السماء المفتوحة لمطار صنعاء… التحليق فوق مدارج النصر
شنت السعودية وحلفاؤها حرباً وحشيةً على الشعب اليمني منذ ثمانية أعوام، بدعوى الإطاحة بحركة أنصار الله اليمنية في غضون أسبوعين، لكن الآن انقلبت الصفحة والتحالف السعودي لم يحقق شيئاً فحسب، بل سقط على ركبتيه أمام اليمنيين بعد هزائم متتالية.
إضافة إلى الهزيمة في ساحات القتال، خسرت السعودية أمام أنصار الله في مجالات أخرى أيضاً، فاضطرت إلى الانصياع لمطالب هذه الحركة.
وعلى الرغم من أن قادة أنصار الله بذلوا جهودًا كبيرةً في السنوات الأخيرة لاستعادة مطار صنعاء، الذي فرض التحالف السعودي حظر الطيران فيه، إلا أن المسؤولين السعوديين عرقلوا هذا الاتجاه ولم يفوا بالتزاماتهم.
في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين أنصار الله والسعوديين بوساطة الأمم المتحدة، كانت مسألة إعادة فتح مطار صنعاء من النقاط الرئيسية في الاتفاق، وعلى الرغم من إصرار السعودية على استمرار حظر الرحلات الجوية، ولكن أخيرًا تمت أول رحلة طيران من هذا المطار في يوم الاثنين 16 مايو، بعد توقفٍ دام ست سنوات.
غادرت أول طائرة تقل 127 مريضاً إلى مطار الملكة علياء في الأردن. وحسب اتفاق وقف إطلاق النار بين اليمن والسعودية، سيفتح مطار صنعاء الدولي لدخول وخروج المرضى ونقل المواد الغذائية والصحية.
بدأ اتفاق وقف إطلاق النار لمدة شهرين بين تحالف العدوان السعودي وحكومة صنعاء مطلع أبريل من العام الجاري، ومن أهم بنوده وصول 18 سفينة ناقلة للوقود إلى ميناء الحديدة ورحلتين من مطار صنعاء والعكس. ومع ذلك لم يتم إحراز أي تقدم في هذه العملية، والتحالف السعودي، إضافةً إلى عدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، يكرِّر خرقه للاتفاق بعدوانه على المدنيين اليمنيين.
وفي هذا الصدد، ألقت أنصار الله باللوم على التحالف السعودي، واتهمت الأمم المتحدة بالتعاون مع المعتدين بعد أن منع التحالف إعادة فتح مطار صنعاء. وفي نهاية المطاف، حققت موجة الضغط من قبل الأمم المتحدة وأنصار الله النتيجة المرجوة، مما أجبر السعودية على القبول بمواصلة العمل في مطار صنعاء.
العرقلة السعودية لإعادة فتح المطار فرضت تكاليف لا تعوض على اليمنيين، حيث إنه حسب المسؤولين اليمنيين فقد أدى الحظر المفروض على مطار صنعاء إلى وفاة ما بين 20 إلى 30 مريضاً يمنياً بشکل يومي، وبحلول عام 2021 توفي نحو 100 ألف مريض يمني لأنهم لم يستطيعوا السفر خارج اليمن لعلاج مرضهم.
وفي محاولة لإقناع المجتمع الدولي بفتح مطار صنعاء، قالت وزارة الصحة اليمنية في بيان قبل أسابيع، إن أكثر من 320 ألف مريض يمني يحتاجون للسفر للخارج لتلقي العلاج، لأن حصار وإغلاق مطار صنعاء سيؤدي إلى وفاة أكثر من 28 ألف مريض بالسرطان، بسبب نقص المعدات الطبية.
لقد فقد آلاف اليمنيين حياتهم خلال الحرب بسبب نقص الأدوية والخدمات الطبية، ما أثار ردود فعل عنيفة من جماعات حقوق الإنسان التي اتهمت السعودية وحلفائها بالمسؤولية عن الكارثة الإنسانية في اليمن.
