الصّين إذ تُحارب
عين الحقيقة/مروان سوداح
الفيتو الصيني – الروسي السادس المُشترك في مجلس الأمن الدولي، يُشكّلُ علامة بارزة وفَارقة في دخول الصين إلى حلبة الحرب المُشتعلة على التراب السوري، والتطورات الدائرة حول الدولة السورية.
الفيتو الصّيني السادس أُشْهِرَ بعد أيام قليلة من (مَقتل) فيتالي تشوركين سفير روسيا الدائم في مجلس الأمن الدولي. وبالنسبة لسفير الصين في “المجلس”، (ليو جيه يي)، فهو صديق مُقرّب من تشوركين شخصياً وسياسياً، وخسارة الصين حليفها الروسي في قِوام المجلس، هي خسارة لا تعوّض على كل الأصعِدة.
بعد مَقتل تشوركين، راهنت إدارات عدة بلدان على تراجع التنسيق الصيني – الروسي، وانتظرت أن يَطرأ تغيير جوهري على أداء دبلوماسية الصينيين والروس في المجلس الأُممي، وإضعاف مواقفهم وتحالفاتهم الإستراتيجية النافذة واستحداث شرخ فيها، لكن ذلك لم يَحدث لأن الغرب راهن على النيل من قضية مَحسومة لدى بيجين وموسكو.
وفي “التحليلات” الغربية، حاولوا في الغرب، كعادتهم، الإيهام بترويج مَفاده، أنه لا يُمكن استبدال تشوركين الراحل بتشوركين آخر، على مِثال الفقيد وقامته السياسية وسرعة نباهته وموسوعية ثقافته، وهو ما يُشير الى تورّط مُحتمل لأصحاب هذا الرأي بمقتل السفير الروسي..
الفيتو الصيني السادس إلى جانب الفيتو الروسي السابع “جاء في وقته”، إذ أكد للغرب السياسي برمّته استمرار الصين في انتهاج سياسة رسمية تعارض التدخّل في الشؤون السورية على التراب السوري، وبأن القيادة الحزبية والحكومية في الصين تُلقي جانباً بكل تلك الفبركات الكيمائية التي أُقيمت على أساس الحملة العالمية الغربية المنظمة للنيل من سورية الصمود، بزعم استخدامها للسلاح الكيميائي، في حين حاولت سفيرة واشنطن بذات المجلس، التباكي على (داعش) وتبييض صفحتها الاجرامية، عندما إدّعت بأن (داعش) استخدمت “الكيماوي” “مرة واحدة “فقط” بحسب ذاكرتها!، وهو أمر مُجافٍ للحقائق والوقائع، ويَكشف عن أن لا تغيير في سياسة سيّد البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب، الذي يَستمر في نهج أوباما والمؤسسات الاستخباراتية الأمريكية بدعم الإرهاب الدولي، وتقريبه من عقول العامة و”تحبيبهم” به، ويُعيدنا هذا الشكل من إدّعاءات إدارة ترامب الى المربّع الرئاسي الأمريكي الأول، بخاصة بدايات عهد أوباما في البيت الأبيض، حين جهد لتسويق أطنان الأكاذيب على العالمين العربي والإسلامي، مدّعياً زوراً بصداقته معنا وتحالفه مع قضايا العالم العادلة!
ترى الصين أن وقف إطلاق النار في الداخل السوري، والجولة الجديدة لمفاوضات جنيف الحالية، يوفـّران فرصة نادرة لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، وتؤكد بيجين ضرورة تمسّك المجتمع الدولي بمبدأ الحل السياسي، وتشجيع الأطراف المختلفة على استمرار الحوار، للتوصل إلى مَخرج مَقبول من جميع الأطراف. وفي هذا الموقف مشاركة رسمية صينية بنشاط في يوميات الحرب المَشنونة على سورية، ووقوف بيجين الى جانب الحق والعدالة والاستقلالية السورية، ورفض الهيمنة على الدولة السورية ومؤسساتها وقيادتها، وهو بحد ذاته مشاركة حربية من نوع آخر، غير نوع البنادق والطائرات والمدافع، برغم وجود أكثر من خمسة آلاف (ويغوري) صيني يُقاتلون في سورية بحسب بعض التقديرات، وهم يرفعون الشعار الباطل هو (تسييد الديمقراطية في سورية والصين”؟!”)، وهؤلاء يتم استهدافهم من جانب الطيران الحربي والقوات الفضائية الروسية والجيش العربي السوري وحُلفائه.
