنوان”الإرهاب والسلام”
وفي يوم الخميس 17 يناير 2002 ومن مدرسة الإمام الهادي عليه السلام بمران خاطب العالم في محاضرة بعنوان “الصرخة في وجه المستكبرين”..والتي بدورها حققت مكاسب كثيرة منها كما يقول رفيق درب الشهيد القائد؛ الأستاذ يحي أبو عواضة:
1.أثارت الصرخة حالة السخط في نفوس الناس ضد أمريكا وإسرائيل.
2.كشف حقيقة اليهود وكيف يجب أن تكون النظرة إليهم.
3.فضحت مشاريع الهيمنة الأمريكية في اليمن.
4.فضحت السلطة العميلة في صنعاء.
5.فضحت العقيدة القتالية لجيش السلطة العميلة.
6.فضحت الوهابيين والذين انزعجوا على أسيادهم وحاربوا الصرخة.
7.فضحت كل المرتبطين بأمريكا وإسرائيل من أحزاب وشخصيات.
وما إن استقرت الصرخة في قلوب المؤمنين، وأثارت الغليان في قلوب المنافقين، وأرعبت قلوب المستكبرين..كانت المفاجأة الغريبة والعجيبة، وينعقد اجتماع للدول الصناعية الثمان في ولاية جورجيا الأمريكية، ويحضر تلك القمة عفاش، والعالَم في حالة ذهول لحضور هذا الذيل الصغير ولم يكُن أحدٌ يعلم سبب حضوره ودواعي تواجده، ولكن الحقيقة انكشفت، والخفايا انجلت بعد عودة العميل الصغير..فما إن عاد حتى بدأ حربه الظالمة على الحسين وأتباعه…
وبدات الحرب الأمريكية بالوكالة في الساعة العاشرةصباحًا من يوم الأحد 17/06/2004 بإطلاق قذائف المدفعية والدبابات والصواريخ على سكان جبل مران وهم بالآلاف.
وبدأت الصور تتجلى أكثر وأكثر حينما انضمت الحركة الوهابية التكفيرية للحرب مع عفاش العميل جنبًا إلى جنب.
ولقد كان الوهابيون أكثر قبحًا في نشر سلسلة الأكاذيب التي لا تنتهي والإشاعات التي لا تتوقف، وطبعوا ملايين الأوراق، ولكنها تلاشت أمام مدَّ المسيرة ونورها وبراهين صدقها وسموها.
وكانت كربلاء تعيد مأساتها على مران وعلى الحسين، وبعد حرب دامت ثمانين يومًا صمد فيها الشهيد القائد صمودًا أسطوريًا، وكسر فيها هيبة جيوش العمالة والارتزاق، وبعد أن حوصر الشهيد القائد ومعه أطفاله ونساؤه داخل جرف سلمان، وقطع عنه الماء، وتم صب البنزين وإشعال النار في الجرف، وعمل العملاء على تفجير الجرف بالألغام، وتساقطت الصخور على القائد الشهيد وأطفاله، وأصيب من أصيب واستشهد الكثير، وانتهى الزاد بعد الماء…
خرج القائد من بين الصخور على الأكتاف، لا تستطيع قدماه حمله، والجروح تغطي جسده، وبعد أن أعطوه الأمان، وما إن وصلوا إليه حتى أمطروه بنيران أسلحتهم، وصديد حقدهم، وطاروا فرحًا بقتل هذا العلم العظيم من أجل أمريكا وإسرائيل…
وما إن وصل الخبر إلى عفاش حتى هب مسرعًا ليزف البشرى إلى أسياده والتقى السفير
الأمريكي يطمئنه بمقتل الرجل الذي كاد أن يوقظ أمة…
ورحلَ الحسين كما رحل جده الحسين راضيًا مرضيا، وشهيدًا حيَّا، ونبراسًا مضيئا…
رحلَ سعيدًا فائزًا..ولم يمت أعداؤه حتى ابتلاهم الله بثوب الخيانة بعد ثوب الغدر، وماتوا في طريق المهانة والارتزاق جزاء ما اقترفوه طيلة عمرهم المليء بالشر والغدر والفجور.
رحل الحسين وجاء لنا بالقائد العلَم السيد عبد الملك، ولسان حال أمريكا واليهود اليوم يقول: ليتنا تركنا الحسين ولم يأتنا أبا جبريل…
فسلام الله على القائد الشهيد..وهنيئًا له الفوز بجوار الحسين سلام الله عليهم…
وهنيئًا لنا الخلَف العَلم أبا جبريل…
والذي على يديه سيصبحُ النصر إيقونة المستضعفين في كل البلاد بإذن الله…
“وما ذلك على الله بعزيز”
#مصباح_الهمداني
02/04/2019