مع استمرار حظر الرحلات الجوية في مطار صنعاء وعدم إرسال المساعدات الطبية والإنسانية لليمنيين، حاولت السعودية الضغط على حرکة أنصار الله لتقديم التنازلات للسعودية إنقاذاً للناس، لكن اليمنيين دفعوا ثمن حرب الثماني سنوات، لكنهم رفضوا الخضوع للابتزاز السعودي، وفي النهاية وافق السعوديون، الذين لم يتمكنوا من تحقيق هدفهم، على مطالب أنصار الله علی مضض.
من أعذار السعودية لحظر الرحلات الجوية في مطار صنعاء، الخلاف على جوازات الركاب اليمنيين، حيث لم يقبل حلفاء السعودية جوازات السفر الصادرة في صنعاء، حتى أجبروا على ذلك هذا الأسبوع.
أبعاد أهمية مطار صنعاء
إن السبب الذي دفع السعودية بعدم السماح بتشغيل مطار صنعاء في السنوات الست الماضية، يُظهر أهمية هذه القضية.
مطار صنعاء الدولي مغلق منذ 2016 بسبب الحصار الجوي الذي تفرضه السعودية والتحالف على اليمن. وكان المطار أحد طرق إرسال المساعدات الغذائية والطبية لليمن، لكن التحالف العربي فرض الحصار عليه.
وبالنظر إلى أن اليمن محاصر من قبل التحالف العربي منذ 8 سنوات، وأن قوات أنصار الله لا تستطيع الوصول إلى جنوب اليمن، الذي يقع في أيدي مرتزقة الإمارات والسعودية، فإن الطريق البحري لإيصال المساعدات والتواصل مع العالم الخارجي مقطوع عملياً.
ولذلك، يعدّ مطار صنعاء حاليًا الطريق الوحيد لإرسال المساعدات الإنسانية والخدمات الطبية، والذي لا يخضع لسيطرة التحالف. كما أن ميناء الحديدة، الذي يمكنه الوصول إلى المياه الدولية، غير قادر أيضًا على الحصول على مساعدة من الأمم المتحدة، بسبب عدم وفاء السعودية بالتزاماتها.
من ناحية أخرى، مع إعادة فتح مطار صنعاء، ستتم قضية تبادل الأسرى بين أنصار الله والتحالف السعودي بشكل أسرع، وهو ما تم ببطء بسبب غياب الرحلات الجوية.
أيضًا، مع استئناف الرحلات الجوية التجارية إلى صنعاء، سيتم إرسال شحنات الطعام بشكل أسرع إلى الشعب اليمني، الذي يعاني من أزمة الجوع منذ سنوات.
وكانت زيادة إمكانية الرحلات السياسية والدبلوماسية لحكومة صنعاء لتعزيز العلاقات الدولية مع الدول الأخرى، وحتى كسب المزيد من التعاطف والمساعدة الدوليين، من الفوائد المهمة الأخرى لإعادة فتح المطار، وهو الأمر الذي يخشاه التحالف السعودي. وفي الواقع، في السنوات التي تلت الحرب المفروضة على الشعب اليمني، بذلت جهود حثيثة لفرض العزلة السياسية علی اليمن بالتوازي مع الحصار الاقتصادي.
الأسطول الجوي اليمني قبل الحرب
قبل الحرب اليمنية، کان لدی هذا البلد عشرات طائرات الركاب، بما في ذلك إيرباص وبوينغ، والتي كانت تسافر إلى إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، وكان 90 بالمئة منها يتم من مطار صنعاء.
مع اندلاع الحرب اليمنية وهجمات المقاتلات السعودية العديدة على المطار، تضرر بشدة وقلصت أنشطة مطار صنعاء، وفي السنوات الأخيرة نادرًا ما سُمح لطائرات الأمم المتحدة بالسفر إلى مطار صنعاء.
في مارس 2015، عندما اندلعت الحرب، اضطر اليمن إلى تعليق جميع الرحلات الجوية حتى إشعار آخر، وذلك بسبب الصراع العسكري الذي استهدف مطار صنعاء الدولي، وأيضًا بسبب القيود المفروضة على الأجواء اليمنية.
