العراق :تحرير الأجواء بعد تطهير الارض
الحقيقة/عادل الجبوري
في خطوة مهمة للغاية، أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، قبل ايام قلائل، قرارا يقضي بألغاء كافة الموافقات الخاصة بالطيران في الاجواء العراقية، وحصر صدور تلك الموافقات به او بمن يخوله ذلك، حيث شمل الالغاء عمليات الاستطلاع، والاستطلاع المسلح، والطائرات المقاتلة، والطائرات المروحية، والطائرات المسيّرة بكل أنواعها.
جاءت تلك الخطوة المهمة بعد وقوع انفجارات في معسكر صقر التابع لقوات الشرطة الاتحادية، والذي يضم مقرات ومخازن اعتدة للحشد الشعبي جنوب العاصمة بغداد، حيث تسببت الانفجارات بوقوع اضرار مادية وبشرية بعد انطلاق عدد من الصواريخ والقذائف بصورة عشوائية.
لم تتضح حتى الآن الأسباب الحقيقية وراء وقوع الانفجارات المشار اليها، في الوقت الذي تتحدث بعض المصادر عن حصول تماس كهربائي، وتتحدث اخرى عن سوء تخزين الاسلحة والاعتدة في ظل الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة، بينما تتداول مصادر اخرى معلومات وتسريبات عن تورط جهات معينة بالانفجارات.
ولان حوادث الحرائق والانفجارات وما شابهها باتت كثيرة ومتلاحقة، لاسيما خلال الشهور القلائل الماضية، فقد أصبح من الصعب بمكان القبول بفرضية القضاء والقدر، المرتبط بارتفاع درجات الحرارة والتماس الكهربائي، وأصبحت السيناريوهات التامرية والتخريبية هي الأكثر تقبلًا وواقعية، خصوصًا أن جزءًا كبيرًا من المشاكل والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العراق تقف ورائها أطرافا خارجية.
وفي سياق قريب من الفرضية الثالثة، نشرت شركة إسرائيلية متخصصة بالتصوير عبر الأقمار الصناعية، صورًا لمستودع للأسلحة الذي وقعت فيه الانفجارات جنوب بغداد، تظهر تعرضه لغارة جوية.
وتؤكد شركة “أميج سات إنترناشونال” في تقرير مفصل لها، أن خصائص الضرر التي تم تحديدها في الصور تظهر أنه من المحتمل أن يكون الانفجار الذي وقع في معسكر صقر قد نجم عن غارة جوية، أعقبتها انفجارات ثانوية للمتفجرات المخزنة في المستودع.
ويمكن ان يكون حديث الشركة الاسرائيلية بهذا الشأن، والذي تداولته وركزت عليه صحف وقنوات فضائية ومواقع اخبارية اسرائيلية عديدة، مقصودا ومحسوبا بدقة، واريد من ورائه ايصال رسائل معينة من تل ابيب الى عواصم اخرى، ربما كانت واشنطن واحدة منها.
وبينما تنقل بعض وسائل الاعلام العراقية عن مسؤول أمني عراقي تأكيده بأن “اسرائيل” هي المسؤولة عن الانفجارات الأخيرة، وأنها تكمل بتأييد من الولايات المتحدة الاميركية ما بدأته في سوريا، تتحدث مصادر مقربة من مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أن الأخير اطلع على معلومات خطيرة تؤكد تورط “تل ابيب” وبعلم من واشنطن بالانفجارات في معسكر صقر، الامر الذي دفعه الى اصدار قرارات سريعة تضع حدا لانتهاك السيادة العراقية من قبل واشنطن وتل ابيب.
وفي حال صدقنا ما ذهبت اليه صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية من ان واشنطن غاضبة على “تل ابيب” بسبب تجاوزها المساحات المحددة لها في العراق، حينما وجهت ضربات جوية لاحد المعسكرات العراقية، فهذا يؤكد طبيعة وحقيقة الاجندات الاميركية الصهيونية في العراق، وحجم التوافق والتفاهم، واذا كان هناك خلاف واختلاف بين الطرفين، فأنه يتمحور حول تفاصيل وجزئيات صغيرة وهامشية، وليس على الاتجاهات والتوجهات والسياسات الاستراتيجية العامة.
تدرك واشنطن مستوى الرفض السياسي والشعبي لتواجدها العسكري في العراق
وتقول الصحيفة “ان اسرائيل تستخدم موطئ قدم خفيف جدا في العراق، لكن الامر لن يستمر في حالة ما اذا قامت بضربات اخرى، فأمريكا لم يكن لديها مشكلة مع الضربات الاسرائيلية على سوريا، لغياب وجود علاقات فعلية لها مع نظام بشار الاسد، على العكس من العراق حيث تخشى واشنطن من تأثر علاقاتها مع بغداد بسبب الضربات”.
ولعل ما يعزز ما ذهبت اليه الصحيفة الاسرائيلية واسعة الانتشار، هو مسارعة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية الى اصدار بيان اكد فيه امتثاله لأوامر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بشأن استخدام المجال الجوي، مشيرا الى “ان اجتماعا جرى بين قيادة فرقة العمل المشترك لقوات التحالف، وقيادة العمليات المشتركة والدفاع الجوي في وزارة الدفاع العراقية لمناقشة التوجيهات الأخيرة لرئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بشأن استخدام المجال الجوي”.
ولايعني هذا الموقف ان واشنطن لن تبحث عن مخارج للتهرب من ذلك الالتزام، لانها في الواقع تدرك مستوى الرفض السياسي والشعبي لتواجدها العسكري في العراق، ناهيك عن استخدامها المجال الجوي العراقي بحرية كاملة دون اية قيود او ضوابط، وهذا ما يجعها تتجنب اثارة حفيظة العراقيين واستفزازهم، بحسب ما يرى بعض الخبراء.
بيد أن الاستفزازات الاميركية لم تنقطع أو تتوقف في أي وقت من الاوقات، فطيلة سنوات الحرب ضد تنظيم “داعش”، كان الكثير من مقرات وقطعات الحشد الشعبي والجيش تتعرض لقصف الطائرات الاميركية، في ذات الوقت الذي كان سلاح الجو الاميركي يوفر الغطاء لعصابات “داعش” للهروب، ناهيك عن اسقاط المؤن الغذائية واللوجيستية في مناطق تواجدها، وبعد انتهاء الحرب العسكرية ضد “داعش”، لم تكن واشنطن ومعها “تل ابيب” بعيدتان عن مسلسل الحرائق، ومسلسلات تخريبية اخرى، كان يسيرًا جدًا حتى على المواطن العادي البسيط تشخيصها وتلمس مساراتها واتجاهاتها، وادراك أهدافها ودوافعها.
وتهرب واشنطن وانتهاجها سياسة الالتفاف والمراوغة، من الطبيعي جدًا أن يجعل عبد المهدي يواجه صعوبات وعقبات وعراقيل كأداء وهو يشرع بالعمل على تحرير الاجواء العراقية، بعدما تحررت الارض، ولانبالغ اذا قلنا ان مهمة تحرير الاجواء قد لا تقل صعوبة عن مهمة تطهير الارض، ان لم تكن في بعض الأحيان، أكثر صعوبة وأشد تعقيدًا.