الشهيد احمد قرصة فارس مقدام لم يترجل.
عين الحقيقة / كتب / صلاح الرمام
من واقع حياتنا الأقرب إلى الموت منها للحياة.. ومن وسط بحر هائج تتلاطم أمواجه لتمتزج خليطًا من ألوان المذلة والهوان.. ومن ظلام دروب الاستسلام الذي يبتلع في تيهه كل القلوب.. ومن أصفاد تغلل أحلامنا الأسيرة الكسيرة والخائفة من كل شيء ومن لا شيء.
من هذا الواقع يطل علينا بوجهه المشرق وعقله المثقل بهموم أمة.. ومن خلف شخصيته تجسد كل معاني للحياة، نلمحها فنذوب خجلاً.. من هذا الواقع تندفع كلماته الحالمة الهادرة؛ حاملةً كل أطواق النجاة، لتنتشلنا من سجون أمانينا إلى رحابة لم نعرفها.
إن هذا الواقع يرفع الراية.. ننظرها تتعالى.. تتعاظم.. تحمله.. من هذا الواقع نبت الشاب العشريني ” احمد علي قرصة ” رجلاً سقت رجولته ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).
رجل تدوي في أرجاء نفسه قوله تعالى(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[سورة التوبة 41] رجل قرأ شعارات ” الحسين “: “الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، فقرر أن يتجاوز حدود رفع اللافتات ليستحيل لافتة ترفرف إلى جوار ” الشهيد القائد “عاش شهيدًا يسري في عروقه دم قلب نبضه الحياة.. التي ليست كأي حياة.. شاخصًا ببصره نحو العرش؛ حيث الطير الخضر، يسرحون ينتظرون..وما خابت آمالهم.
نعم هؤلاء هم الرجال الذين حملوا هم هذه الأمة ورفضوا أن يفرطوا في شبر واحد من يمن الإيمان والحكمة بل من أرض الإسلام، رجال وقفوا كالجبال في وجه الأعاصير والعواصف فلم يهتزوا ولم يتزحزحوا ولم تتزعزع ثقتهم في ربهم عز وجل وفى وعده لهم النصر ولو بعد حين , فكانوا نعم الرجال المدافعين عن ثرى اليمن فهو الذي عاهد آلله وصدق العهد .
نعم هم الشهداء، أنوار تتلألأ في سماء الكون لتضيئ دروبنا وعقولنا، فترشدنا إلى الخط القويم.
هم الشهداء، أرواح طاهرة تعيش بيننا، فنشعر بها تبارك كل خطوات حياتنا، فنحقق الانتصار، تلو الانتصار…
هم الأحياء، الذين فازوا بجنات ورضوان من اللَّه أكبر. فقد عرفوا الحق وسلكوا مسلكه وتبقى دماؤهم، أمانة في أعناقنا، نبذرها لتثمر ورود الحرية.
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾
“سلام الله وتحيّاته على هذا الشهيد العزيز الشّامخ الذي بات مثالاً للحقّ الجليّ والمنتصر أمام الباطل المندحر في أشدّ لحظات الحياة حساسيّة وخطورة.
يا نبض الفؤاد ، يا نسيم الروح .. أيها الساكن داراً خيراً من دارنا ،أيها الاكرم منا كيف أرثيك وأنت الشهيد .. أي لسان يعطيك حقك وقد سماك الله شهيداً وقد نلت كل معنى العلياء يا سيدي .. يا سيد الكبرياء في الزمن المأسور بالصمت .. أيها الصاعد إلى عالم الانعتاق .. أيها التارك للزوال إلى البقاء .. أي دمٍ رائعٍ هذا الذي منك قد سال .. أي عبق هذا الذي منك قد فاح .. أبيت الا الصعود فوق القمم .. أبيت إلا مكاناً فوق النجوم .. وقفت والشمس في موضع ، تشرق فينا بإشراقها وتغرف عنا بغروبها .. شروقك فينا نور لا يفنى ، وغروبك عنا ذكريات لا تنسى .. يا سيدي ,,في مقامك هذا لات حين بيع الرثاء منا بطولتك ، شجاعتك ، إقدامك ، إيثارك، صبرك ، فداؤك كلها ترثيك في اليوم ألف مره .. أقسمت أنك أقوى من
زمانك ، أعظم من جراحك ، أحلى من حياتك ، أسبق من فواتك..أتذكرك لحظات من عمري مرت كما مر السحاب بلل الأرض بماء الحياة ثم رحل فأنبت ظله زهوراً فاح أريجها في أرجاء الوطن .. أتذكرك بطلاً مقداماً محباً للثورة عاشقاً للشهادة ” فكنت أيها البطل غراً صعباً عليهم .. أتذكر معيناً من الحياء يزينك في كل حين .
عجبا! أن أرى فيك ذلك وقد رأيت فيك مدرسة في كل شيء .. رأيت فيك وجوهاً من عظمةٍ فعلمت أن البطن الذي أنجبتك والأب الذي رباك كانا أعظم لأنك شخص عظيم رأيت فيك كيف تفدي رفاقك بروحك الطاهرة فتغطي هفواتهم بجسدك النحيف.