وفي أغسطس 2015، استأنف اليمن الرحلات الجوية إلى مطار عدن، بإطلاق أول رحلة من السعودية. تم فرض الحصار الجوي على اليمن في فبراير 2016، وتم إلغاؤه في نوفمبر 2017 عندما هبطت أول رحلة تجارية في مطار عدن الدولي.
في نوفمبر 2018، أعلن اليمن أنه يسعى لاستئناف الرحلات الجوية من مطار عدن الدولي إلى دبي وأبو ظبي ومسقط، لكن السعودية لم تسمح بهذه الرحلات. ولم تكن هناك رحلات جوية من الخطوط الجوية اليمنية إلى القاهرة وعمان وجدة والخرطوم ومومباي.
وفي مايو 2020، أثناء تفشي فيروس كورونا في اليمن، قام هذا البلد بتشغيل رحلات إلى مصر والأردن والهند، وحصلت شركة الطيران على تعويض بقيمة 1.15 مليون دولار.
واجه اليمنيون العديد من المشاكل في الطرق الجوية خلال الحرب. وقال الكابتن أحمد مسعود العلواني، رئيس الخطوط الجوية اليمنية، قبل ثلاث سنوات عن مشاكل هذه الشركة في زمن الحرب: “تجعل الحرب أحيانًا من المستحيل على شركات الطيران المحلية الطيران عبر هذا البلد”.
وأضاف العلواني: “حالياً، لدى الخطوط الجوية اليمنية خمس طائرات في مخزونها، لكن اثنتين من طائرات إيرباص A310 من الجيل القديم الذي يصعب صيانته بسبب قطع الغيار وما إلى ذلك، لذلك تم إيقافهما. إحداهما متوقفة في عدن، والأخرى في القاهرة، وعلينا إزالتهما هذا العام. وجميع الطائرات الثلاث تعمل بطائرات A320”.
وتابع قائلاً: “يشار إلى أنه بسبب الهجمات الوحشية في السنوات الأربع الماضية، لم يتضرر أي من أسطول الشركة جراء العملية العسكرية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الشركة نقلت قواعدها الرئيسية إلى القاهرة وعمان، بدلاً من الاحتفاظ بالطائرات في اليمن”.
وصرح المسؤول اليمني أيضًا: “لم تكن أي شركة طيران أخرى على استعداد لقبول مخاطر السفر إلى اليمن أثناء الحرب. وهذا يعني أن موظفي شركة النقل قد شعروا بثقل المسؤولية في الحفاظ على روابط مفتوحة مع العالم الخارجي.”
وقال العلواني: إن “استمرار الصراع يجعل من الصعب على شركة الطيران تجديد أسطولها. لدينا اتفاق مع شركة إيرباص، لكن مع هذه الحرب لا يمكننا أن نلزم أنفسنا بمواصلته. لا يمكننا تمويل طائرات جديدة. وبدلاً من ذلك، تبحث الخطوط الجوية اليمنية عن سوق للطائرات المستعملة، وتخطط لشراء طائرة أخرى من طراز إيرباص A320. وسيكون الحفاظ على الأسطول الحالي أكثر صعوبةً إذا لم يكن لدى الشركة عقد قطع غيار مع شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا.”
جهود أنصار الله من ستوكهولم إلى عمان
إن إعادة فتح مطار صنعاء الآن لنقل المرضى خارج اليمن، هي نتيجة للجهود المتكررة لقادة أنصار الله، الذين بذلوا قصارى جهدهم في السنوات الأخيرة لحل هذه المشكلة.
لطالما كانت قضية إعادة فتح مطار صنعاء، من مطالب اليمنيين في محادثات السلام مع السعوديين. بعد سلسلة اجتماعات بين نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان وأنصار الله في عمان، تم الاتفاق على تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين من بداية شهر رمضان المبارك، وكانت إعادة فتح مطار صنعاء ورسو السفن بميناء الحديدة من بنود هذه الاتفاقية. وعلى الرغم من الاتفاقات التي تم التوصل إليها، كان السعوديون مترددين في استئناف عمليات المطار، وهي خطوة اعترضت عليها حتى الأمم المتحدة.
