العدوان الأميركي البريطاني على اليمن… دوافع ودلالات
العدوان الأميركي البريطاني على اليمن… دوافع ودلالات
العدوان الأميركي، المدعوم من التابع البريطاني، لم يكن إلا مساراً يستكمل الرئيس الأميركي جو بايدن من خلاله مسار دعم الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى محاولة إعادة الولايات المتحدة إلى صدارة المشهد في المنطقة.
منذ بداية العدوان على غزة، حاولت الولايات المتحدة الإيحاء بأن التزامها إلى جانب الكيان الإسرائيلي ينحصر في حربه ضد حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، مع تشديدها على أن هذا الالتزام لا يعني موافقتها على سياسات التهجير والإبادة الجماعية التي يمارسها “جيش” الكيان في القطاع، وذلك انطلاقاً من ادعاء إيمانها “بعدالة” هذه الحرب “ومشروعيتها” كحرب تستهدف الدفاع عن النفس في مواجهة منظمة تعتبرها “إرهابية”.
وبالتالي، برّرت نشاطها في المنطقة بعد طوفان الأقصى ضمن إطار حصر تداعيات الحرب ومنع امتدادها إلى مناطق أخرى، محاولةً بالتوازي أن تحرف الأنظار عن مدى موافقة هدف الكيان المتمثل بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مع أهدافها الاستراتيجية التي من الممكن تحديدها في إطار تحصين أمن الكيان الإسرائيلي وضمان أمن مشروع الممر الاقتصادي الذي أعلنه جو بايدن في قمة العشرين الأخيرة، إضافة إلى الدفع إلى تكريس خيار التطبيع الذي تنتهجه بعض الدول العربية وتسير المملكة العربية السعودية لتحقيقه كخيار واقعي لا يمكن للدول العربية إهماله أو استبداله.
في المقابل، وفي خضم التفاعلات التي أرخت بظلالها على المنطقة بعد طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، برز إصرار محور المقاومة على تفعيل وحدة الساحات لردع الكيان الإسرائيلي ودفعه إلى وقف عدوانه كأحد أبرز الإشكاليات التي اعترضت الولايات المتحدة الأميركية في مخططها لتوظيف الحرب وفق التوجهات التي تخدم مسارها الاستراتيجي.
التوجه الأميركي في الأيام الأولى للحرب كان يهدف إلى ضرورة عزل ما يحدث في قطاع غزة عن المحيط الإقليمي وإفساح المجال أمام الكيان الإسرائيلي لتحقيق أهدافه بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالتوازي مع إفشال أي مسعى أو مبادرة تستهدف طرح رؤى قد تؤدي إلى وقف العدوان وتحرير الأسرى عبر التفاوض والتبادل.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أي عزل ما يحدث في قطاع غزة عن محيطه الإقليمي، عمدت الولايات المتحدة إلى توجيه رسائل ردع وتهديد بالتوازي مع جهود دبلوماسية مكثفة من أجل ثني القوى التي من الممكن أن تفعّل جبهاتها عن القيام بذلك.
الواقع الميداني أثبت أن تلك الجهود الأميركية معطوفة على رسائل الردع والتهديد لقوى المقاومة لم تؤدِ إلى عزل المقاومة في غزة، إذ تم تفعيل الجبهات في الضفة وفي جنوب لبنان، ومن بعدها اليمنية والعراقية، بما أوحى بإمكانية تحقق سيناريو الحرب الإقليمية الشاملة التي تعتبرها الولايات المتحدة في هذه اللحظة الدولية مخاطرة لا يمكن حصر نتائجها، وبالتالي يُفترض تجنبها.
على الرغم من ذلك، عمدت الولايات المتحدة في بداية العدوان على غزة إلى الإيحاء بأنها، وإن كانت تسعى لعدم توسع دائرة الحرب لتطال جبهات أخرى، مستعدة في أي لحظة للتحرك إلى جانب الكيان أو لمواجهة واقع تعتبره مهدداً لموقعها ومصالحها في المنطقة.
في إطار تقييم الجبهات التي أعلنت مساندتها للمقاومة في غزة خارج فلسطين، أمكن القول إن الجبهة اليمنية، إضافة إلى دورها في إسناد المقاومة في غزة، هي الأكثر تأثيراً وقدرةً على المساس بموقع الولايات المتحدة الأميركية كقوة تستهدف الحفاظ على تفوقها الاستراتيجي في المنطقة.
