الصين في البحر الأحمر: فلْتغرق واشنطن حتى أذنيها
لا يمكن النظر إلى موقف الصين من معركة البحر الأحمر، بمعزل عن استراتيجيتها في المنطقة، والقائمة على توسيع مبادرة «الحزام والطريق»، سعياً إلى اختراق جدار هيمنة الولايات المتحدة، وتقويض القوة البحرية الأميركية، وتعزيز التعدّدية القطبية العالمية. وتلتقي الصين في تلك الرؤية مع كثير من دول المنطقة والعالم، وأبرزها روسيا وإيران. ويأتي «الحياد» الصيني في هذه الأزمة، في وقت لا توفر فيه الإدارة الأميركية وسيلة للضغط على اليمن لثنيه عن دعم القضية الفلسطينية، بما ذلك طرق أبواب كل الدول التي تقيم علاقات متينة مع إيران، وعلى رأسها الصين، من أجل الخروج من ورطتها اليمنية، على رغم اعتراف مسؤوليها بصعوبة مساعيها الديبلوماسية تلك، وضعف تأثيرها حتى على الحلفاء والشركاء الدوليين والإقليميين.وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن واشنطن طلبت من بكين حث طهران على كبح جماح «أنصار الله»، لكنها لم تتلقّ أي مؤشر إلى استعداد الصين لمساعدتها في ذلك. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة أثارت الأمر مراراً مع كبار المسؤولين الصينيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، موضحة أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، ونائبه، جون فاينر، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ناقشوا الأمر خلال اجتماعات مع رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية في «الحزب الشيوعي الصيني»، ليو جيان تشو، في واشنطن، وطالبوا باتخاذ إجراءات في البحر الأحمر ضد ما يعتبرونه «تهديداً حوثياً» للمصالح التجارية للصين، لكون البحر الأحمر طريقاً حاسماً للصادرات الصينية إلى أوروبا.
لكن بكين امتنعت، منذ بداية الأزمة، عن إدانة الهجمات العسكرية اليمنية على السفن الإسرائيلية. كما رفضت المشاركة في الجهود الأميركية التي تزعم حماية الملاحة الدولية، ولم تستجب سفنها الحربية لنداءات الاستغاثة من السفن التي تعرّضت للهجوم. كذلك، أثار امتناعها، إلى جانب روسيا، عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2722 (في العاشر من الشهر الجاري) الذي دان الهجمات على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر، وطالب بوقفها فوراً، نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية المعنية، وخصوصاً أن بكين وموسكو انتهجتا منذ سنوات، بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، نهجاً معاكساً لسياسة واشنطن، ووقفتا بوجهها في مجلس الأمن في قضايا أقل أهمية بكثير من قضية البحر الأحمر. وذهب بعض المراقبين إلى القول إن الصين وروسيا أرادتا بالامتناع عن التصويت على القرار المذكور، تعميق أزمة الولايات المتحدة في البحر الأحمر، في مسعى ضمني لتوريطها في اليمن، لعلمهما أنها ستخرج خاسرة من هذه المعركة. وفي الوقت نفسه، فإن الدولتين تستجيبان لموجبات علاقاتهما الاقتصادية المتينة مع دول الخليج، المحايدة في نزاع البحر الأحمر.
ووفقاً لـ«بلومبرغ إنتليجنس»، فإن الزعيم الصيني، شي جين بينغ، يعتبر أن التكاليف ليست مرتفعة إلى درجة تدفع بلاده إلى التورّط في مواجهة «أنصار الله»، وخاصة أن هناك من يقوم بتلك المهمة التي يُعتقد أنها تزيد من مشاعر العداء لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط. وفي الاتجاه نفسه، تقول كبيرة محلّلي الاقتصاد الجغرافي في «بلومبرغ إيكونوميكس»، جنيفر ويلش، إن القادة الصينيين «ليس لديهم الكثير ليكسبوه في حال قرّروا اتخاذ مواقف أقوى»، وذلك مشابه لنهجهم في الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث يدعون إلى السلام، لكنهم يرفضون إدانة روسيا أو المساهمة بشكل كبير في الجهود المبذولة لإحلال السلام في تلك البقعة من أوروبا.
ولرفع اللبس عن الموقف الصيني، ورداً على التسريبات الأميركية، اعتبرت بكين أنه لا يمكن حلّ المشكلة بالنهج الذي تتّبعه واشنطن. ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن المبعوث الصيني لدى الاتحاد الأوروبي، فو كونغ، قوله إن «هجمات الحوثيين هي امتداد للأزمة في قطاع غزة». ورأى كونغ أن العمليات الأميركية والبريطانية ضد «أنصار الله» تزيد الأمور سوءاً، معتبراً أن تلك العمليات لن تحافظ على المرور الآمن للسفن، وإنما تجعل الممر أكثر خطورة. وحث الولايات المتحدة على الضغط على السلطات الإسرائيلية لوقف القصف العشوائي على غزة. في المقابل، رحب عضو «المجلس الأعلى» الحاكم في صنعاء، محمد علي الحوثي، بموقف الصين إزاء التطورات في البحر الأحمر. وأشار في منشور على منصة «إكس» إلى ما تداولته وسائل الإعلام، نقلاً عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينيغ، التي قالت إنّ «الأولوية القصوى هي وقف الحرب على غزة في أقرب وقت لمنع النزاع من التمدد أكثر حتى خروجه عن السيطرة»، معتبراً أن العمليات في البحرين العربي والأحمر تتوافق مع ما تدعو إليه بكين. والواقع أن اليمن، إلى جانب معركته العسكرية مع التحالف الأميركي – البريطاني، معنيّ أيضاً بكسب الرأي العام العربي والعالمي، وهو نجح في فرض سرديته القائلة إن ما يحصل في البحر الأحمر يستهدف الكيان الإسرائيلي بالتحديد، دون غيره.
الاخبار اللبنانية: لقمان عبدالله