كان استئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء مطلبًا رئيسيًا لحكومة صنعاء منذ بداية الحرب، وكان هذا الأمر أحد الموضوعات الرئيسية في محادثات ستوكهولم في السويد في ديسمبر 2018.
خلال مفاوضات السويد للحصول على تصريح لإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، وضعت الحکومة اليمنية المستقيلة شرطاً مسبقاً تمثَّل في تفتيش جميع الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء، وقوبل هذا الشرط بمعارضة صريحة وحاسمة من أنصار الله.
وفي حديثه عن بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه على طاولة المفاوضات بشأن مطار صنعاء، قال محمد عبد السلام الذي ترأس الوفد الوطني اليمني في محادثات السويد: “اقترحنا أن تتجه الطائرات المدنية إلى الأردن ومصر قبل مغادرتها إلى مطار صنعاء”.
وفي إشارة إلى أن طلب نقل مطار صنعاء إلى عدن ظالم ولا يحل أي مشكلة، قال “أردنا أن تراقب الأمم المتحدة الواردات لكن الطرف الآخر عارض ذلك”.
وبعد ذلك، فعل مبعوث الأمم المتحدة السابق مارتن غريفيث كل ما في وسعه لحل المشكلة، ولكنه لم ينجح. بعد محادثات السلام، ورداً على عدم وفاء السعوديين بالتزاماتهم، قال غريفيث إن استمرار إغلاق مطار صنعاء والقيود على واردات الوقود عبر ميناء الحديدة غير مقبول، ويجب إيجاد حل لهذه المشكلة.
إغلاق مطار صنعاء أمام المرضى الذين يسعون للعلاج خارج اليمن، أدى إلى سفر الكثيرين إلى عدن براً، وأحيانًا سيرًا على الأقدام، للسفر خارج اليمن في السنوات الأخيرة. کان هذا الطريق يستغرق أحيانًا 24 ساعة، وقد فقد بعض الأشخاص حياتهم في هذا الطريق.
وحسب اللجنة الطبية اليمنية العليا، فإن 30 ألف مريض، وجميعهم في حالة حرجة، بحاجة ماسة إلى العلاج، وهم على قائمة الانتظار للحصول على فرصة للحياة.
وحذَّر قادة أنصار الله مرارًا من أن استمرار إغلاق مطار صنعاء ورفض السماح للرحلات الجوية المتفق عليها حسب وقف إطلاق النار الإنساني ومنع السفن من التحرك، يشير إلى تناقض واضح وعدم جدية التحالف السعودي في إحلال السلام، ويظهر إلى أي مدى يمثل استمرار الرحلات الجوية من صنعاء أولويةً لأنصار الله.
وکانت هجمات حرکة أنصار الله والجيش اليمني بالصواريخ والطائرات المسيرة على المطارات السعودية في السنوات الأخيرة، رداً على قيام السعودية بعرقلة إعادة فتح مطار صنعاء، لأنهم کانوا يعتقدون أن مطاري جدة والرياض لا ينبغي أن يكونا نشطين إذا لم تكن هناك رحلة جوية من صنعاء.
حتى أن بعض المسؤولين العسكريين اليمنيين رأوا أن الضربات الصاروخية على مطاري الرياض وأبو ظبي، هي الطريقة الوحيدة لإجبار السعودية والإمارات على إعادة فتح مطار صنعاء، ودعوا إلى متابعة هذه القضية.
وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشاط، الشهر الماضي خلال اجتماع مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانز جروندبرج، الذي سافر إلى صنعاء، إن أنصار الله تؤکد على ضرورة أن يعمل المبعوث الخاص للأمم المتحدة وفريقه في الاتجاه الصحيح، لضمان نجاح الجهود المتفق عليها على أساس وقف إطلاق النار.
وشدد المشاط على أولوية إعادة فتح مطار صنعاء وموانئ الحديدة ورفع الحصار، مؤكداً أن على الدول المعتدية الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالبعد الإنساني لوقف إطلاق النار.
