الصحفي والخبير الاقتصادي رشيد الحداد يكتب عن :التغييرات الجذرية.. ثورة تغيير ضد الركود والتخلف الإداري
الحقيقة/كتب / رشيد الحداد
يتساءل الكثير من المواطنين عن طبيعة ودوافع واهداف التغيير الجذري الذي يقوده السيد المجاهد، عبد الملك بدر الدين الحوثي، بتأييد شعبي واسع النطاق، وبعيداً عن اجتهادات البعض الخاطئة عن التغيير المنشود،
فان طبيعة التغيير الذي دشن السيد القائد أولى مراحلة في ذكرى المولد النبوي الشريف الأربعاء الماضي، هي إصلاحات ادارية وهيكلية وقانونية الهدف منها انهاء الاختلالات الإدارية وإعادة النظر في الهياكل والسياسيات واللوائح والأنظمة الإدارية التي أصبحت جزءا من مشكلة الإدارة العامة للدولة لتقادمها من جانب، وكذلك ارتباط تلك السياسات بمرحلة معينة كان اليمن يعيش تحت الوصاية الأجنبية وكان حينها التغيير يفتقد للعوامل التي توفرت خلال المرحلة الحالية التي تحررت صنعاء من الوصاية والهيمنة الخارجية، فالإصلاح الإداري والاقتصادي لم يعد يقوده سفراء بريطانيا وامريكا والسعودية كما كان خلال فترة ما قبل العدوان ولم يأت لتلبية مطالب خارجية، بل لمواكبة تطلعات الشعب اليمني ومن اجل المصلحة الوطنية، وبهدف رفع معدلات الأداء الإداري والاقتصادي وغايته النهائية تغيير سلوك وأداء وتوجه الحكومة من حكومات جبايات إلى حكومات منتجة وخادمة للمواطنين، فاليمن اليوم بعد تسع سنوات من العدوان والحصار بحاجة إلى انعاش الوضع الإداري والاقتصادي من الداخل وإصلاح كافة الاختلالات التي حاول العدوان استغلالها لإثارة السخط واحداث اختراق في الجبهة الداخلية.
وعلى مدى الأشهر الماضية، كان هناك اجماع على ان الوضع الإداري لكافة مؤسسات الدولة تدهور بشكل كبير وصولاً الى الحد الـ “مزري”، واصبح المزاج الشعبي يدعم أي توجه للتغيير الذي يعزز أداء مؤسسات الدولة، وينهي حالة الركود الإداري الذي تعانيه، كما تحدث اخرين عن ضرورة اصلاح الوضع من الداخل مالياً وادارياً، وشكا الكثير من وجود تعقيدات إدارية لدى العديد من مؤسسات الدولة اعاقت الكثير من المشاريع الخاصة والعامة، وتصاعدت الأصوات المطالبة بضرورة اصلاح منظومة القضاء، هذه العوامل هيأت بيئة مواتية للتغيير كضرورة لإنهاء الاختلالات التي لامسها المواطن اليمني وتغيير أداء وسلوك المؤسسات العامة للدولة ، وقبل الكشف عن توجه القيادة الثورية لأحداث التغيير تبينت من الأسباب الكامنة وراء ركود أداء مؤسسات الدولة ، وعمدت على تشخيص المشكلة ومعرفة الأسباب التي تقف وراءها كونها هذه الظاهرة نتيجة لها عواملها واسبابها ، فتم تشكيل لجان من خبراء الإدارة العامة من قبل مكتب رئاسة الجمهورية قبل نحو عام ، وتم ايكال مهام التشخيص الإداري لها وقامت اللجان بالنزول الميداني الى الهيئات والمصالح والمؤسسات الحكومية لمعرفة الأسباب التي أدت الى تراجع مستويات الأداء ، فكانت النتائج متباينة وعكست تعدد الاختلالات التي تعاني منها الأجهزة والمؤسسات ، فالبعض كان السبب ضعف القيادات