العلامة بدرالدين الحوثي.. أنموذج للعالم المسلم ودوره تجاه دينه وأمته
في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل العلامة بدرالدين بن أمير الدين الحوثي يقف اليمنيون بإجلال أمام شخصية عظيمة لعالم رباني أعاد ترسيخ معالم المنهج الإسلامي الأصيل في مبادئه وقيمه وأخلاقه، من خلال رحلة طويلة حافلة بالجهاد والعطاء والتفاني في نصرة المستضعفين.
مثلت حياة العلامة بدرالدين الحوثي مدرسة في الدين والعبادة وكل مكارم الأخلاق والسجايا الحسنة، وقدم الصورة الحقيقية والمشرفة عن دور العالم في الإسلام، فكان نموذجا في التقوى والإيمان والعلم والعمل وجعل من الإسلام وتعاليمه واقعا في حياته، وبذل جهده في خدمة الأمة.
صفاته وشمائله
يوصف العلامة بدرالدين الحوثي بأنه الفقيه المحقق والمطلع المدقق، والعالم المتعمق في اللغة والأدب والفقه والأصول، وعلم الحديث والتاريخ وغيرها من المجالات التي ارتقى الصدارة فيها بجدارة، فضلا عن كونه العالم العارف بالله سبحانه معرفة جعلته يذوب في خشيته ويسعى لما يحبه ويرضاه.
كما أنه كان مثالا للعالم العابد الأواه، والخاشع لمولاه، وله من الصفات والسجايا ما لا يتسع المقام لذكره، أبرزها الورع والتقى والصبر والزهد والصدق والعطف والكرم والشهامة والشجاعة والعزة والتواضع والإحسان والعدل والإنصاف، وغيرها من المحاسن التي شهد له بها الصديق والعدو والقريب والبعيد.
وهو أيضا المجاهد بنفسه وماله وقلمه ولسانه، والذي لم يخش في الله لومة لائم، ولم يداهن أي طاغية ولا ظالم، ومن أعظم من سعى لوحدة الأمة وأيد وناصر كل عمل يعود عليها بالعزة والكرامة، وهو كذلك المربي البارع والمعلم المقتدر، والذي تخرجت على يديه ومن مدرسته طلائع النهضة الفكرية، ورواد المسيرة القرآنية.
أبرز ما قيل عنه
ويصف قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الحديث عن هذا الرجل العظيم بانه حديث عن القرآن والإيمان والجهاد والصبر والصدق والوفاء والشهامة والرحمة والمسؤولية والحكمة، وعن مكارم الأخلاق جملة، لأنه كان في واقعه وحياته واهتماماته وأقواله وأفعاله.
فيما يقول عنه العلامة مجد الدين بن محمد المؤيدي بأنه “رضيع العلم والدراسة وربيب العلم والهداية، وهو من العلم والعمل بالمحل الأعلى، وله من الفكر الثاقب والنظر الصائب الحظ الأوفر والقدح المعلى”.
وعنه يقول العلامة الحسين بن الحسن الحوثي إنه ” العالم الكامل، منبع العلم، وخيرة الخيرة، وبقية البقية من أهل بيت النبوة، الدافع لكل بدعة وضلالة، الذي امتاز بالورع والزهد وكل فضيلة”.
مساندته للمسيرة القرآنية
وعلى الرغم من أن الكثير من الناس يجهلون الجوانب المضيئة من حياته والتي لا يعرفها إلا طلبته وذويه ومريديه، إلا أن دوره الجلي في تربية جيل قرآني كان له الأثر الكبير في ما حققته المسيرة القرآنية التي أطلقها نجله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي من انتصارات على قوى الظلم والهيمنة سواء خلال الحروب الست الظالمة على صعدة أو على صعيد مواجهة العدوان والحصار الأمريكي السعودي على اليمن.
وقد واكب السيد بدرالدين الحوثي وساند المسيرة القرآنية منذ انطلاقها فكان هو المرجعية العلمية والداعم والرافد لخطوات نجله قائد المسيرة السيد حسين بدرالدين الحوثي، وكذا إبان قيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
وبهذا الصدد يقول قائد الثورة إن العلامة بدرالدين الحوثي “كان المربي والمعلم والقدوة الحسنة، وكل مواقفه وخطاباته معروفة في الدفاع عن الحق، ومواجهة الضلال، وفتنة الوهابية، ثم وقوفه كسند عظيم في مواجهة فتنة أمريكا، متحركا في هذه المسيرة، سابقاً ومؤيداً ودافعاً وباذلاً كل شيء يمكنه تقديمه”.