كما قال مطهر الدرويش، رئيس اللجنة الطبية اليمنية العليا، الشهر الماضي رداً على العرقلة السعودية لإعادة فتح مطار صنعاء، إن عدم تنفيذ الشق الإنساني من بنود وقف إطلاق النار من قبل الدول المعتدية، تسبب في إصابة المرضى بحالة نفسية سيئة للغاية.
وشدد على أن تراجع التحالف عن منح التراخيص التشغيلية للرحلات اليمنية من مطار صنعاء هو مواجهة مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وخاصةً أن تحالف العدوان يواصل تصعيد الأزمة الصحية في اليمن، من خلال الاستمرار في حجز سفن الديزل اللازمة لتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية.
عرقلة السعوديين لإعادة فتح مطار صنعاء
رغم أن موضوع مطار صنعاء قد نوقش عدة مرات خلال مباحثات اليمنيين مع الحكومة المستقيلة، إلا أنه من الناحية العملية لم يتم اتخاذ أي إجراء لاستئناف أنشطة المطار، ورفض السعوديون الوفاء بالتزاماتهم تحت ذرائع مختلفة.
خلال الحرب، لم تسمح السعودية حتى للطائرات التي تحمل مساعدات إنسانية بالتحليق، وراقبت جميع تحركات الطيران في اليمن. کما أنه قبل بضع سنوات، أجبرت السعودية طائرةً تابعةً للصليب الأحمر كانت متجهةً من صنعاء إلى جيبوتي على تغيير مسار رحلتها، ما أجبرها على الهبوط في مطار جازان في جنوب السعودية. وزعمت السعودية أنه يمكن إرسال مساعدات عسكرية إلى صنعاء على متن رحلات جوية إنسانية.
ثم وضع المسؤولون السعوديون، الذين کانوا يوجِّهون سياسات حكومة الرئيس اليمني الهارب عبد ربه منصور هادي، شروطاً أخرى. جادل السعوديون بأنه لا ينبغي أن تكون هناك رحلات جوية مباشرة بين صنعاء وطهران إذا أعيد فتح مطار صنعاء، وهو شرط يرى بعض المحللين أنه محاولة لمنع الانفراج في هذه الأزمة.
على مدى السنوات الثماني الماضية، ادعى المسؤولون السعوديون باستمرار أن إيران ترسل الأسلحة إلى جماعة أنصار الله لاستخدامها ضد التحالف العربي. حتى أن السعوديين بدؤوا الحرب ضد اليمن لمواجهة النفوذ الإيراني في هذا البلد حسب زعمهم، وقدموا أنصار الله كمجموعة مدعومة من طهران تنوي ضرب مصالح السعودية في اليمن. ويزعم السعوديون أنه في حال استئناف الرحلات الجوية بين طهران وصنعاء، يمكن لإيران بسهولة إرسال أسلحتها إلى اليمن.
ومن المثير للاهتمام أن هذه المزاعم، التي قدمت في بداية الحرب كذريعة لشن عدوان غير قانوني وفي محاولة لإضفاء الشرعية الدولية على العدوان، استمرت حتى بعد سنوات من إيقاف الرحلات الجوية في هذا المطار.
هذا في حين أنه على الرغم من الحصار الشديد بحراً وبراً وجواً، فقد زادت قدرة صنعاء العسكرية على مهاجمة العمق الاستراتيجي للسعودية أكثر بكثير من ذي قبل. وهي قضية ضربت إلى حد كبير مصداقية تهريب الأسلحة، وفرضت على المعتدين نجاح أنصار الله في توطين الأسلحة الدفاعية القوية في مجال الصواريخ والطائرات دون طيار.
وعلى الرغم من جهود أنصار الله المكثفة لإعادة فتح مطار صنعاء، ولکن لم تلتزم الحكومة المستقيلة باتفاقيات ستوكهولم، فبقيت الاتفاقيات حبراً على الورق فحسب. ولم تسمح السعودية بمثل هذا الإجراء، وأُغلق المطار، الذي قصفت مقاتلات التحالف السعودي معظمه، لمدة ست سنوات.