أي شهيدٍ أنت يا احمد ؟! أي سيدٍ للشهداء أنت؟!
أي شعاع من الشمس أنت تضيء مدارج الصاعدين خلفك؟!
مت صامتاً إلا من صوت الرصاص يخترق أجساد عدوك مزقتهم غيظاً.
أحرقتهم قهراً .. أرعبتهم خوفاً .. عظمة إيمانك بقضيتك اعتلت دباباتهم ونكلت بجحافلهم.. بسمة انتصارك اعتلت طيرانهم .. أذقت الروح يا رفيق حلاوة الشهادة وأذقتهم مرارة الهزيمة فأي شهيدٍ أنت يا بطل؟ أيها الشهيد إن دمك الأحمر قد لون أماسينا بجمره الحنون وأضاء الوطن بأمل الانتصار دمك الأحمر لن ينسى ودمك الأحمر في رقابنا قلادة من أمانةٍ ، فإن نسيناه فقد خنا الأمانة..فارفع جبينك فوق ضوء الشمس فما زلت حياً لم ترحل وإن واروك التراب ، فصبحك ينبت ألف صبح ، ودمك ينبت في الميادين الزهور فأنت في ضمير الأحرار والثوار حي .. وفي ضمير التاريخ نصنع من بياض .. أنت للحق المغتصب جولةً وصولةً وقوةً .. طهارتك جزءٌ من طهارة أرضك .. عظمتك جزء من عظمة دينك .. إقدامك جزءٌ من سيرة أمجادك .. لقد كان جسدك الطاهر ولا يزال شراعاً للحق والانتصار يموج على أكتاف الرجال .. أبصرته كل اليمن وكل اليمنيين..وغردت فوقه كل حرائر الأطيار .. وهتفت به كل حناجر الأطهار .. كل من يعرف عنك شيئاً ظن أن الطيور في السماء تغرد فرحاً بإ ستشهادك وتخفق إعجاباً لصبر أبيك وأمك حين خرجوا يحملوك هدية إلى المسيرة القرآنية إلى جوار إخوانك الأربعة الشهداء الذين قضوا في ذات الطريق.. زفتك صعدة النساء والرجال والشيوخ والأطفال حتى الطيور والأشجار
أيها الرفيق سنمضي علي دربك .. وما زلنا على ثقةٍ بنصر الله وفرجه لأنه السبيل الأوحد للوصول إلى العزة والكرامة إنه طريق الجهاد الذي سلكناه .. نعلم مبتداه ومنتهاه ولذلك دخلناه .. فمنا من قضى فيه نحبه شهيداً حميداً سعيدا شريفا كريما مثلك أيها البطل .. ومنا من ينتظر وتلك سنة الثورة والمسيرة التي تاكل من بنيها.
لقد اختارك الله في يومه المبارك فكان رميك على عدوك مبارك فبوركت يا بطلا ًشهيدا بين الشهداء وبورك البيت الذي شع نورك منه لتكون أهدافك التي خرجت من اجلها امل ونوراً لا تبدده الأيام .. فستبقى يا أخي بكلماتك وأهدافك هذه تعيش بيننا وأنت تقول لهم ” موتوا بغيظكم فانا قادمون.
طلقات رصاصك تدوي بأذاننا إلى الآن يا احمد ..جاء موعد اللقاء فنزلت الملائكة واصطفت لاصطحاب روحك الطاهرة إلى بارئها، وتجهزت الطيور الخضراء لتسكنك حواصلها ، هكذا وليسدل الستار على أخر صفحة من صفحات جهادك ونضالك وحياتك الدنيا أيها الفذ العملاق ، وتبقى ذكراك حية ترتعش في قلوبنا ووجداننا ، وتبقى ملامحك ترتسم أمام عيوننا في كل حين.
شهداء كتبوا بدمائهم تاريخ يحكي بطولات وأمجاد، أن في اليمن رجال، لم يركعوا للظلم أو الفساد مهما طال عمره ومهما بلغت قوته، رحلوا عن حياتنا كي يرسموا لنا مستقبلًا نعيشه الآن، تاركين لأسرهم ومحبيهم معاناة وحزنًا لم ينتهي ولن ينتهي، ففي كل ذكرى للشهداء يعود الجرح من جديد وتسيل الدموع وكأن الحادث بالأمس لم يمر على فارقهم أشهر عدة، إلا أن ذلك لم يمنع عوائل الشهداء وبقية المجاهدين من الافتخار بهم، لتدور عجلة الزمان وتتغير الأوضاع ويتحقق النصر والعزة والشموخ والكرامة والتمكين للمجاهدين بسبب تضحيات وبطولات هؤلاء الشهداء وغاب القمر غيابه الأخير لتنطوي صفحة من صفحات المجد والبطولة والعزة والإباء، من حياة شاب مجاهد عابد، غرس في نفوس العديد من زملائه حب الجهاد والشهادة في سبيل الله، فرحم الله شهيدنا البطل الشهيد احمد علي قرصة وأسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا والملتقى الجنة بإذن الله تعالى.