المسئولة عن إدارة تلك المؤسسات وأخرى بسبب تقادم الأنظمة والسياسات واللوائح التي تحولت الى قيود حالت دون تطوير أداء المؤسسات ، وجهات أخرى تبين ان منظومة القوانين واللوائح أسهمت في تعقيد إجراءات الحصول على خدماتها ، اما بعض الجهات فقد تبين انها تعمل دون مهام محددة ودون لوائح وتخضع إجراءاتها لما يراه المسؤولين عليها ، من خلال عملية تقييم الوضع الحالي للمؤسسات والجهات الحكومية تبين أن هناك مشاكل وتحديات متعددة بحاجة إلى ثورة إصلاحات واسعة تنهي البيروقراطية الإدارية وتغيير السلوك الإداري وتقضي على التضارب في المهام والاختصاصات وتعيد النظر في التضخم الكبير في المؤسسات والهيئات والمصالح والوزارات ، وتحدد المهام والمسؤوليات لكل وزارة وجهة ومؤسسة بما يؤهلها القيام بأداء واجباتها على اكمل وجه باقل تكلفة وجودة أعلى، فتم وضع محددات ومنطلقات الإصلاح الذي يسعى لإيجاد إدارة رشيدة تلبي تطلعات المواطن وتسهل وصول المواطن للخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية بشكل مبسط ، وإعادة النظر في السياسات التي افرغت الأجهزة والمؤسسات الحكومية من دورها ، وتحويل تلك المؤسسات إلى منتجة ، فتولى قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي ، مهمة قيادة التغييرات الجذرية ، وتوليه هذه المهمة في هذا الظرف الحساس عزز ثقة الشعب بأهمية هذه الخطوة التي تأتي في اطار بناء المؤسسات بناءً سليماً يؤهلها لإدارة التنمية في المستقبل.
لذلك التغيير الجذري يهدف إلى إيجاد مؤسسات حكومية فاعلة ومنتجة قادرة على مواكبة التطورات تقدم خدماتها بيسر وسهولة للمواطنين، تدار من قيل كفاءات وطنية بعيداً عن المحسوبية والحزبية والمحاباة تمتلك من المهارات والقدرات ما يؤهلها القيام بالمهام والمسئوليات بكل اقتدار ، ومن أهدافها اصلاح منظومة القضاء وتعزيزه بدماء جديدة من علماء الشريعة وطلاب الدراسات العليا في الجامعات وفق معايير الكفاءة والنزاهة، وتهيئة بيئة الاستثمار الوطنية من خلال اتخاذ كافة لإجراءات الكفيلة بتحسين بيئة الاعمال وتحديث القوانين المنظمة للاستثمار ، وإزالة أي تعارض بين قانون الاستثمار والقوانين الأخرى ، وإيجاد استراتيجية وطنية محفزة للقطاع الخاص اليمني لقيادة التنمية ، وكان رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط ، خلال لقائه بمشايخ محافظة صنعاء مطلع الشهر الجاري قد أكد ان مواجهة العدوان والحصار لايزال أولوية من أولويات المرحلة ، يليها اعداد حيش وطني قوي ، وكذلك تعزيز دور مؤسسات الدولة واصلاحها من الداخل ” التغيير الجذري ” كأولوية ثالثة يضاف اليها تهيئة بيئة مؤاتية ومحفزة للاستثمار ، فاليمن اليوم امام اكثر من تحد الأول يتمثل باستمرار العدوان والحصار والذي يحتاج الى تعزيز قدرات الدولة لمواجهة تداعيات العدوان، والاخر مرحلة إعادة الاعمار الذي يجب ان تكون المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص مؤهل لقيادة وإدارة هذه المرحلة .