وعلى الرغم من تعرض القواعد الأميركية في العراق وسوريا لصواريخ وطائرات المقاومة العراقية بشكل مباشر ويومي، فإن هذا الاستهداف لن يؤثر في موقعها التقليدي في المنطقة، إذ إن قواعدها ومراكزها كانت في السابق عرضة لهذه الهجمات بشكل دائم، وما تغير اليوم هو عدد هذه العمليات من جهة، وربطها بعنوان طوفان الأقصى من جهة ثانية، بما يحملها رسالة معنوية وسياسية، إضافة إلى الكلفة البشرية والمادية.
أما على الجبهة اللبنانية، حيث لا يوجد أي تماس مباشر بين المقاومة الإسلامية في لبنان والقواعد العسكرية الأميركية، فإن المسار الذي من الممكن أن تسلكه الجبهة في ظل قدرات المقاومة المتطورة قد يؤثر في قواعد الاشتباك التي تكرست منذ عام 2006 من دون أن تجعل من نتائجها عاملاً مؤثراً بشكل مباشر في موقع الولايات المتحدة الأميركية العالمي.
وبالاستناد إلى ما تقدم، تبرز الجبهة اليمنية كساحة تفترض أولويات الولايات المتحدة التعاطي معها بمنطق القوة التي يُفترض أن تساعد في تحقيق أكثر من هدف على المستويين الأميركيين الداخلي والخارجي، فواقع شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن المتراجعة أمام منافسيه الجمهوريين الثلاثة، من دون أن ننسى امتعاض نسبة كبيرة من الديمقراطيين من فشله في إدارة علاقته بالكيان الإسرائيلي بما يخدم التوجهات الأميركية، هو الدافع الرئيسي لتوجه إدارة بايدن إلى التصعيد في البحر الأحمر في إطار محاولة تحسين صورته في الداخل الأميركي، مع الإشارة إلى المخاطر التي قد تسببها هذه المقامرة في حال أدت الردود اليمنية إلى إلحاق خسائر مباشرة بالقوات البحرية الأميركية أو في حال تطوير القوات المسلحة اليمنية استهدافاتها، بحيث تطال سفناً تجارية أميركية أو بريطانية أو القواعد الأميركية والبريطانية الموجودة في دول الخليج أو الساحل الغربي لأفريقيا.
على صعيد آخر، أظهرت مئة يوم من وحدة الساحات وعدم القدرة على ردع قوى المقاومة عجزاً أميركياً عن تقديم دعم مجد للكيان الإسرائيلي، إضافة إلى فشل الولايات المتحدة في إثبات قدرتها على ممارسة أحاديتها وتفوقها في المنطقة، من دون أن ننسى عجزها عن جر حلفائها في المنطقة للمشاركة إلى جانبها، بما يمكّنها من إظهار ريادتها في المنطقة.
وبالتالي، يمكن التقدير أنَّ الشروع في عدوان أحادي على اليمن قد يستهدف استمرار إظهار امتلاك الولايات المتحدة الوسائل التي تمكنها من تقديم الدعم للكيان الإسرائيلي؛ فمن خلال الادعاء الأميركي أن الجبهة اليمنية تهدد التجارة العالمية، أمكن للرئيس الأميركي أن يدَعي دعم الكيان الإسرائيلي من خلال مهاجمة جبهة اليمن التي تفرض حصاراً على الملاحة وسلاسل التوريد الإسرائيلية.
من جهة أخرى، يمكن التقدير أنّ العدوان على اليمن قد يستهدف الدفع إلى رد يمني يمكن تسويقه كحافز لمشاركة دول المنطقة في عملية “حارس الازدهار”، بما يمكّن الولايات المتحدة من إظهار هيبتها من خلال إثباتها التزام دول المنطقة بتنفيذ مخططاتها.
وبناء عليه، يمكن القول إن العدوان الأميركي، المدعوم من التابع البريطاني، لم يكن إلا مساراً يستكمل الرئيس الأميركي جو بايدن من خلاله مسار دعم الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى محاولة إعادة الولايات المتحدة إلى صدارة المشهد في المنطقة بعدما فقدت في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى قدرتها على الظهور في موقع ريادي يملك وحده القدرة على إدارة الصراع.
وإذا كان هذا الواقع يفترض مبادرةً أميركية لفرض السطوة وإظهار القوة، فإن النتائج الأولية لهذا العدوان، معطوفة على فشل الكيان في تحقيق إنجاز نوعي في غزة، إضافة إلى إصرار محور المقاومة على أن لا تكون نتيجة وحدة الساحات أقل من انتصار استراتيجي واضح وصريح، تؤكد بما لا يحتمل النقاش والتحليل أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد إلا طرفاً يحاول تحقيق نتيجة معينة في مواجهة أطراف أخرى لا تقل قوةً أو تأثيراً عنه.