الطريق الضامن للتوبة {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}
الطريق الضامن للتوبة {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}(الزمر: من الآية55) لا تتوب من ذنب ثم تعود إلى الوضعية السابقة, إلى حالة فراغ، أن توطن نفسك على الاستعداد للعودة إلى الله, والإسلام لله, ثم تظل في نفس الوضعية السابقة.. لا.
هذه إنما هي بداية لتصحيح وضعيتك للتخلص من الماضي المظلم، يبدأ باستعداد نفسي يتمثل في التوبة، وتوطين النفس على الاستسلام لله سبحانه وتعالى، ثم الانطلاقة العملية.. وهي ماذا؟ الإتباع لأحسن ما أنزل إليكم من ربكم.
أنت عندما تتوب من ذنب ثم تظل هكذا بوضعيتك السابقة فارغ لا تتوجه توجهاً عملياً أنت معرض لأن تعود إلى الذنب من جديد، ثم ما تدري إلا وقد وقعت في الذنب فتقول: [أستغفر الله العظيم وأتوب إليه]. وتبقى على نفس الوضعية الأولى ثم تدخل في الذنب من جديد.. وهكذا، حتى يتغلب عليك الشيطان فيكون هو الذي يغلبك في الأخير.
التوبة هي بداية رجوع، هي الخطوة الأولى على طريق العمل الذي يتمثل في إتباع أحسن ما أنزل الله إلى عباده. ولأن هذا هو الذي يوفر لك أمناً من الوقوع في المعاصي من جديد على النحو الأول، وأنت منطلق لاتباع القرآن الكريم، إلى العمل بالقرآن الكريم بهدايته, بإرشاداته، سيبعدك هذا كثيراً جداً عن معاصي الله سواء ما كان منها ذنوب تقترف أو ما كان منها بشكل تقصير وتفريط.
ألسنا عندما نرجع إلى آيات الله نكتشف تقصيراً كبيراً لدينا؟ نكتشف تقصيراً كبيراً لدينا, حتى أولئك الذين يظنون بأنهم أصبحوا من أولياء الله كم يكتشف من تقصير كبير لديهم, في ميدان العمل في سبيل الله، في ميدان الجهاد في سبيل الله، في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله وإصلاح عباده.. ألسنا مقصرين في هذا؟ وهذا تقصير رهيب جداً، تقصير كبير جداً، لا تقبل معه – ربما – أي شيء من الطاعات الأخرى، لا تقبل معه أي طاعة من الطاعات الأخرى.
الإسلام دين مترابط، دين متكامل لا يقبل منك هذا وأنت تارك لهذا ورافض له، يجب أن تتحرك في كل المجالات، أن تتحرك بكل إمكانياتك في كل المجالات؛ لأن الله أنزل إلينا ديناً كاملاً فلماذا يكون تطبيقنا له منقوصاً؟ لو كان يمكن أن يقبل منا المنقوص لأنزل إلينا جزءاً من الدين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}(المائدة: من الآية3) فلماذا هـذا الدين الكامل ننطلق في مجال تطبيقه تطبيقاً منقوصاً؟ وهو ربط رضاه بهذا الدين الكامل، ووعده بالجزاء الحسن في الدنيا وفي الآخرة مرتبط بهذا الدين الكامل.
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} كأن هذا مما يوحي أيضاً بأن التوبة نفسها لا يكون لها أثر إذا لم تنطلق أنت في اتباع ما أنزل الله إليك. وهنا يقول: {مَا أُنْزِلَ} ولم يقل بعض ما أنزل.. هل قال بعض ما أنزل؟ ما الذي أنزل؟ تصفح آيات القرآن الكريم ستجد ماذا أنزل.
في الوقت الذي أنزلت فيه الصلاة والزكاة التي نحن نعملها، ألسنا نعملها؟ أنزل فيه الجهاد، أنزل فيه وحدة الكلمة، أنزل فيه الاعتصام بحبله جميعاً، أنزل فيه النهي عن التفرق، أنزل فيه الأمر بالإنفاق في سبيل الله، أنزل فيه الأمر بالنصيحة والتواصي بالحق، أنزل فيه أشياء كثيرة أخرى هي أكثر مما نعمل.