“الشيعة فوبيا”: سلاح “إسرائيل” لتفتيت الأمة على يد عملائها
محمد محسن الجوهري
مؤخراً، انتشر على منصات الشبكة العنكبوتية مقطعاً صوتياً لناطق الجيش الصهيوني المدعو “أفيخاي أدرعي”، وهو يتحدث عن خطر الشيعة والتشيع، وبنفس النفس الطائفي الذي يمارسه شيوخ الضلال من الوهابية السلفية وغيرهم، وهو ما يؤكد أن الخطاب الطائفي يبدأ من “إسرائيل” ومن اليهود وينتهي إلى لسان الخونة ودعاة الفتن من المنافقين والذين في قلوبهم مرض.
وبالبحث عن أصول الموضوع، وجدنا أن لـ”إسرائيل” اليد الطولى في خلق الرهاب من الشيعة، أو “الشيعة فوبيا” بهدف فرض هيمنتها على المنطقة العربية والإسلامية، والسبب أنها تدرك أن قوتها لا تكمن فقط في تفوقها العسكري، بل في قدرتها على تفكيك أعدائها من الداخل. ومن بين أهم الأدوات التي استخدمتها “إسرائيل” لتحقيق هذا الهدف هو “الرهاب من الشيعة” أو ـ”الشيعة فوبيا”، وهو خطاب طائفي يهدف إلى تأجيج الصراعات الداخلية بين المسلمين وتحويل العداء بعيدًا عن الاحتلال الإسرائيلي.
تفهم “إسرائيل” أن وحدة العالم الإسلامي هي أكبر تهديد لمشروعها الاستيطاني، ولذلك عملت بشكل ممنهج على إثارة الفتن المذهبية، خصوصًا بين السنة والشيعة، حتى يتحول الصراع في المنطقة من كونه صراعًا ضد الاحتلال الإسرائيلي إلى صراعات داخلية تستنزف طاقات الشعوب. لم يكن هذا مجرد تحليل نظري، بل هو استراتيجية صهيونية موثقة. ففي الثمانينيات، كشفت دراسات وتقارير إسرائيلية عن خطط لتفكيك الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقية، فيما أكد مسؤولون إسرائيليون، مثل أرييل شارون، أن إثارة الفتن داخل الدول الإسلامية هو الضمان الأساسي لأمن “إسرائيل”.
جزء من هذه الاستراتيجية تمثل في شيطنة القوى الشيعية التي تتبنى نهج المقاومة ضد “إسرائيل”، وفي مقدمتها إيران، حزب الله، وحركة أنصار الله في اليمن. فرغم أن هذه القوى تشكل اليوم أبرز خطوط الدفاع عن القضية الفلسطينية، فإن الإعلام الممول من جهات متحالفة مع “إسرائيل” يسعى إلى تصويرها كعدو “أخطر من “إسرائيل” نفسها. فإيران، التي تعد أكبر داعم للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، تحولت بسبب هذه الدعاية إلى “التهديد الأول” لبعض الأنظمة العربية، متجاهلة أن الكيان الصهيوني هو من يحتل القدس ويقتل الفلسطينيين يوميًا.
أما حزب الله، الذي ألحق هزائم تاريخية بـ”إسرائيل” في 2000 و2006، فقد حاول الإعلام الغربي والعربي الموالي لـ”إسرائيل” تصويره كمنظمة إرهابية طائفية بدلًا من كونه حركة مقاومة وطنية. ولم يكن الوضع مختلفًا مع حركة أنصار الله في اليمن، التي تبنّت خطابًا واضحًا في مواجهة الصهيونية والتدخلات الأمريكية، وجعلت من “الصرخة” شعارًا يعبر عن رفض الهيمنة الأجنبية، مما جعلها هدفًا لحملات التشويه المتكررة.
في السنوات الأخيرة، رأينا كيف استخدمت بعض الأنظمة العربية “الشيعة فوبيا” كذريعة لتبرير التطبيع مع “إسرائيل”. فقد بررت بعض الدول الخليجية تحالفها مع تل أبيب على أنه ضروري لمواجهة “الخطر الإيراني”، وكأن إيران أخطر من الكيان الصهيوني الذي يحتل الأراضي العربية ويمارس أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين!
“إسرائيل” وجدت في هذا الخطاب فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها في المنطقة، حيث تمكنت من توجيه العداء العربي بعيدًا عنها، وإعادة رسم خارطة العداوات في المنطقة بما يخدم مصالحها.
لكن الأمر لم يقتصر على السياسة والإعلام، بل امتد إلى تحركات الموساد الإسرائيلي، الذي عمل على تمويل جماعات متطرفة تنشر الكراهية ضد الشيعة، وساهم في التلاعب بالرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات إعلامية تخدم المشروع الصهيوني. فقد كشفت عدة تقارير استخباراتية عن دور “إسرائيل” في تغذية الحروب الطائفية داخل الدول الإسلامية، سواء عبر التحريض الإعلامي أو عبر دعم الفصائل المتشددة التي تعمل على إذكاء نار الفتنة بين المسلمين.
إذا نظرنا إلى المشهد العام، نجد أن هناك ثلاثة أطراف رئيسية مستفيدة من انتشار “الشيعة فوبيا”: “إسرائيل”، الولايات المتحدة، والأنظمة المستبدة المتحالفة مع “إسرائيل”. فـ”إسرائيل” ترى في هذا الخطاب فرصة لإضعاف أعدائها وتقليل الضغط عليها، بينما تستفيد الولايات المتحدة من استمرار الانقسامات الطائفية لتبرير تدخلاتها العسكرية في المنطقة، في حين تستخدم الأنظمة العربية هذا الخطاب لتمرير التطبيع مع “إسرائيل” وقمع أي معارضة داخلية.
إن “الشيعة فوبيا” ليست ظاهرة طبيعية، بل هي سلاح استراتيجي تستخدمه “إسرائيل” وحلفاؤها لإضعاف الأمة الإسلامية وتشتيت جهودها. فبدلًا من أن تتوحد الشعوب ضد الاحتلال الإسرائيلي، تجد نفسها غارقة في صراعات طائفية لا تخدم سوى العدو الصهيوني. ولذلك، فإن مواجهة هذا المخطط تبدأ بوعي الشعوب وإدراكها لحقيقة أن المعركة الحقيقية ليست مع أبناء الدين الواحد، بل مع الاحتلال الصهيوني الذي يستهدف الجميع دون تمييز.
محمد محسن الجوهر