لَم يَكتف المندوب الصيني الدائم بمجلس الأمن، (ليو جيه يي)، برفع يده رافضاً المشروع الغربي ضد سورية، بل عرض موقفه (الفيتوي) لأصل القضية السورية والصراع الغربي لتحويل سورية إلى دولة فاشلة، ولمداخلة السفير الصيني في المنظمة الأممية عن معنى وأسباب الإعلان عن (الفيتو) الصيني أبعاد كبيرة تكمن في طبيعة النظام السياسي الصيني وعلاقاته بالعالم ونظرته إليه.
ومن مداخلة السفير أقتبس، أن موقف الصين “ثابت ورافض لاستخدام أية دولة أو منظمة الأسلحة الكيميائية، وضرورة معاقبة مستخدميها”، إلا أنه أكد في الوقت نفسه، أن التحقيقات بشأن ملف استخدام الأسلحة الكيماوية داخل سورية “ما تزال مستمرة”، ويجب عدم استباق النتائج، مُشيراً إلى أن بعض الدول استخدمت حُجّة امتلاك أسلحة الدمار الشامل لشن الحرب، ما أسفر عن كوارث كبيرة في (الشرق الأوسط)، ما تزال دول المنطقة تعاني من عواقبها”.
ونبّه ليو، بحسب وسائل الإعلام الصينية، بخاصة القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، الى “إنه يجب على المجتمع الدولي التعلّم من دروس التاريخ تحسباً لتكرار كوارث مماثلة، وجدّد التاكيد على أن الصين تبذل جهوداً متواصلة لحل الأزمة السورية، وتدعم الأمم المتحدة لتلعب دوراً قيادياً لإيجاد حل مقبول لدى جميع الأطراف عبر مفاوضات السلام”.
في الدلالات الاخرى التي يَحملها (الفيتو) الصيني الروسي المشترك، أن مجلس الأمن الدولي عاد إلى الانقسام التقليدي بين أعضائه، وهو الانقسام الأول بين الدول الدائمة العضوية في المجلس، والشرخ الأول في عهد إدارة ترامب. أضف إلى ذلك أن الخلاف في وجهات النظر بين الدولتين المتحالفتين الصين وروسيا من جهة، وأمريكا والغرب من جهة أخرى، أزاح الستار عن أن تصريحات ترامب عن عالم مُسَالِمٍ ومتحابٍ هي مجرد هُراء، وبأن ترامب يَسير في ركب الاستراتيجية الامريكية ذاتها الموجهة “ضد” الصين وروسيا، والمتطابقة والمنسجمة مع سياسة الإدارات السابقة.
وفي الدلالات الأُخرى للفيتو الصيني – الروسي، أن دخول الحلبة الاستثمارية السورية ممنوع على غير الدول الحليفة لسورية، التي تشد من أزر الدولة السورية وشعبها في عملية حربها على الارهاب الدولي، ولن تتمكن أيّة بلدان وقفت في مواجهة سورية وناهضتها خلال السنوات السابقة، من الدخول الى عمليات الاستثمار والتجارة والبناء والإنهاض الصناعي لسورية. لكن، للصين وروسيا وإيران ملء الحق بضخ توظيفاتها واستثماراتها في الاقتصاد السوري وتدعيمه فتصليبه، وهي بالذات الدول التي تثق بها الدولة السورية، ذلك أنها ساهمت بصورة جد محسوسة في إنقاذ سورية مالياً وعسكرياً، وضمان مستقبلها الاستقلالي والسيادي، وحماية عملتها الوطنية وإركان أقتصادها الذي تستهدفه بالتصفية عشرات الأنظمة الاجنبية والعربية.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين الاردن.