السعودية تُطأطئ رأسها أمام اليمنيين.. هل الحرب في نهايتها؟
الحقيقة/د. حسن مرهج
كثيرة هي المؤشرات التي تصبّ بمُجملها في بوتقة الانتصار اليمني، خاصة أنّ مروحة الانتصارات اليمنية في اتساع مضطرد. هذه الانتصارات ستُلقي بظلالها على كافة المسارات السياسية والعسكرية، في ما يتعلق بتفاصيل الحرب على اليمن، ومنظومة العدوان السعودي.
التحوّلات المفصلية في سياق الحرب على اليمن، فرضت نمطاً من التعاطي السياسي ومثله العسكري في تهيئة المناخات الإيجابية، والتي ستؤدّي حُكماً للتوصل إلى حلّ سياسي في اليمن، ولكن على قاعدة حفظ ماء وجه كلّ الأطراف الفاعلة في الحرب على اليمن.
باكورة الإنجازات الاستراتيجية تمثلت في الهجمات على أرامكو، حيث بات واضحاً أنه ما قبل الهجمات على «أرامكو» ليس كما بعدها. هذا الاستهداف قد حرك مياه المفاوضات السياسية الراكدة لإيجاد حلّ للأزمة اليمنية، وقد تعيد إدارة عجلة المفاوضات لإنهاء الحرب بما يحفظ للسعودية هيبتها التي استنزفت بعد الضربات العسكرية الموجعة التي تلقتها مؤخراً، ويحقق لحركة «أنصار الله»، في الوقت ذاته، ما تريده في السياسة.
السعودية أدركت أنّ التصعيد الكبير من قبل أنصار الله يأتي في إطار التجاهل السعودي لدعوات الحوار والتفاوض، بُغية إيجاد مخارج مُشرّفة للجميع، وبما يحقن دماء أبناء اليمن. فالسعودية وطوال سنوات الحرب على اليمن، قد تجاهلت تماماً أيّ دعوات للحوار، إلى أن جاءت التحوّلات الاستراتيجية التي صنعها «أنصار الله»، وأجبرت السعودية على الرضوخ، خشية تفاقم الأوضاع والوصول إلى العمق السعودي، وسط عجز تامّ عن التصدّي لهجمات أنصار الله وطائراتهم المُسيّرة.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قال في وقت سابق إنه سيستمرّ بالخيار العسكري حتى تنفيذ ما أسماه أهداف التحالف في اليمن، أما اليوم فبات يُطالب بإيجاد حلّ يُحقق السلام في اليمن. بين الخيارين يبدو أنّ ابن سلمان في مأزق حقيقي، وبصرف النظر عن رغباته بالبحث عن مخارج سياسية تُحقق السلام، فمن الواضح أنّ بنية التحالف السعودي قد أصابها الشرخ السياسي والعسكري، جراء ما أفرزته معادلة الردع التي حققها «أنصار الله»، فهذه الإمارات بدأت بتغيير مواقفها وإظهار نواياها بسحب قواتها من اليمن، وما تبع ذلك من مؤشرات حول عدم رضى السعوديين على فتح أيّ حوار مع إيران، إلا بالتنسيق معهم.
كلّ هذه المعُطيات، دفعت ابن سلمان إلى إحداث تغييرات جذرية في خطابه تجاه اليمن، ومن هنا باتت المؤشرات كثيرة على رغبته في إنهاء الحرب، خاصة بعدما تردّد أنّ بعض أفراد العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال في السعودية عبّروا عن إحباطهم منه، في أعقاب أكبر هجوم على «أرامكو».
في هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز»، عن دبلوماسي أجنبي رفيع المستوى وخمسة مصادر تربطها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال، قولهم إنّ ما جرى أثار قلقاً وسط عدد من الفروع البارزة لعائلة آل سعود، بشأن قدرة ولي العهد على الدفاع عن البلاد.
وقال أحد المصادر «ثمة حالة استياء شديد من قيادة ولي العهد. كيف لم يتمكّنوا من رصد الهجوم؟»
وبالتالي فقد تسارعت المشاورات بين أطراف النزاع في اليمن، ولعلّ الدعوة التي حملها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، إلى زعيم «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي، والتي تتضمّن دعوة إلى التهدئة مع السعودية، تُعدّ ترجمة واضحة لرغبات ابن سلمان بإيقاف الحرب والبحث عن حلول سياسية توافقية. «أنصار الله» قابلوا هذه الدعوة بإيجابية، شريطة أن تلتزم الرياض بما أبدته لجهة إيقاف الحرب. وبالإضافة إلى ذلك جاء الحراك الدولي الداعم لمبادرة صنعاء ليتزامن مع تغيير في اللهجة السعودية، ما يوحى بأنّ هناك جدية أكبر هذه المرة في التعامل مع الملف من كلّ الأطراف المعنية.
في المحصّلة، الواضح مما سبق انّ واشنطن ترغب أيضاً بإنهاء الحرب في اليمن، وفصل الملف اليمني عن الموضوع الإيراني. هذه الرؤية ربما دفعت واشنطن للضغط على ابن سلمان بُغية التفرّغ الكامل لإيران في المنطقة، وفي جانب آخر، يتمّ تبريد الملف اليمني وبالتالي يتمّ استثماره سياسياً من قبل ترامب في الانتخابات المقبلة.
وعليه، فإنّ حاجة واشنطن والرياض معاً، لتهدئة الملف اليمني وإيجاد مخارج من المستنقع اليمني، يُعدّ ورقة رابحة لواشنطن والرياض، لكن الحقيقة الواضحة، أنّ «أنصار الله» قد فرضوا معادلات سياسية وعسكرية لا يمكن كسرها، فالرياض أُرهقت عسكرياً وبشرياً، خاصة انّ عملية «نصر من الله» أحدثت فارقاً استراتيجياً في الكثير من المسارات، وأماطت اللثام عن تهاوي قدرة الجيش السعودي وتحالفه العربي. وكذلك ترامب الباحث عن أيّ ورقة سياسية رابحة في ظلّ فقدانه الأوراق تباعاً في الملف السوري. من هنا ستكون الأيام المقبلة مليئة بالتطورات السياسية والتي لن تخلوَ من عبث عسكري سعودي محدود، بُغية البقاء في مشهد الحلول اليمنية الآتية…