العدوان والحصار الأمريكي السعودي.. سلاح تجويع متعمد ضد اليمنيين!..بقلم/عبدالحميد الغرباني
للسنة الثانية على التوالي، يشارك الطفلُ نصر الشعوري والدَه جهدَ توفير لقمة العيش، مقدماً ذلك على مواصلة الدراسة، ودائماً ما يجهد نفسَه للتوفيق بين الأمرين.
قادنا نصر إلى منزل بسيط تستأجره أسرته في حي جبل عطان بالعاصمة صنعاء، حَيثُ كان يتحدث بأسىً يعتصر فؤادَه الصغير بأن أسرتَه تعيشُ حياةَ الفقر والعوز، وتصارعُ مِن أجلِ البقاء، وأنها تشتري إمدَاداتِ الغذاء بالكيلو فقط يوميًّا.
ويؤكّـد الطفل نصر بأن أسرتَه لا تدري كيف تؤمّن وجبة اليوم التالي؛ ولهذا يقول والأسى لا يزال يتملكه: “بنشتغل الآن في بيع الغسوس أنا وأخي وأبي لأجل نوفر الأكل”، مُشيراً إلى أن أباه لا يملك عملاً أفضلَ من هذا، وأنه كان يعمل في السابق في التطريز لكن العمل أنهكه وليس فيه مردود إيجابي، وقد عانى كَثيراً من المرض وتوقف بعد أن أجرى عمليةً واقترض مالاً كَثيراً.
يتوقف الطفل نصر عن الحديث لبرهة، ثم يقول بعد أن أطلق تنهيدة: “نحن الآن نقاضي الديون”.
عوائد عمل والد هذا الطفل لا تغطي الاحتياجات الأَسَاسية للأسرة ــ بما فيها إيجار المنزل ــ، وتلك معضلة، والمعضلة الأُخرى أن الأسرة عاجزة عن سداد دين اقترضته والد نصر حين أجرى عملية في وقت سابق.
ليس نصر هو الطفل الوحيد الذي ينتمي إلى أسرة يمنية هدَّها الفقر، فهناك الكثير من اليمنيين الذين يعيشون مع الفقر ويعاصرونه دون هوادة، وكما يقال: “المصائب لا تأتي فرادى”.
تلاشي الطبقة الوسطى
ويؤكّـد مدير عام الدراسات السكانية بقطاع الدراسات والتخطيط الدولي، أن سنوات الحصار عصفت بالطبقتين الوسطى والفقيرة وتركت أثراً كارثياً، مُشيراً إلى أن الطبقة المتوسطة في اليمن تلاشت تحت ضغوط العدوان والحصار”. ويضيف السلامي أن هذا أعلى مؤشر لمخاطر الوضع الراهن والعقاب الممارس ضد اليمن جماعي وشامل ويمس مختلف الشرائح الاجتماعية”.
ويرى السلامي أن مستوى الفقر باليمن في ظل المرحلة الماضية من العدوان والحصار ارتفع بشكل مخيف جِـدًّا من 48 % في العام 2014م إلى 80 % من السكان بحلول العام 2021م”.
وتظهر البيانات الرسمية تدهوراً مفزعاً في المستوى المعيشي للسكان على المستوى الوطني ككل خلال قرابة ست سنوات من العدوان والحصار الأمريكي السعودي الغاشم على بلادنا.
وتشير التقديرات إلى أن نسبة من يعيشون تحت خط الفقر المدقع ارتفعت بنسبة تصل إلى 40 % من السكان مع نهاية الماضي مقارنة بالعام 2014 ذلك تقدير الحد الأدنى للتأثير.
وفي السياق، يقول وكيل قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط، الدكتور عادل الحوشبي: “إحصاءاتنا تشير إلى أن نسبة الفقر المدقع تصل إلى 60 % من السكان مع نهاية العام الماضي مقارنة بنحو 20 % في العام 2014م ونتوقع ارتفاع التدهور المفزع في المستوى المعيشي للسكان في حال استمرار العدوان والحصار”.
ووضعت هذه المؤشرات المرعبة اليمن ثانياً في معدلات الفقر الدولية، ويُتوقع معها أن تعاني البلاد من أكبر فجوة فقر -المسافة بين متوسط الدخل وخط الفقر- في العالم.
ويؤكّـد اقتصاديون أن عواملَ وأسبابَ ارتفاع نسبة الفقر في اليمن تتعلق بالعدوان والحصار الأمريكي السعودي وما يتعرض له الاقتصاد الوطني من تداعيات منهكة وما خسر من أنشطته منذ عام 2015، فضلاً عن تعطيل الأسواق والمؤسّسات وتدمير البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية.
وبحسب خبراء الاقتصاد وغيرهم، فَـإنَّه لا حَـلَّ لوقف هذا التدهور المفزع والآثار الكارثية المترتبة عن ذلك إلا بوقف العدوان على اليمن ورفع الحصار بشكل كلي وعاجل والذهاب إلى مشاورات جادة تنجز اتّفاقاً شاملاً وعادلاً.
ويؤكّـد المسؤولون في وزارة التخطيط أن “استمرارَ العدوان والحصار لا يضعُ في حسابه صناعة مجاعة مرعية دوليًّا فقط، بل يعمد لترسيخها لمدًى طويلٍ ولتأخير التعافي من ظاهرة الفقر وآثارها المرتبطة بحاضر ومستقبل التنمية المستدامة، وهو ما سبق ونص عليه تقرير سابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي “أكثر من أربع سنوات من القتال أعاقت التنمية البشرية لمدة 21 عاماً”.