وأشار إلى أنه استمر يدعو إلى الله على بصيرة، صادعاً بكلمة الحق دافعاً الناس نحو تحمل مسؤولياتهم الجهادية والإيمانية، ومربياً طلابه ومجتمعه على هذا الأساس، ما جعل من هذا المجتمع بيئة مهيأة للانطلاقة الجهادية، وعندما بدأت المسيرة كان هناك مجتمع مهيأ إلى حد كبير.
دوره في التصدي للوهابية
حين وصل المد الوهابي إلى اليمن وبدأ بالتغلغل فيه، كان العلامة بدرالدين الحوثي أول من تصدى لهذا الفكر الدخيل بقلمه ولسانه، حيث كتب عشرات الردود ما بين كتب ورسائل وأشرطة كاسيت، على الرغم من التحديات الأمنية والسياسية والفكرية التي كانت تحاول فرض حالة من الصمت أمام المد الوهابي ومحاولاته إفساد العباد واستهداف اليمنيين في هويتهم الإيمانية.
أصبح تداول مؤلفات العلامة الراحل آنذاك من الممنوعات، إلا أنه لم يكن يلتفت لكل تلك الضغوطات، حتى أن البعض من العلماء كان ينصحه بالحد من ذلك النشاط خوفا على حياته، لكنه واصل دوره التنويري فكان من أبرز مؤلفاته في هذا الجانب، (الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز)، و(تحرير الأفكار عن تقليد الأشرار)، و(الغارة السريعة في الرد على الطليعة).
كما أن له الكتابات والمؤلفات الكثيرة في مواجهة ضلال وبدع الوهابية، والدفاع عن مبادئ الحق، وإثبات الحقائق المهمة، وكل ما يمكن الاستفادة منه ويشكل حصانة ثقافية، ويعزز لدى الإنسان مفاهيم ومبادئ الإسلام، إلى جانب مؤلفاته في الفقه والعقيدة وغيرها.
التيسير في التفسير
يعد كتاب (التيسير في التفسير) من أهم وأوسع مؤلفات العلامة بدرالدين الحوثي، ويشكل موسوعة مكونة من سبعة مجلدات في تفسير القرآن الكريم كاملا.
ويشير قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين إلى أن هذا الكتاب هو من أهم ما كتبه والده رحمه الله، وهو مفيد بشكل كبير فيما يتعلق بالمعاني والمفاهيم القرآنية، كونه يقدم تفسير القرآن بطريقة ميسرة وسهلة وخالية من التعقيد.
تميزت منهجيته في التفسير بالعديد من الأمور أهمها البيان والتبيين والتوضيح والتبسيط حتى لا تكون المسائل غامضة أو بطريقة معقدة أثناء التقديم، إلى جانب استحضار الآيات المتماثلة، لأنه كثيرا ما يتميز المعنى في آية معينة بمعرفة نظيرها من القران، فضلا عن أنه كان يطلع على كتب التفسير للائمة الطاهرين وغيرهم، لكي يصل إلى المعنى المقصود، إلى جانب أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، كان يمثل بالنسبة له حجة.
أهمية إحياء ذكرى رحيله
ومن خلال كل ما سبق تبرز أهمية إحياء ذكرى رحيله لمعرفة حياة وسيرة من ينبغي أن يكونوا قدوة وأسوة من أعلام الهدى وفي طليعتهم هذا العالم الرباني، ليتم تخليدهم في الضمائر والعقول، ولكي تبقى ذكراهم راسخة في الوجدان والمشاعر.
كما أنها فرصة لكل من يرغب من العلماء والباحثين والمثقفين وسائر المؤمنين في معرفة هذا العالم الجليل، وما تركه من إرث علمي، ونهج تربوي ومسار جهادي، خلال مسيرة حياته الحافلة بالجهاد والعطاء ونشر العلم والمعرفة، والدعوة إلى الله تعالى، والتفاني في نصرة المستضعفين، وإعلاء راية الإسلام والمسلمين.
مضى العلامة بدرالدين الحوثي، لم يثنه شيء عن مواصلة المسير متوكلا على الله، مسلما له أمره، آملا ومنتظرا فرجه ونصره، حتى تحقق ما أمله وتمناه، بقدرة الله وعونه ورعايته، فلم تغمض عيناه، حتى رأى ثمرة جهاده وجهوده في سبيل الله، وجنى الجميع تلك الثمار الطيبة عزة وقوة وتحررا، وهكذا هم العظماء لا يغادرون الدنيا إلا بعد أن يرسمون المسار ويتركون بصماتهم في واقع الحياة.