الشهيد القائد شخصية استثنائية في مرحلة استثنائية
إن الحديث عن جوانب الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي، ومكارمه وأخلاقه، وتضحيته وجهاده، وفضله على الأُمَّة لن تفي به كتب ومجلدات، وتقارير ومقالات، أو غير ذلك، وهنا لا يسعنا في هذا التقرير إلاَّ القول بأن الكثير من الصفات، والأخلاق، التي تجلت في الشهيد القائد “رضوان الله عليه”، كانت نتاجاً طبيعياً لنشأته على يد والده العلامة الرباني المجاهد السيد بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، وكذلك اقترانه وملازمته للقرآن الكريم، وامتثاله لتوجيهاته، واقتدائه لتعليماته، التي جعلت من أخلاقه، أخلاق القرآن الكريم التي اشتهر بها، وتمثلت في سلوكه بشكلٍ فعلي على أرض الواقع، وفي مسيرة الحافلة بالجهاد والعطاء والتضحية والفداء لهذه الأمة، والاهتمام بأمر الدِّين، وارتباطه الفعلي بحياة الناس، والجهاد في سبيل الله، ونصرة المستضعفين.
شهيد القرآن:
عندما نريد أن نتحدث عن جوانب من شخصية الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي فإن أول ما يجب التأكيد عنه “رضوان الله عليه” كان شهيد القرآن الذي اقترن به وعاش معه حتى استشهد متمثلاً لتعاليمه، وتوجيهاته قولاً وعملاً، واقتداءً وسلوكاً، إذ انطلق “رضوان الله عليه” بروح المسؤولية خوفاً من الله عزَّ وجلّ، وسائراً على نهج الأنبياء والمرسلين في هداية الأمة والحرص عليها، يتملكه الشعور بالخوف من الله القوي العزيز لدرجة أنه لم يعد يخشى إلاَّ الله ولم يعر أي اهتمام لسطوة وجبروت المستكبرين وما يقومون به من وسائل القهر والقمع والتعذيب التي يستخدمونها لإسكات من يقفون في وجه غطرستهم ومناهضين لظلمهم وجبروتهم ومشاريعهم الاستعمارية.
وكثيراً ما كان الشهيد القائد “رضوان الله عليه” يحثُ، ويؤكدُ، ويشدِّدُ، في دروسه ومحاضراته من هدى القرآن، التي كان يلقيها على أهميَّة معرفة الله معرفة صحيحة تؤدي إلى الإيمان والثقة به كما ينبغي، والارتباط به، والاعتماد على عونه وتأييده؛ كون ذلك هو الوسيلة لنيل القوة والوقوف في وجه الطواغيت والمستكبرين والتغلب عليهم.
ولأنه كان قرين القرآن وادرك رؤيته المتعمقة؛ فقد أدرك الشهيد القائد “رضوان الله عليه” عظيم المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه هذه الأُمَّة التي تواجه مؤامرات ومكائد أعدائها من قوى الاستكبار العالمي (أمريكا وإسرائيل)، حيث يُقدم الشهيد القائد من خلال القرآن الكريم التشخيص والتقييم الدقيق لواقع الأُمَّة المزرٍ والمهين، وأسبابه، وأحداثه، ويُقدم في نفس الوقت المعالجات والحلول القرآنية الناجعة والعملية، من خلال مشروعه القرآني؛ بغية إخراج الأُمَّة من حالة الذل، والهوان، والضعف، والتخلف، والانكسار، والخنوع لطواغيت العصر من المستكبرين، ولذلك فإن مواقفه المناهضة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على هذه الأُمَّة والسعي لاستنهاهضها وبنائها لتقف في وجه تلك الهيمنة والغطرسة لهو أكبر دليل على قوة الإيمان والثقة بالله، وعظيم الارتباط به سبحانه وتعالى.
الشهيد القائد كان محل إعجاب كل من عرفه:
يشيرُ الباحث “يحيى قاسم أبو عواضة” أن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” كان محل إعجاب كل من عرفوه، فبعضهم أعجب به لكرمه وسخائه، والآخرون كان مصدر إعجابهم شجاعتــه التي كانت مضرب المثل في المناطق التي عرف فيها، والبعض الآخر سحرهم تواضعـه وكرم أخلاقه، وفريق آخر اندهش لعلمه ومعرفته فوجد نفسه أمــام بحر من العلم لا يدرك قعـره أمـا بعضهم فمدح فيه حكمته وبعد نظره، آخرون أحبوه لحبــه للناس واهتمامه بهم، والكثير الكثير دخل قلوبهم لمواقف الإحسان التي تميز واشتهر بها.
