الفصل الأكيد في مشروعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي كيوم العيد…بقلم/منير اسماعيل الشامي
الاحتفال بالمولد النبوي ليس وليد اليوم بل هي مناسبة عظيمة يحييها المسلمون بمختلف المذاهب الإسلامية سنية كانت أو شيعية من قبل قرن من الزمان، وفي كل البلاد الإسلامية .مئات السنين مضت والمسلمون يحيونها في كل عام، حتى صار لكل بلد طقوسه الخاصة في إحياء هذه الذكرى الغالية على القلوب، ولم يقل أحد أن الاحتفال بها حرام، كلا ولم يصف أي مذهب إحياء هذه المناسبة بالبدعة خلال مئات السنين .ولم يحرم إحياء هذه الذكرى العظيمة والغالية على قلوب المسلمين إلا المبتدعون والمنحرفون عن الدين الإسلامي الذين شذّوا عن كل المذاهب المشهورة والمارقين منها ومن الدين مروق السهم من الرمية وهم اتباع المذهب الوهابي الضال .وصفوا إحياء المولد النبوي الشريف بالبدعة، وحرموا الاحتفال بها من دون بينة ولا دليل فأفتروا الكذب وأفتوا بالضلالة وسفهوا من يحييها بل وأخرجوهم من ملة الإسلام وحجتهم أن السلف والتابعين لم يحتفلوا بها وهذه الحجة لا ترقى حتى إلى مستوى أن تكون دليلاً ضعيفاً ولا يُقبل الاحتجاج به ذلك أن الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة لا يدخل ضمن الأفعال التي ينطبق عليها مفهوم البدعة .فالبدعة 🙁 هي الشيء الذي لا سابق له ولم يعهده الناس في الماضي، أي الأمر المحدث الذي لم يرد به نص في كتاب الله ولا في هدي نبيه صلى الله عليه وعلى آله ، ولم يأمر به الشرع ولا أشار إليه، وكان فعله محظورا أو يقود إلى ما هو محرم شرعا كأن يحل حراما أو يحرم حلالا ويتعارض مع القيم والمبادئ والأخلاق، وأعراف المجتمع المسلم وعاداته) من هذا التعريف يتضح أن مصطلح البدعة لا ينطبق إلا على أمر محدث توفر فيه شرطان هما:- *- أن يكون ذلك الأمر المبتدع في عبادة من العبادات ولم يأمر به الله ولا رسوله ما يعني أن هذا الأمر ابتداع وجاء من خارج مصادر التشريع ولم يعهده الناس في سابق عهدهم*- أن يكون ذلك الأمر المبتدع محرما أو معصية أو يترتب عليه معصية كأن يحل حراما أو يحرم حلالا سواء أن كان فعلا أو قولا أو كان كليهما فإذا توفر الشرطان السابقان في الأمر المحدث صار بدعة محرمة وضلالة مهلكة وما يجدر الإشارة إليه في هذا المقام أنه ليس كل أمر محدث يعتبر بدعة فهناك أمور محدثة تدخل ضمن أعمال البر والتقوى التي أمر الله تعالى المؤمنين بها بقوله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) ومعروف أن البر كلمة جامعة لكل أعمال وأقوال الخير وهناك الكثير من أعمال البر والخير لم تكن تعرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في عهد التابعين والأمثلة على ذلك كثيرة جدا فعلى سبيل المثال لو أن شخصا دفع تكاليف عملية لمريض تتوقف عليها حياته وأنقذه من الموت فهل نقول أن عمله هذا بدعة ؟ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله كان يعلم أن هناك أموراً ستأتي في مستقبل الأمة ولم تظهر في عهده فقد أشار صلى الله عليه وعلى آله إلى هذا الأمر ليخرج الأمة من حالة الشك أو الالتباس وسمى كل أمر يدخل في باب البر ويفضي إلى ما فيه خير ومنفعة للناس بالسنة الحسنة وسمى كل أمر يدخل في باب المنكر والإثم ويفضي إلى ضرر على الناس سنة سيئة فقال ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ….إلخ الحديث ).
