الشهيد أبو فاضل طومر.. أُسطورةُ “الفداء” العظيم
فضّل الشهيدُ المجاهدُ هاني محسن صلاح طومر أن يختمَ حياتَه بموقفٍ سيظل اليمنيون يتداولونه جيلاً بعد جيل؛ باعتبَاره الرجلَ الفدائيَّ الذي أنقذ زملاءَه ثلاثَ مرات، في مشهد لن يتكرّر إلا في الخيال.
تاريخُ استشهاده كان في التاسع من شهر فبراير من العام الجاري، لكن مواقفَه البطولية لا يمكن أن تمُرَّ هكذا مرورَ الكرام، فقد كشف تقريرٌ لقناة المسيرة والإعلام الحربي الجانبَ المشرِّفَ لهذا الشهيد وعمليته البطولية التي ستصبحُ درساً للتاريخ.
شارك الشهيدُ البطلُ الذي وُلِدَ في مديرية حيدان بمحافظة صعدة في أبرز العمليات العسكرية التاريخية مع العدوان الأمريكي السعوديّ ومرتزِقته (نصرٌ من الله)، (فأمكن منهم)، (البنيان المرصوص)، وعُيِّنَ مسؤولَ كتيبة المدرعات في اللواء 143 مشاة، لتأتيَ قصةُ استشهاده في ملحمة بطولية لا نظيرَ لها في تاريخ الحروب.
تبدأُ الحكايةُ عندما تلقى الشهيدُ البطلُ معلوماتٍ تفيدُ بمحاصَرة مجموعة من المجاهدين الأبطال في جبهة “المرازيق” بمحافظة الجوف شمالي البلاد، فسارع الشهيدُ بآليته المدرعة صوبَ المكان المحاصَر، وسطَ وابلٍ من نيران المرتزِقة، ليتمكّنَ بنجاحٍ في إجلاء مجموعتين من الجرحى المجاهدين، ويعود بهم إلى مكان آمن، دون أن يصابَ بأي أذىً، على الرغم من كثافةِ النيران وأعيرتها النارية التي حاول من خلالها المرتزِقةُ إعاقتَه عن تنفيذ المهمة إلا أن جميعَ جهودهم باءت بالفشل.
ويأتي هذا المشهدُ البطولي بعد فترة من بث الإعلام الحربي مَشاهِــدَ للجنود السعوديّين والمرتزِقة اليمنيين والسودانيين وهم يلوذون بالفرار من ضربات الجيش واللجان الشعبيّة، ويتدحرجون من قمم الجبال، في مشهد ذل وخزي وعار للنظام السعوديّ وكل من التفَّ حوله، في حين يوثق هذا المشهد عمليةً مغايرةً لجنود الجيش واللجان الشعبيّة وهم في قمة البطولة والرجولة والشجاعة، لا يخافون النيرانَ ولا يهابون الموتَ، كرارٌ غير فرار، حتى يلاقيَ اللهَ وهو قويُّ البأس والعزيمة، متسلحاً بالإيمان والمعنويات الصادقة.
لقد كانت المعركةُ في أشدها، ومجموعةٌ من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة لا يزالون محاصَرين من قبل مرتزِقة العدوان، وحينها لم يهدأ بالُ الشهيد البطل أبو فاضل طومر، فكرّر المحاولةَ مرةً أُخرى، لكن هذه المرة ليس في آليةٍ مدرعةٍ وإنما على متن “طقم” عسكري غير مدرع، وتقدم المقاتلُ البطلُ بثبات، متجاوزاً كُلَّ نيران المرتزِقة، حتى وصل إلى مكان الأبطال المحاصَرين، وحمل الجرحى، وعاد مرةً أُخرى إلى موقعه، بعد أن أنجاه اللهُ من كُـلّ نيران الحقد والكراهية والارتزاق.