ويؤكد “أبو عواضة” أن الحديث عن الشهيد القائد، هو حديث عن الإنسان الذي جسد كل معاني الإنسانية في حياته، وهو حديث عن الرجل الذي تجلت فيه أسمى آيات الرجولة، وحديث عن الشجاعة التي أذهلت العالم بكله، والإباء والعزة الإيمانية، حديث عن القيم العظيمة والمبادئ السامية، وحديث عن السمو في أمثلته العليا، هو حديث عن قرين القرآن الكريم ببصائره وبيناته وهداه، هو حديث عن العظماء الذين قل إن يجود بهم الزمان.
الدور الإنساني والاجتماعي للشهيد القائد:
يُبيِّنُ الباحث “أبو عواضة” أن الشهيد القائد عُرف لدى القريب والبعيد والعدو والصديق بأدوار مهمة بما فيه خدمة المجتمع بجناحيه الرجل والمرأة، فقد كان يعيش معاناة المجتمع، ويتألم لواقعهم، فعمل على تحقيق العديد من المشاريع الخدمية في العديد من المناطق التي تصل إليها يده، وأنشأ جمعية مران الاجتماعية الخيرية، وقدم من خلالها العديد من المشاريــع المهمة، وبالذات لمنطقة مران التي كانت تمثل محل إقامته الرئيسي رغم الصعوبــات التي كان يواجهها من بعض مسؤولي الدولـــة في المحافظــة والذين لا يهمهم إلا تحقيق مصالحهم، فبنى العديد من المدارس الدينية والرسمية كما عمل على المتابعة لبناء مستوصف كبير في مران وجهزه بكادر من المنطقة، وبعث بمجاميع من البنين والبنات للدورات في المجال الصحي في صنعاء وصعدة، وعمل على فتح خطوط إلى المناطق التي لم يصل إليها الخط وتابع حتى حصل على العديد من البرك في عدد من المناطق، وكذلك الكهرباء تابعها حتى توفرت شبكة كهرباء لمنطقة مران والمناطق المجاورة لها، وقام ببناء مصلى للعيد في منطقة مران تتسع لكل أهالي المنطقة، وعمل شخصياً في تلك المشاريع حيث كان دائما في مقدمة من يعمل بيديه، كما عرف بين أبناء المنطقة بأخلاقه العالية وبروحه التي تلامس مشاعر الناس وآمالهم وآلامهم فقد كان ملاذا للمظلومين والمحتاجين والفقراء والمساكين، كما عرف برحمته وشفقته حتى بالحيوانات.
تقييم الشهيد القائد لوضعية الأمَّة:
تأمل الشهيد القائد كثيراً في واقع الأمة، وبدأ يبحث ويدقق مستفيداً من تجارب الماضي من أين أتيت الأمَّة؟ ومن أين ضربت؟ وما الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه؟ ومن خـلال غوصه في أعماق القرآن الكريم عرف الــداء الذي يفتك بجسم الأمَّة والذي طرحها أرضاً تئن تحت أقدام اليـهود والنصــارى إنها الثقافــات المغلوطة والعقائد الباطلة التي جاءت من خارج الثقلين كتاب الله وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله).
وبثورته الفكرية الثقافية الشاملة، قاد الشهيد القائد “رضوان الله عليه” أعظم ثورة على الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة التي تؤسس وتشرع للطغيان والظلم، وثار على الثقافات المنحرفة التي أوصلت المئات من الطواغيت إلى سدة الحكم وهيئت لهم الساحة ليحكموا الأمة بالقهر والغلبة، وهذه الثورة هي الثورة الحقيقية الثورة الناجحة والمحصنة من أي اختراقات، فلا أمريكا ولا غيرها قادرة أن تخترق مثل هذه الثورة، حيث أنها ثورة اتجهت إلى بناء أمة لا تقبل بالطواغيت ولا تنخدع بهم، وتجعل الأمة تعرف من يحكمها وفق معايير قرآنية، لا مكان فيها لتلك الأفكار المنحرفة التي أوصلت المجرمين إلى سدة الحكم ليتحكموا على رقاب الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل مهدت الطريق أمامهم ليصعدوا على أكتافها ويسوموها سوء العذاب حتى وصل بهم الأمر في هذه المرحلة إلى أن يبيعوا كرامة وعزة وشرف وحرية وثروات شعوبهم من أعداء هذه الأمة أمريكا وإسرائيل وأن يتآمروا على شعوبهم وأن يسخروا أنفسهم ليكونوا أدوات قذرة لخدمة أعداء هذه الأمة في ضرب شعوبهم وإذلالها وقهرها .