فلدينا الكثير من الفرص في مختلف القطاعات ولكن كانت تفتقر لإدارة مبتكرة قادرة على تحويل التحديات الى فرص، وعندما تكون الإدارة غير قادرة على إدارة التغيير يتعثر مسار التنمية وتتراكم المشاكل والصعوبات ويتفاقم العجز الحكومي في مختلف الجوانب، وتتحول الماكنة الإدارية التي تعاني من اختلالات بنيوية الى عامل احباط لاي مشاريع أو خطط تنموية، والعكس صحيح ، أي ان المؤسسات القوية والمنتجة والقادرة على التأقلم بمرونة مع مختلف الظروف، تستطيع تحقيق التغيير في مختلف القطاعات، يكون التغيير ممكنا، فاليمن يمتلك الكثير من الثروات المهدرة ويمتلك عناصر الإنتاج الوطنية ومعظم سكانه العاطلين عن العمل في سن الإنتاج ، وينظر اليه كمخزون بشري في المنطقة، وكان ينقص إدارة التنمية في هذا البلد القيادة والإرادة والقرار المستقل، ونظراً لغياب العناصر الثلاثة المحركة لأي تغيير وطني، فشلت الحكومات السابقة في تنفيذ كافة الخطط والاستراتيجيات التنموية، ولم تكن تمتلك أي رؤية تنموية تلبي مصالح الشعب اليمني، لذلك كانت الأدنى في مؤشرات التنمية والاعلى في تصاعد مؤشرات الفقر والبطالة وصولاً إلى دخولها نادي الدول الفاشلة على مستوى العالم ، فعلى سبيل المثال ، فشلت حكومة ما قبل العدوان في تنفيذ استيعاب عشرات المنح التي قدمت كمساعدة من المجتمع الدولي ، بسبب ضعف الإدارة العامة للدولة وعدم قدرة المؤسسات الحكومية على تنفيذ المشاريع الممولة من الدول المانحة حينها ، ورغم انشاء جهاز خاص لاستيعاب المنح والمساعدات خلال سنوات ما قبل العدوان والحصار، تعثر نحو 200 مشروع بسبب نفس التعقيدات الادارية والروتين الممل والفساد والاضطرابات الأمنية والتعقيدات الإدارية وتضارب الصلاحيات بين وزارة وأخرى .
لذلك وغيره من ارث الإدارة الثقيل من العقود الماضية، كانت التغييرات الجذرية ضرورة ، ويعلق عليها الآمال في تغيير واقع الإدارة العامة بشكل عام ، فلدي اليمن فرص وامكانيات لا حصر لها ،ولكن تعاني من غياب إدارة منتجة إدارة مبتكرة إدارة مرنة إدارة قادرة على إدارة التحولات إدارة تمتلك مهارات التخطيط والتنظيم والاشراف والتقييم والرقابة ، لكي تحول كل الإمكانيات والفرص في مجال الاستثمار السياحي والاستثمار الزراعي والسمكي وغيرها إلى فرص ، وليس تبديد الفرص واعاقة أي توجه جاد للتغيير ، فهدف التغيير والإصلاح تأخر بسبب العدوان والحصار ، ومع ذلك حان الوقت لنقل اليمن من مرحلة ساد فيها التعثر والترهل والفشل الإداري وأصبحت الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات والجهات مكلفة ومرهقة إلى مرحلة تتواءم السياسات الإدارية والاقتصادية مع متطلباتنا الوطنية والتنموية ، فنحن بحاجة إلى إصلاح البنية التحتية والبنية الإدارية والبنية الاقتصادية من خلال تغيير السياسيات التي تعمل على ابقاء اليمن دولة مستوردة تعاني من التبعية الاقتصادية والارتهان للخارج .. وكذلك بحاجة إلى تعزيز دور القضاء وإنهاء الاختلالات التي يعانيها وخلق بيئة مواتية للاستثمار، وتعزيز علاقة الدولة بالقطاع الخاص وتعزيز الشراكة مع هذا القطاع الحيوي الهام للإسهام الفاعل في قيادة التنمية، فالإصلاح الإداري الذي سيجري بناء على رؤية وطنية ثاقبة سيحدث تغييراً دراماتيكيا في تحقيق التنمية الشاملة وان كانت على مراحل، فان الغايات النهائية من الإصلاح الإداري سيتحقق باذن الله ، وستعمل هذه العملية الجراحية التي ستطال مختلف أجهزة الدولة على تعزيز النمو الاقتصادي المأمول .