كان تشغيل مطار صنعاء حيويًا جدًا لأنصار الله، لدرجة أنه بعد محادثات السويد، ورداً على العراقيل التي وضعها السعوديون، وصف محمد عبد السلام إغلاق مطار صنعاء بأنه جريمة حرب غير مبررة، ويجب إعادة فتحه في أقرب وقت ممكن.
كان من الممكن أن تمنع إعادة فتح المطار زيادة عدد القتلى اليمنيين، لكن التخريب السعودي خلَّف آلاف القتلى في السنوات الست الماضية، بسبب نقص المساعدات الطبية والغذائية.
وهكذا، كان الإجراء السعودي في إغلاق مطار صنعاء إبادةً جماعيةً، كانت كوارثها أكبر من الجرائم التي ارتكبتها السعودية في قصف المناطق المدنية. وحسب مسؤولي وزارة الصحة اليمنية، يموت ما بين 20 إلى 30 مريضًا يمنيًا بشکل يومي بسبب إغلاق مطار صنعاء.
لطالما ربط السعوديون إعادة فتح المطار بقضايا أخرى، من أجل الحصول على تنازلات من أنصار الله في ساحات القتال. وفي هذا الصدد، أُعلن في بيان صدر في يونيو 2021 بعد اجتماع أمريكي سعودي أوروبي مشترك بشأن اليمن، أن التحالف السعودي مستعد لرفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة بشکل غير مشروط، ولكن في المقابل يجب وقف عملية مأرب أيضًا.
لقد وصلت حرکة أنصار الله إلى أبواب مأرب العام الماضي خلال عملية كبيرة هزمت المرتزقة السعوديين، وباتوا على بعد خطوة واحدة من النصر، لكن مع انتشار آلاف القوات السعودية والإماراتية في المدينة، ولمنع سقوط المزيد من الضحايا، توقفت العملية.
في خضم أزمة الوقود في اليمن في سبتمبر 2020، أعلن وزير النقل في حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية، أن مطار صنعاء سيعلن عدم قدرته على تقديم خدمات الملاحة الجوية لاستقبال طائرات الأمم المتحدة والطائرات الإنسانية، بسبب نقص الوقود.
لكن اتضح أن استمرار تشغيل مطار صنعاء كان مرتبطًا أيضًا بإعادة فتح ميناء الحديدة، وأن السعوديين لم يسمحوا لليمن بالتزود بالوقود عبر حصار بحري.
في نوفمبر 2020، التقى وفد أنصار الله بمبعوثي الولايات المتحدة والأمم المتحدة في عمان، وطالب بإعادة الافتتاح غير المشروط لمطار صنعاء وميناء الحديدة. إن إصرار قادة أنصار الله على إعادة فتح مطار صنعاء لإرسال المساعدات الإنسانية في السنوات الأخيرة، يظهر أن الهجمات السعودية تسببت في أكبر كارثة إنسانية في اليمن، وإعادة فتح هذا المطار هو أقل ما يجب على التحالف المعتدي فعله.
قاومت السعودية حتى الآن ضغوط الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، لكنها امتثلت أخيرًا لمطالب أنصار الله. لأن السعوديين وافقوا على اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، بعد قصف اليمنيين للمنشآت النفطية السعودية في جدة.
بالنظر إلی إصرار قادة أنصار الله علی إعادة فتح المطار، يشعر المسؤولون في الرياض بالقلق من أنهم إذا قاوموا مطالب أنصار الله، فقد تنسحب الحركة من اتفاق وقف إطلاق النار، وتستأنف ضرب الأراضي السعودية بالصواريخ والطائرات بدون طيار.
کما أنه بعد إعادة فتح مطار صنعاء، حذَّر مسؤولو حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية السعوديين من أن أي تعطيل للرحلات الجوية إلى صنعاء سيعني العودة إلى الحرب، مما يدل على أن هذا الأمر مهم للغاية لأنصار الله.
خروج المرضى من اليمن وإرسال مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى حل بعض مشاكل الغذاء والدواء لليمنيين، سيجعل أنصار الله من ناحية أخرى أكثر حريةً لدفع خططهم ضد التحالف السعودي.
