الفشل الأميركي يقلق الخليج: ماذا لو أصبحت صنعاء قوة إقليمية؟

تقف الولايات المتحدة في حربها غير المتكافئة مع اليمن في موقف صعب. الحرب تتحوّل إلى فضيحة، لأنها بلا إستراتيجية واضحة سوى حرص الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على ما يسمّيه «تحركاً سريعاً لا هوادة فيه» على كل الجبهات تقريباً. ومن المرجّح، حسب مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية، أن تأتي تلك الحرب بنتائج عكسية وخيمة إذا لم تغيّر الإدارة مسارها.

فالخشية من فشل العدوان باتت تقلق الكثير من دوائر القرار الغربية والخليجية والمحلية، ويُعبَّر عنها بوضوح في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وتتم مناقشتها بين المسؤولين الخليجيين والأميركيين، ولا سيما أن أي فشل سيجعل اليمن أقوى عسكرياً وسياسياً وبقواعد أكثر رسوخاً من أي وقت مضى.

وثبت للجميع خلال الأسابيع الماضية زيف ادّعاءات الاستخبارات الأميركية بأنها نجحت في تحديث بنك أهدافها واختراق الساحة اليمنية، وانكشف كذبها الفاضح في الحديث عن اغتيال قادة الصف الأول في حركة «أنصار الله»، لتعود الدعاية الأميركية على إثر ذلك إلى نغمة تمتّع «أنصار الله» بميزة وجودهم في مناطق جبلية نائية، واحتمال أن يكون جزء كبير من ترسانتهم في مأمن من الاستهداف، وأن الجيش اليمني ليس جيشاً نظامياً، ولا يملك أصولاً أو بنية تحتية عسكرية ضخمة يمكن في حال قصفها أن تُشلّ قدرات الجيش وتعطّلها.

وتمكّن هذا الجيش من تطوير أساليب العمل والتكتيكات العسكرية وفقاً للتهديدات الدائمة والناشئة بمرونة فائقة وبسرعة، مع استفادته من أساليب الدفاع السلبي الحديثة، الأرضية والفنية على السواء، وأساليب معقّدة في التمويه والاختفاء وسرعة في الانتقال والحركة، والتخزين في أماكن متفرّقة موزّعة في مساحات واسعة تتخلّلها تضاريس معقّدة، فضلاً عن القدرات البشرية الحاضرة بشكل دائم في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في كلّ المجالات، وهو ما اعترف به الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حين قال إن الحوثيين يمتلكون أسلحة متطورة في مجال المُسيّرات والصواريخ معظمها صناعة محلية.

هكذا وجدت واشنطن نفسها أمام نوع من الأسلحة والتكتيكات مختلف عمّا اعتاد عليه جيشها. فهي أمام حرب لا تشبه حروب الجيوش الكلاسكية المعتادة ولا ينطبق عليها وصف حرب العصابات بالكامل. وعليه هي تعمل جاهدة للبحث عن عدو مختف شبحي يتمتّع بقدرة مركزية ولا مركزية متشعّبة تدير عملها بشكل منسّق، والعمل وفقاً لتعليمات مسبقة، وحسب التشخيص الميداني الطارئ إذا اقتضت الضرورة.

تلقّى الأميركيون نصيحة من حلفائهم في الخليج بضرورة حسم الموقف في اليمن

ونجح الجيش اليمني في إشغال ترسانة الجيش الأميركي الضخمة رغم الاستخدام المفرط للنيران ونوعية الأسلحة الحديثة، وهي من الجيل الأحدث في الترسانة الأميركية، حيث عوّض اليمنيون الفارق بالاستثمار في طبيعة التضاريس الصعبة والموقع الجيواستراتيجي وما يتناسب من أسلحة تهدّد الملاحة في البحر الأحمر أو استهداف الكيان الإسرائيلي، وقربهم من منابع النفط في الطرف الشمالي للجزيرة العربية، وما يعنيه ذلك من تحكّم في الاقتصاد العالمي.

هذه التعقيدات فرضت على الأميركيين البطء الشديد في الإنجاز ووضعت إدارة البيت الأبيض أمام خيارات غير تلك التي عوّلت عليها من السرعة في تحقيق الأهداف وأجبرتها على البحث عن سيناريوهات أكثر تطوراً في الهجوم. وفي حال قرّرت توسعة الهجوم، فإنها تجد نفسها أمام الإصرار اليمني على الصمود وأمام فراغ بنك الأهداف وتكرّر الضربات نفسها، التي تُنفّذ ضد مواقع عسكرية تقليدية سبق أن استُهدِفت مراراً، سواء من الأميركيين أو من السعودية أو ضربات تستهدف الأعيان المدنية وتقتل المدنيين الأبرياء، ولا تحقّق لواشنطن أيّ مردود عسكري حقيقي.

وسيتطلّب قرار التوسعة أيضاً أشهراً من العمل الاستخباري الفني والبشري والمتابعة الدقيقة، الأمر الذي سيطيل أمد الحرب خارج الحسابات الأميركية، فضلاً عن أن التوسعة لا تتطابق مع إستراتيجيتها المعلنة في وقف الحروب وادّعاء فرض السلام في الشرق الأوسط، ما قد يضع واشنطن أمام إلزام الإسرائيلي بوقف العدوان على قطاع غزة، وهي الآن عالقة بين هذين الخيارين، وكلاهما مرّ ومكلف على هيبتها وسمعتها في العالم.

أمام هذا المشهد تلقّى الأميركيون نصيحة من حلفائهم في الخليج بضرورة حسم الموقف في اليمن خشية أن تؤدي إطالة أمد الصراع في البحر الأحمر إلى منح «أنصار الله» شعبية عربية وإسلامية عابرة للحدود في الحشد والتوظيف والنموذج، وحجماً إقليمياً ودولياً يصعب ضبطه والتعامل معه في المستقبل، باعتبارهم القوة العربية الرئيسية في مواجهة الهيمنة الأميركية والوقوف في وجه الكيان الإسرائيلي.

وفي ضوء ضيق الخيارات الأميركية، يزداد التردّد لدى الخليجيين المعادين لليمن، الأمر الذي يصعّب المهمة أمام إعلامهم المتماهي بالكامل مع السردية الأميركية والإسرائيلية فيلجؤون إلى اتهام «أنصار الله» بتوظيف الحرب.

وإزاء ذلك، يدفع الخليج الوكلاء المحليين إلى خلق فرص حقيقية في مواجهة «أنصار الله»، وتُبذل حالياً جهود كبيرة لإنهاء الانقسام الداخلي والعمل على تعزيز التشكيلات العسكرية المدعومة من التحالف العربي، استعداداً للتموضع وفقاً لخارطة مختلفة عن السابق بزعم التمهيد للتقدّم في اتجاه صنعاء، بعد أن تظهر علامات الإنهاك والتعب على الجيش اليمني من الضربات الأميركية.

لقمان عبد الله :السبت 12 نيسان 2025

قد يعجبك ايضا