السيــد القائد ومداميكُ الاكتفاء الذاتي…بقلم/عبدالملك العجري
ما طرحَه الســيدُ القائد في محاضرة الليلة الماضية حقيقٌ بأن يسمعُه كُـلّ اليمنيين.
ثلاثُ قضايا استراتيجية يمكن أن تمثِّلَ مداميكَ أوليةً لبناء اقتصاد وطني وتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
الأولى: التنمية المحلية.
والثانية: الاقتصاد الريفي.
والثالثة: الأسرة المنتجة، أَو الاقتصاد المنزلي.
قد لا يكون ما طرحه السيــدُ القائد جديدًا، لكنه أصبح غريباً ومستبعداً في ظل هيمنة الرأسمال العالمي وفساد النخب المحلية، وَأهميته أن يكون توجّـهاً لقائدٍ معروفٍ عنه أن إذَا قال فعل، قائدٍ يمتلكُ الإرادَة السياسية، قادرٍ على فرض ما يريد ومتحرّر من التبعية لمراكز النفوذ والرأسمال العالمي وشروط المانحين وقادر على الوقوف بوجه مركز النفوذ والفساد المحلية.. على سبيل المثال التنمية المحلية والإنتاج الوطني الجميع يتحدث عنها لكن ما الذي يمنع منها وكيف تم تدميرها وتقويض بعض قطاعات الإنتاج الوطنية البسيطة؟
القصةُ باختصار تتعلق بالفساد وغياب سيادة القانون من جهة، وفروض نظام العولمة والاتّفاقات الاقتصادية التي تفرض على بعض الدول النامية ومنها اليمن، خَاصَّة الأنظمة الفاسدة من جهة أُخرى، هذه الاتّفاقات قوضت الفرص أمام الرأسمال الوطني للاستثمار في التنمية المحلية، وَالزمتها بفتحِ أسواقها أمام السلع الأجنبية دون إجراءات حماية تحمي التنمية الوطنية والإنتاج المحلي، وتسمح له بالمنافسة والاستمرار أمام تدفق السلع الأجنبية بسعر أرخص وجودة أعلى، وتمنع تحوله لمجرد وكيل للشركات الأجنبية، ومع تغلب الفساد على القيادات النافذة في السلطة والوزراء فَـإنَّ هؤلاء يتحولون إلى سماسرة للرأسمال الأجنبي والشركات العابرة للقارات مقابل امتيَازات وعمولات يحصلون عليها مقابل تمرير صفقات واتّفاقيات تلحق أكبر الأضرار بالتنمية المحلية، بل إن بعضَ هذه القيادات النافذة تحوّلت لوكلاء لهذه الشركات مقابل تقديم تسهيلات وإعاقة أية منافسة محلية، مع غياب تام لسيادة القانون لا توفر بيئةً قانونيةً تحمي الرأسمال الوطني ورجال الأعمال والمستثمرين من ابتزاز مراكز النفوذ والفساد وسماسرة الشركات الأجنبية وشروط المانحين المجحفة.
صحيحٌ أنه في ظل نظام العولمة وفرض سياسة الانفتاح الاقتصادي نفسها كنظام عالمي لا يمكن لأية دولة أن تعزل نفسها لكن الدول والأنظمة الحريصة على وطنها واقتصادها (في معظم الدول العربية نتيجة لتبعيتها وفسادها فَـإنَّ مؤشرات التنمية منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي تأخذ منحىً هابطاً وصل لحدِّ القضاء على بعض الصناعات الأولية كالغزل والنسيج وصناعة الدواء والزراعة) تعمل إجراءات حماية تفرض الرأسمال الوطني ليفرض نفسه شريكاً للرأسمال الأجنبي وليس مجرد مستورد للسلع بل مشاركٌ في إنتاجها من خلال توطين فروع للإنتاج يكون الرأسمال الوطني شريكاً فيها، إضافة لاحتكار بعض القطاعات الحيوية وهذا يستلزم في المقام الأول سيادة القانون وإيجاد المناخ المطمئن والآمن للاستثمار، وعلى رأسها سيادة القانون والاستقرار الذي نتمنى أن يحل قريباً على اليمن، ومع أن الحرب لا تساعد على التعبئة الشاملة للجهد الوطني لكن الحصار يمكن تحويله لفرصة للدولة ورجال الأعمال خَاصَّة في بعض القطاعات وعلى راسها القطاع الزراعي وكل ذلك يتطلب إرادَة سياسية تستطيع فرض سيادة القانون وقادرة على الوقوف أمام شروط المانحين والمقرضين وفرض اتّفاقيات عادلة ترعى الله في حقوق المواطنين وليس هناك من هو أكثرُ أهلية لهذا من السيــد القائد.
القضية الثانية الاقتصاد الريفي: اليمن دولة ريفية 80 % منها ريف تقريبًا وكان الريف إلى سبعينيات القرن الماضي ينتج معظم حاجاته من الغذاء سواء الحبوب واللحوم والألبان وغيرها من المواد الغذائية ويصدر الفائض منها للمدينة.
مع الظفرة النفطية الخليجية تدفقت العمالة اليمنية إلى دول النفط، خَاصَّة السعودية وكانت التدفقات المالية تزهد أبناء الريف في الزراعة والاستغناء عن الأرض والرعي وشيوع الثقافة الاستهلاكية والمظاهر الاستعراضية وتفضيل الانتقال إلى المدينة، حَيثُ الخدمات متوفرة أكثر.
لكن هذا لم يدم طويلاً فجاءت أزمة حرب الخليج وسيّست العمالة، وأهدرت حقوقَ المغتربين اليمنيين، خَاصَّةً أنه لا توجد أية اتّفاقيات تحمي العمالة اليمنية، كما هو معروف، والأمر الآخر الذي وجه أكبر ضربة للعمالة اليمنية أن العمالة اليمنية غير المؤهلة لم تعد تلبّي حاجةَ السوق الخليجية للعمالة الماهرة والمتخصصة والمؤهلة المطلوبة للسوق مع تطور الحياة الاقتصادية ووسائل الإنتاج، وهكذا فقد اليمن الاقتصاد الريفي ما توفره تحويلات العمالة والمهاجرين وضاقت الأمور أكثر وأكثر على العمالة وَالمغتربين ولم يجدوا سوى بلدهم وأرضهم.
أما بالنسبة للاقتصاد المنزلي أَو الأسرة المنتجة فَـإنَّها تعد من التجارب الرائدة في الصين الحديثة بتحويل منازل الصينيين إلى ورش صغيرة ودعم الأسر الفقيرة في الأرياف مما ساعدها في خفض البطالة وتخفيض تكلفتها الإنتاجية وتجربة الصين في هذا المجال تستحق الدراسة والاستفادة منها.