وبناء على ذلك فإننا لكي نعرف حقيقة إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف هل هو بدعة كما يقولون ؟ أم أنه سنة حسنة ؟ أم أنه يرقى إلى مستوى أن يكون عبادة او قريب العبادة ؟فإنه يجب علينا البحث عن طبيعة الاحتفال ونوعية الأفعال والأقوال التي تترتب عليه وإلى ما تفضي إليه في النهاية هل إلى أمور محرمة أم أمور مفروضة أم مندوبة أم جائزة …إلخ وما هي النتيجة النهائية للاحتفال ؟والواضح من خلال المقارنة والبحث أن إحياء هذه المناسبة والاحتفال بها لا تتوفر في ذلك شروط البدعة فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس عبادة مفروضة من جملة العبادات التي فرضها الله ولا هو أيضا معصية محرمة من المعاصي المنهي عنها، كما أن طرق الاحتفال وفقراته وكل ما يترافق خلاله من أعمال وأقوال ليست محرمة ولا تفضي إلى معصية بل على العكس فكل ذلك من الأمور التي تفضي إلى الخير والاحسان، فمنها ما أمرنا به كالذكر والصلاة على النبي، وإحياء سيرته ونشر هدية واشهار مناقبه صلوات الله عليه ومنها ما هو مستحب كالانفاق والاحسان، وتوزيع الهدايا وغير ذلك من الأمور المستحبة، مما يجعل الحكم الشرعي الأولي على إحياء هذه المناسبة يندرج تحت السنة الحسنة.وبعرض مناسبة إحياء المولد النبوي الشريف على كتاب الله تبارك وتعالى وعلى هدي نبيه صلوات الله عليه وعلى آله والبحث فيهما عن أدلة ترجيحية للفصل القاطع بحقيقة إحياء هذه المناسبة والاحتفال بها نجد أن هناك نصوص قاطعة تدل على أن أحياء هذه المناسبة والاحتفال بها يرقى إلى مستوى العبادة وفقاً للنص القرآني وهو ما ورد في قوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) يونس الآية (٥٨) وما يجعل إحياء هذه المناسبة أقرب إلى العبادة هو ورود نص صريح فيها، واشتمالها على أمور أمرنا الله تبارك وتعالى فيها وأمور أخرى مستحبة وهذه الأسباب ترقى بها من مستوى السنة الحسنة لتكون أقرب إلى مستوى العبادة .وقد يقول قائل أن الفضل والرحمة اللذان تشير إليهما الآية السابقة يشملان كل نعم الله تبارك وتعالى علينا فكل نعمة هي فضل من الله ورحمة منه وقد يخلق هذا القول الإلتابس على عامة الناس .إلا أن هذا القول مردود عليه بالنص القرآني الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض والذي يثبت ثبوتا قطعيا أن الفضل والرحمة الوارِدَان في الآية مخصوصان بالنبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو ما نبينه في ثلاث نقاط كما يلي:-النقطة الأولى :- أن الفضل والرحمة الذي تشير إليهما الآية السابقة هما الفضل العظيم والرحمة الكبرى وهما النعمة العظمى من الله على عباده والتي تتجسد في الرسول والرسالة .النقطة الثانية :- إن هذا الفضل وتلك الرحمة المشار إليهما في الآية هما النعمة العظيمة منّ الله على عباده التي لا تقاس بالمال والثروة وكنوز الدنيا وهو ما بيّنه الله تعالى في نفس الآية بأن الفرح بذلك الفضل وتلك الرحمة خير مما يجمع الناس من أموال الدنيا وثرواتها.النقطة الثالثة :-إن الله تبارك وتعالى أمر عباده أن يفرحوا بأعظم فضله وهو النبي والكتاب المنزل عليه وأعظم رحمته وهي النبي وهو ما بينه سبحانه وتعالى بسورة الجمعة بقوله (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وذلك أسم إشارة إلى ما ورد في الآيات السابقة لهذه الآية وبالرجوع إلى تلك الآيات نجدها تتحدث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي بعثه الله في الأميين ليعلمهم الكتاب والحكمة وهو ما يشير إليه لفظ الإشارة «ذلك» وأما الرحمة فقد بينها الله تبارك وتعالى أنها الرسول بقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)وبمقارنة فعّاليات إحياء هذه المناسبة بفعاليات عيد رأس السنة الميلادية الذي اعتادت بعض الشعوب العربية إحياءه وبنفس الطقوس والمراسم التي يقيمها النصارى نجد أنها تشتمل على أمور محرمة شرعا كشرب الخمور واختلاط النساء وهن متبرجات وشبه عاريات بالرجال للرقص في الشوارع والمراقص والإسراف في الإنفاق بالألعاب النارية وتزيين المدن والاشجار بالأضواء الكهربائية التي تكلف مئات الملايين والتشبه بالنصارى وكل ما سبق أمور محرمة شرعا وبالنص الصريح ومع ذلك فلم نسمع شيخا ممن أفتى بحرمة احياء المولد النبوي قال بحرمة الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية أو نهى عنه أو حتى قال بكراهة فعله فيا لعجب العجاب، ويا لها من فضيحة لمشايخ الوهابية ورواد التجهيل والتضليل .أفليس هذا أكبر دليل على دجلهم وضلالهم وأنهم يحكمون بغير ما انزل الله وهم يعلمون .وهنا قد يسأل أي شخص ويتساءل عن هدف من يفتي بحرمة إحياء هذه المناسبة من التحريم ؟ إن هدفهم بكل اختصار هو فصل شخصية النبي صلى الله عليه وعلى آله من وجدان الأمة، ليحل محلها طواغيت الضلال وشياطين الأرض فلا تقتدي به الأمة ولا تتعرف بنهجه ولا تميز بين الصحيح من سنته والباطل المدسوس فيه وبذلك يسهل تدجينها فتتنازل عن عزتها وقوتها وتغدو ألعوبة لأنظمة الاستكبار العالمي من اليهود والنصارى وهذا بفضل الله ما لا يكون ولن يكون .