في اليمن فقط ، خلق الله من كلِّ شيءٍ طوفانًا، وكلُّ شيءٍ حين يتحرُّك وينتج فإنَّه يثمر طوفانًا، وهكذا في متواليةٍ انشطاريةٍ مباركةٍ تجلّت بركتها ذات صرخة من جرف سلمان، فجَّرت ثورةً جرفت غثاء التَّواريخ، وتباركت تحت راية السَّيد القائد عبد الملك بدر الدِّين الحوثي لتصبح طوفانًا يمدُّه من خلفه طوفان، ويسعى بين يديه طوفان، وعن يمينه طوفان، وعن يساره طوفان…
اليمن الذي يمتاز بالثَّراء في كلِّ شيءٍ، وكلُّ ثروةٍ فيه متوفرةٌ بكميَّاتٍ هائلةٍ، وهذا لا ينطبق فقط على الثَّروة البحريّة بمحتواها الجغرافي والجيوسياسي والاستخراجي، أو المعدنيّة أو الزراعيّة…إلخ ، وتكامل وتجمع كلّ ذلك معًا في ميزةٍ غير مسبوقةٍ في أيِّ بلدٍ في العالم، بل يمتد الثَّراء اليمني إلى الثّروة البشريَّة بكل محتواها العددي والنَّوعي كاريزما وقوة وبأس، والزَّخم العالي والكثيف في المسارات العسكري، والثّقافي، والإيماني، والتّنموي، والسِّياسي، والإعلامي، والإبداعي في الفنون والآداب، إلى غير ذلك… وهذا ما يجعل من اليمن طوفانًا، وكلُّ شيء فيه يمثِّل طوفانًا.. فإذا تحرَّك اليمنُ أو مسارٌ فيه يتحرَّك كطوفان بسخاء وثراء..
هذا هو طوفان الشِّعر اليمنيِّ مثالًا واضحًا، إنَّه مشهدٌ مهيبٌ، يشبه الكون الذي يتناسل أنجمًا وشموسًا باستمرار، لدرجة أنَّ مجلدات ثلاثة لم تتسع لأهمِّ ما انتُخِبَ من قصائد فصحى هطلت فقط في أيام طوفان الأقصى، هذه الظَّاهرة لاتحدث إلَّا في اليمن، وهي في الواقع مجرَّد نماذج تم انتخابها لتمثل طوفان شعر ما يزال يتكاثر في رحم الطُّوفان اليمني الأعظم.
القصائد التي بين يدينا هنا في هذا الدّيوان الخالد، تأتي في سياق موقفٍ يمنيٍّ متكاملٍ متناغمٍ متَّسقٍ كثيفٍ، تحرِّكه روحيةٌ واحدةٌ وقيادةٌ واحدةٌ، وينطلق من رؤية، وثوابت، وقضيّة، ومبادئ واحدة، ويترجم هويَّةً إيمانيَّة واحدة، وإبداعيًا يجدِّد منبع البيان والسِّحر في بلد الفصاحة والشِّعر والأدب، ومركز اللُّغة العربيَّة الفاتنة، اليمن.
القصيدة تأتي من اليمن جديدة أنيقة مكلَّلة بالدَّهشة والقوَّة، تجمع بين فانتازيا التَّخييل، وبين متانة المحتوى، وبين جدِّية الموقف، وصدق الإحساس، نعم، إنَّها تأتي امتدادًا لجذور الشِّعر الثَّابتة في أعماق التَّاريخ، ومصابيح ريادة الشِّعر الحديث والمعاصر، والتي من ألمع معاصريها شعراء معروفين عالميًّا كالبردُّوني، وحسن الشّرفي، والمقالح، والفضول، وجحاف، وهم من كانت القضيَّةُ الفلسطينيَّة في مقدِّمة اهتمامهم، وحازت على كثيرٍ من مساحة نصوصهم الوطنيَّة والقوميَّة، وفاقوا في ذلك مجايليهم الكثير والكثير من شعراء في سماء ما قبل تسعينات القرن الماضي، والمكتظَّة بنجوم الأدب، تلاه طوفان شعراء وأدباء التِّسعينات في اليمن، وقد تعاظم الطُّوفان في مرحلة القرن الجديد، الذين شكَّلوا إبداعًا يفوق الوصف، وتفوَّقوا أكثر خلال العقد الأخير، الذي تصدَّروا خلاله المشهدَ الأدبيَّ جرَّاء الأحداث المتسارعة بعد ثورة ٢١سبتمبر ٢٠١٤م
وها نحن نكاد نصل إلى ذروة الزَّخم الشِّعريِّ – مقارنةً بالسَّابق فقط – وذلك خلال فترة الطُّوفان، ومعركة الفتح الموعود، والجهاد المقدَّس والذي تصدَّرت اليمنُ وتبنَّت موقفًا داعمًا لغزَّة، ولمساندة المقاومة الفلسطينيّة على كافة الصُّعد، ترجمةً لمبادرة السِّيد القائد عبد الملك بدر الدِّين الحوثي التي كان عنوانها “لستم وحدكم” ولم تقتصر على التَّحرُّك العسكريّ، والشَّعبيّ، والدُّبلوماسيّ، والسَّياسيّ وحسب، بل شملت تحرُّكًا غير مسبوقٍ في المشهد الشّعريّ، حيث تزاحمت في ساحة البيان إبداعاتٌ مذهلةٌ، ذات فاعليةٍ وقوَّةٍ وصل تأثيرها إلى كلِّ الآفاق، تسابقت إلى ذلك الألق القصيدة الفصحى، والشَّعبية العموديَّة، وغيرها من أشكال القصيد اليمني.
هذا الطُّوفانُ الشِّعريُّ دوَّن الكثير منه، وهذا المجموع المنتخب، والذي عُنْوِنَ بنفس اسم مبادرة السِّيد القائد ” لستم وحدكم ” ليس إلَّا بداية الغيث من الإصدارات، والتي تم تجهيز ثلاثة كتب منها لما انتخب فقط من قصائد كُتِبَتْ خلال مائة يوم من طوفان الأقصى.