لقد حذَّر مسؤولو أنصار الله مرارًا من أن إعادة فتح مطار صنعاء ووصول السفن إلى ميناء الحديدة، هو حق للشعب اليمني ولا يمكن التفاوض عليه. كانت هذه المسألة في غاية الأهمية، لدرجة أن اليمنيين ربطوا إعادة فتح المطار بجدية السعودية في التوصل إلى اتفاق سلام، ووصفوا عرقلة الرياض واستمرار حظر الطيران بانتهاك كامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين أنصار الله والسعودية، كان استئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء هو القضية الرئيسية، وحتى الأمم المتحدة أصرت على حل هذه القضية أيضًا.
وأعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مؤخرًا عن قلقه بشأن هذه القضية، قائلاً إنه يحثّ الجانبين على العمل بشكل بناء لإيجاد حل، بحيث يمكن استئناف الرحلات الجوية كما هو مخطط له.
الطائرات الحربية السعودية قصفت مراراً مطار صنعاء خلال سنوات الحرب الثماني، بدعوى استخدامه لأغراض عسكرية، وهو ما نفاه اليمنيون. وحتى العام الماضي وبعد قصف مطار صنعاء، طلبت إدارة المطار من وسائل الإعلام تصوير المطار للتأكد من خلوه من أي مظهر عسكري.
لقد نفذت السعودية غارات جوية متكررة على مطار صنعاء لإغلاقه ومنع بدء الرحلات الجوية، بهدف إقناع المجتمع الدولي بأن المطار غير جاهز لاستقبال الرحلات الإنسانية لنقل المواد الصحية والغذائية، حتی تخرج من خلال ذلك من أعباء الضغوط الخارجية.
إدعاءات كاذبة ضد إيران
السعودية التي ربطت كل إجراءاتها المدمرة في اليمن بإيران، جددت مزاعمها في حادث مطار صنعاء أيضًا، وألقت باللوم على إيران في هذه الأزمة.
وفي هذا الصدد، زعمت مصادر تابعة للرياض في اليمن أنه باستئناف الرحلات الجوية من صنعاء، قد تنقل أنصار الله مستشارين عسكريين لحزب الله والحرس الثوري الإيراني إلى اليمن تحت غطاء الشعب اليمني، بدلاً من المسافرين اليمنيين العاديين.
المزاعم السعودية الواهمة ضد إيران تکررت في الماضي أيضًا، حيث إنه في مايو 2015، عندما كانت طائرة ركاب إيرانية تحمل مواد غذائية ومساعدات طبية للشعب اليمني على وشك الهبوط في مطار صنعاء، قصفت الطائرات السعودية المقاتلة المدرج بدعوى وجود مستشارين عسكريين إيرانيين على متنها، وهو ادعاء رفضته إيران بشدة.
وتأتي مزاعم السعوديين ضد إيران في الوقت الذي دافع فيه المسؤولون الإيرانيون عن وقف الأعمال العدائية في اليمن، وأعلنوا استعدادهم لتحقيق السلام في هذا البلد.
لطالما قالت إيران إنه لا يوجد حل عسكري للأزمة اليمنية ويجب حلها بالطرق الدبلوماسية، وترکيز الوفد الإيراني على قضية اليمن في ست جولات من المحادثات مع السعوديين في العراق، يظهر أن طهران تريد السلام في هذا البلد وليس خلق الأزمة والانقسام.
إذا استعرضنا التطورات الميدانية والسياسية في سنوات حرب اليمن الثماني، فسنصل إلى نتيجة مفادها بأن السعودية خسرت في جميع المجالات وتراجعت عن سياساتها خطوةً بخطوة، وهذه الانتصارات تحققت فقط في ظل المقاومة الشعبية اليمنية وأنصار الله، الذين فرضوا تكاليف باهظة على المعتدين.
ولن تكون إعادة فتح مطار صنعاء بعد ست سنوات من الإغلاق آخر هذه الانتصارات، ومع مرور الوقت، سيعطي السعوديون المزيد من التنازلات لليمنيين، ومغادرة اليمن ستكون نهاية التنازلات.
المصدر:الوقت التحليلي