كان المحاصَرون في وضعية حرجة، بعد اقتراب المنافقين والمرتزِقة من مواقعهم، فاضطروا إلى تغيير مواقعهم، غير أن إصرارَ الشهيد البطل أبو فاضل طومر ظل يلازمُه، فأصرَّ على تكرار المحاولة الثالثة لفكِّ الحصار عن زملائه وإيصال لهم المَدَد، فأقبل بآليةٍ عسكرية ثالثة؛ لإجلاء من تبقى، وتمكّن من تجاوز نيران المرتزِقة، في مشهد توثقه عدسة الكاميرا وعناية الله، لكنه لم يجد مكانَ زملائه المحاصرين، وعلى الرغم من كثافة النيران المشتعلة بآليته، إلا أنه لم يتراجع ولم يفكر بالفرار، وحاول الوصولَ إلى زملائه، غير أن مدرعتَه تعرضت للإعطاب، فاضطر إلى مغادرتها، والعودةِ إلى موقعه، لكن رصاصَ المرتزِقة كانت تترصَّدُه من كُـلِّ الجوانب، فارتقى شهيداً شامخاً ثابتاً، وليصنعَ بهذه المواقف تاريخَه بنفسه والذي لا يمكنُ لأحد نسيانه على الإطلاق.
بَيْدَ أن هذه الحكاية لم تمر هكذا، فبعد استشهاد البطل طومر أطلق أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة عمليةً عسكريةً وبعد ساعات تكللت العملية بالنجاح، وأسفرت عن تحريرِ السلسلة الجبلية لمنطقة “الدحيضة”، وتمكّن الأبطالُ من إخراج جُثمان “أبو فاضل” الرجل الذي وفى وضحّى بروحه في سبيل الله ولإنقاذ زملائه.
وتوحي هذه المشاهدُ التي عرضها الإعلامُ الحربي بأن الشهيدَ البطلَ طومر قد نذَرَ نفسَه وروحَه رخيصةً في سبيل الله؛ مِن أجلِ إنقاذ زملائه المحاصرين في الجوف، وهو درسٌ استسقاه من المسيرة القرآنية ومن ملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي –رحمه الله-، ويدُلُّ على أن هذه المسيرة والمشروع لا تنجبُ سوى الأبطال، المؤمنين بعدالة قضيتهم وانتصارهم للمبادئ والأخلاق، حتى وإن بذلوا في سبيل ذلك أغلى ما يملكون، وهي أرواحهم.
إن العمليةَ البطوليةَ للشهيد طومر ليست مشاهدَ خياليةً تعرضُها هوليود الأمريكية، بل هي مشاهدُ حقيقيةٌ واقعيةٌ، لمجاهدٍ ترعرع في طينةٍ جهادية، وسجّل درساً سيخلدُه التاريخُ في أنصع صفحاته، في ملحمة “إنقاذ زملائه المحاصرين”، حتى وإن كان الثمن جسده.
ردودٌ واسعة
لم يكد يمُرُّ على بَثِّ هذا المشهد البطولي عبر شاشة قناة “المسيرة” سوى ساعات، حتى امتلأت مواقعُ التواصل الاجتماعي تعليقاً على هذا المشهد.
وقال الدكتور يوسف الحاضري: “مشاهد أبو فاضل طومر جعلت جسمي كاملاً يقشعر مما قدمه من عمل عظيم لا يستطيعُ أن يقومَ بهذا العمل إلا مَن تولى واقتدى واقتفى بالإمام علي عليه السلام، لدرجة أنني تمنيتُ لو كنت نبضةً من نبضات قلبه الذي لم يكن ينبُضُ إلا عظمة وعزة وقوة”.
من جانبه، قال الناشط توفيق صلاح: كان الشهيد طومر، مسؤولَ الآليات العسكرية، لم يقل أنا مسؤول كذا عندما شاهد إخوانَه المجاهدين يحاصَرون، ترجّل فوق آلية عسكرية في المرة الأولى، وأنقذ الجرحى وتوقفت وبعدها ترجل فوق طقم عسكري، وأنقذ مجموعةً أُخرى، وعاد مرةً ثالثة يبحَثُ عن المحاصرين، وهنا قضى نحبَه في سبيل الله.
بدوره، يقول هاشم شرف الدين، تعليقاً على هذا المشهد البطولي: إن ذلك هو “أرقى درجاتِ الثقة الإنسانية بالله سبحانه وتعالى، أرقى مراتب الأُخوَّةِ الإيمانية، أرقى امتدادٍ لمدرسة الفداء العلوي، وأرقى مثال على الهُــوِيَّة اليمانية الإيمانية”.
صحيفة المسيرة