السفير العراقي جواد الهنداوي يتساءل ويُجيب :لماذا تخشى اسرائيل اليمن البعيد بقدر ما تخشى حزب الله القريب
حانتْ فرصة اليمن للثأر من امريكا واسرائيل، واللتان ساهمتا، وبشكل كبير، في حربٍ استهدفت ولسنوات شعب اليمن وممتلكاته وثرواته ومؤسساته العسكرية والمدنية. نُصّرة غزّة هي ايضاً فرصة اليمن للبرهان على التزامه العقائدي الثوري ،والذي يتجلى في شعارهِ “الموت لامريكا والموت لاسرائيل…”، والتزامه العقائدي الديني في نصرة المسلم المظلوم والمُغتصبْ وطنه، ومقارعة الظالم، الكيان المحتل، اسرائيل، وكذلك التزامه السياسي تجاه محور المقاومة . لم يكْ دخول اليمن على مسار الحرب الدائرة في غزة وشمال فلسطين الاّ بالتنسيق مع اطراف محور المقاومة. اليمن هو الطرف الثالث، الذي يشاركُ، عن بُعد، في الحرب.
مُشاركة اليمن في نصّرة غزّة ، وفي دعم القضية الفلسطينية، هي عن بُعدْ جغرافياً ولكنها مشاركة مؤثّرة عسكرياً و اقتصادياً وسياسياً، وتشكّلُ عامل ضغط كبير على امريكا اولاً واسرائيل ثانياً وحلفائهما ثالثاً.
اكتفي بالاشارة فقط ،دون الاسهاب، عن مُسّيرات و صواريخ اليمن نحو ميناء إيلات و مواقع العدو في فلسطين المُحتلة، و لعلَ وقعها (واقصد المُسيّرات و الصواريخ ) السياسي والمعنوي اكبر من وقعها العسكري، بسبب حملة اعتراضها بحرا وبراً ومن قُبب حديدية نُصِبتْ حول اسرائيل لحمايتها !
أكتفي بالاشارة ايضاً، دون تفاصيل، عن قُدرات اليمن البحرية، والتي تجسّدت في احتجاز سفينة في البحر الاحمر، تعود مُلكيتها كلياً او جزئياً الى اسرائيلي، وما أثرُ هذا الامر على امتدادات اسرائيل عبر البحر الاحمر ومضيق باب المندب، وعلى امتدادات الطاقة على صعيد التجارة الدولية.
أُركّزُ على البُعد الاستراتيجي لدور اليمن العسكري والسياسي في المنطقة، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، او بالاحرى على طريق تحرير فلسطين، او طريق القدس، وعلى صعيد اهداف محور المقاومة، وجّلُ هذه الاهداف هو مكافحة الصهيونية و الامبريالية وعملائهما، ومكافحة الوجود الامريكي في غرب آسيا. وهذا البُعد، وهذا الدور لليمن ،هو ما تخشاه أمريكا و ما تنتظره اسرائيل. لماذا ؟
ـ أولاً: اليمن شعبٌ تمّرس على القتال و تسّلحَ بالعقيدة و الايمان في الجهاد والنضال ضّدّ الظلم و الطغيان و الاستبداد ، وعدوه الاول هو الصهيونية المُتمثلة في امريكا و اسرائيل و الرجعيّة ، وله تاريخ طويل في دحر المحتلين والمُعتدين. اليمن شعبٌ تمتّرس في ثنايا تضاريس جغرافية تشكّلُ مقوم اساسي للانتصار ودحر العدو، و الامس يشهدُ لشعب اليمن صموده و انتصاره ضّدَ تحالف دولي قوامه امريكا و اسرائيل ، وما صنعوه من فتن بين دول المنطقة.
ـ ثانباً: اليمن كُلهُ مقاوم شعباً و دولة ، وليس فقط جزء من الشعب ، او ثُلثُ الدولة ، بخلاف حال المقاومة في لبنان ، والتي تواجه تحدّيات جّمة من داخل لبنان ، و عربياً و دولياً . ساعد او ذراع المقاومة الاسلامية في لبنان قويٌ ولكن يد المقاومة محدودة بجغرافية الجنوب .
ـ ثالثاً: ليس امام اليمن، في محاربته لامريكا ولاسرائيل، حسابات داخلية او خارجية، غير تلك التي تعينه على مقارعة امريكا و اسرائيل . ليس كذلك حال حزب الله في لبنان ،حيث امامه جدول حسابات لبنانياً وعربياً ودولياً ،حتى مصالح الجالية اللبنانية المنتشرة في كل العالم هي في جدول حسابات حزب الله في مواقفه السياسية والجهاديّة.
ـ رابعاً: سيشكّل اليمن مركز عربي كبير ومقتدر في المنطقة، لدعم المقاومة ضّدَ اسرائيل والوجود الامريكي، دعماً سياسياً وعسكرياً وجماهيرياً.
يشكلُ اليمن اليوم طوقاً مقاوماً برياً وبحرياً ضّدَ الصهيونية وحلفائها، وهذا هو ما تخشاه امريكا ومناصريها، لاسيما في غياب خطط من قبلهم (اي من قبل امريكا ومناصريها) في احتواء اليمن او التأثير عليها او الاستمرار فى محاربتها او اختراق جبهتها.
ـ خامساً: دخول اليمن شعباً و حكومةً في نُصّرة فلسطين وترسيخ دوره في محور المقاومة سيعزّز مكانة اليمن دولياً وإقليماً، لن يتلقى اليمن دعم مالي او اقتصادي من امريكا ومن الغرب، ولن ينتظرْ اليمن ذلك، ولكن ستحسب له امريكا حساب في مواقفها تجاه المنطقة وتجاه اسرائيل، وسيكون لاصدقاء ولاعداء امريكا في المنطقة حساباتهم و تصوراتهم تجاه اليمن.
اليمن، في اقدامها على احتجاز سفينة اسرائيلية في عرض البحر ومتجه الى اسرائيل، قدّمت مثالاً للدول العربية والاسلامية، لمشاركتها في الحرب. قد تبادر دول أُخرى، مُطّلة على البحار والممرات المائية المُوصلة لفلسطين المحُتلة منع وصول الاسلحة والعتاد عن طريق البحر الى اسرائيل، مُبّررة موقفها بعدم السماح لاسرائيل بارتكاب جرائم ابادة و جرائم حرب.