استطاع بمعية الله أن يصنع جيلاً جهادياً:
لأنه “رضوان الله وسلامه عليه” عرف الله، حق المعرفة، وتأمل سور وآيات القرآن الكريم التي صنعت منه شخصية قرآنيه تتحرك في الواقع كما يريد الله، يعلم ويرشد ويهدي ويربي ويكشف الحقائق وينير البصائر ويشحذ الهمم ويشد العزائم ويقوي النفوس بالهدى والوعي حتى استطاع بمعية الله أن يصنع جيلاً جهادياً صلباً لا يخشى إلاَّ الله القوي العزيز.
وفي الوقت الذي كان الطواغيت والمجرمين قد استكملوا مخططاتهم ومشاريعهم للقضاء على هذه الأمة، صدحت حنجرة الشهيد القائد من أعلى جبل مران في أطراف محافظة صعدة بصرخة مدوية بدايتها الله أكبر ومضمونها الموت لأمريكا وإسرائيل، واللعنة على اليهود ونهايتها التي لا نهاية لها النصر للإسلام، فشقت صرخته طريقها حتى وصلت الى اسماع الطواغيت، وارعبتهم، وعكرت مزاجهم، وكدرت صفوهم، وعرقلت مخططاتهم، وارتجفت قلوبهم، وارتعدت فرائصهم، حين عرفوا فحواها ومضمونها، ووصلوا الى قناعة أن هذه الصرخة، وهذا القائد سيُفشل مشاريعهم الخبيثة والاستعمارية.
لم يقف الأمر عند الصرخة فقط، فهي لم تكن إلاَّ موقفاً واحداً من مواقف كثيرة، أبرزها بل أهمها: التثقف بثقافة القران الكريم، والتحلي بالوعي والبصيرة والحكمة، ومعرفة انواع واساليب الصراع، ومعرفة معنى الموالاة والمعادة، ومعنى الارهاب والسلام، حتى خلق في نفوس المستضعفين وعياً قرآنياً توجه بقاعدة إيمانية عملية عنوانها لا عذر للجميع امام الله.
وشن الأعداء الحروب تلو الحروب على هذا القائد وعلى المشروع القرآني الذي جاء به أملاً منهم في اطفاء نور الله الذي لا ينطفئ، وقتلوا الكثير من المؤمنين ظلماً وعدوانا ودمروا المنازل وارتكبوا المحرمات والجرائم التي كان أفظعها قتل الشهيد القائد في عام 2004م، متوهمين أنهم بذلك سيدفنون جثمانه الطاهر ومشروعه الرباني تحت التراب، لكنهم فشلوا في ذلك، وما العدوان الأمريكي السعودي الذي يشنه طواغيت العالم اليوم على اليمن والذي تجاوز الخمسة أعوام إلاَّ استكمالاً لحربهم التي شنوها على الشهيد القائد، وعلى المشروع القرآني منذ أكثر من 15 عاماً، إلاَّ أن وراء هذا المشروع عناية الهية تدعمه وتؤيده وتبطش بالطواغيت، وتقود الشعب اليمني الصامد الى دوحة العلياء، والى العزة والكرامة والنصر المبين القادم بإذن الله تعالى.
إن ما نعيشه في هذه الأيام من وعي قرآني صحيح، أساسه الارتباط بالله والثقة به، والاعتماد عليه، أوجد القوة والشجاعة والصمود في وجه طواغيت العالم، والعزة والانتصارات العظيمة التي منحها الله لأوليائه الصادقين وهذا ما هو إلاَّ ثمرة من ثمار الاقتداء بالشهيد القائد وجهاده وتضحياته فصلاة ربي وسلامه عليه.