“السعودية” تغرق في اليمن.. ولا من طوق نجاة
حسن الطاهر
لم يعد فشل العدوان السعودي على اليمن نبأٌ جديد، فهذا أمر واقع ليس بوسع الرياض تجاوزه، بل أصبح تركيز “السعودية” اليوم ينصبُّ على كيفية خروجها من اليمن بعد سنوات من الإستنزاف غير المجدي. حقاً إنه مأزق، يحاصر الرياض سياسياً وعسكرياً، ويضرب هيبتها دولياً، فهي التي حشدت ترسانتها العسكرية والإعلامية بدعم مباشر من واشنطن ومختلف الدول العربية والغربية للقضاء على “مجموعة متمردة” في بلدٍ فقير، ثم فشلت. ليس ذلك فقط، بل إنها ومع دخول العام السابع للعدوان غير قادرة على حماية أمنها الداخلي، وتجنّب الضربات اليمنية، لينتهي بها المطاف وهي تستجدي فرصاً وانتصارات وهميّة للخروج من الحرب بأقلِ ثمنٍ ممكن. قبل ست أعوامٍ، في 26 مارس 2015، أطلقت “السعودية” تحالفاً عسكرياً يضم تسع دولٍ عربية تحت عنوان “التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن”. التحالف أطلق عملية جوية واسعة استهدفت العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة. الأهداف المعلنة لعملية ما يسمى بـ”عاصفة الحزم”، تمثّلت في “استعادة الشرعية لرئيس عبد ربه منصور هادي، وانسحاب مقاتلي الحوثيين من الشوارع ونزع سلاح حركة أنصار الله”. على المستوى الإستراتيجي، تذرّعت الرياض بـ”حماية الأمن القومي العربي من المد الفارسي”. أما عن الأهداف الإقتصادية غير المعلنة للتحالف السعودي، فكانت السعي إلى تكريس الهيمنة الإستعمارية في المنطقة ومنع وحدة الأمة العربية واستفادتها من ثرواتها لتحقيق التقدم والإزدهار، وذلك عبر هيمنة التحالف على مضيق باب المندب ممر إمدادات النفط والسفن التجارية العالمية من الخليج إلى العالم. وقد استعان التحالف السعودي في عدوانه على اليمن بمشروعية زائفة منحته إياها جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، ومجلس الأمن. فقد أقرت الجامعة، “شرعية عملية عاصفة الحزم”، في حين أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2216 تحت الفصل السابع الذي دعم عمليات التحالف السعودي “لاستعادة الشرعية”. استنفدت “السعودية” جميع الطرق والأساليب التي تخولها لتحقيق أهدافها، بدون طائل، رغم أنها حشدت ترسانتها العسكرية براً وجواً وبحراً، وفرضت حصاراً على مختلف منافذ البلاد، وشنّت عشرات آلاف الغارات الجوية التي استهدفت مئات آلاف المدنيين ودمّرت المنشآت الحيوية في البلاد. لكن ما حصل أنها لم تخفق في تحقيق الهدف الرئيس للعدوان وهو إعادة ما يسمى بـ”الشرعية” إلى صنعاء فحسب، بل انتقلت الحرب إلى الداخل السعودي، وأصبحت المرافق الحيوية من منشآت نفطية وعسكرية وأمنية تحت مرمى الصواريخ اليمنية، في المقابل بدت الرياض عاجزة عن منع القوات اليمنية من استهداف منشآتها الحيوية، وعن صد تقدّمها الجغرافي على الأرض. والأهم من ذلك، أن القوات اليمنية اختتمت العام السادس من العدوان باستهداف ميناء “رأس تنورة” ضمن عملية “توازن الردع السادسة”، وهو أكبر ميناء نفطي في العالم، تصدّر من خلاله “السعودية” ما يزيد عن 80 بالمئة من صادراتها النفطية. عام الحرب السادس شمل أيضاً خسارة الرياض لآخر معاقلها شمال اليمن، مع اقتراب الجيش اليمني واللجان الشعبية من حسم معركة محافظة مأرب لصالحهما، مع الإشارة إلى الأهمية الإستراتيجية والأمنية والإقتصادية لمحافظة مأرب، وأن القوات اليمنية تمضي قدماً في عملية تحريرها لمختلف المحافظات اليمنية، محددةً وجهات جديدة كـ شبوة وحضرموت. ونتيجةً لهزائم التحالف، أخذت الدول المشاركة بالإنسحاب، حتى بات تحالفاً سعودياً – إماراتياً فقط، بعدما كان يضم 9 دول عند تأسيسه، وهي: “السعودية” والإمارات والكويت والبحرين وقطر ومصر والأردن والسودان والمغرب. بيد أنه مع استمرار القتال في اليمن دون التوصّل إلى حل للصراع الذي أدخل البلاد في أزمة إنسانية غير مسبوقة، وجدت الدول المشاركة من الأجدى لها الإنسحاب. آخر المنسحبين من التحالف كان المغرب، بإعلانه عام 2019 إيقاف مشاركته في العمليات العسكرية مع التحالف في اليمن. وفي 2018، أبلغ السودان “السعودية” رسمياً أنها لا تنوي تجديد قواتها العسكرية التي تشارك في التحالف، بعدما كان يشارك بنحو 6 آلاف جندي. وكانت قطر، قد انسحبت عام 2017 عقب الأزمة الخليجية، إذ أعلنت الدوحة عن انسحاب قواتها التي قُدّرت بألف جندي، مسنودين بعشرات الطائرات العسكرية. في حين اقتصر دور بعض الدول المشاركة، كمصر والبحرين والكويت والأردن، على تسجيل موقف سياسي لا أكثر دون أي مشاركة فعالة، وهو ما يترجمه اقتصار القصف اليمني على “السعودية” والإمارات. أما داخلياً، فقد تضعضع التحالف أيضاً بعد معارك دامية بين سلطة هادي وحزب الإصلاح من جهة و”المجلس الإنتقالي” المدعوم إماراتياً من جهةٍ أخرى. ذلك أن الصراعات بين المكونات اليمنية التابعة للتحالف لا تزال محتمدة رغم تشكيل حكومة جديدة موالية للتحالف في كانون الأول/ ديسمبر تضم “المجلس الإنتقالي” ضمن ائتلاف جديد انبثق عن “اتفاق الرياض”، والتي كان آخرها اقتحام متظاهرين موالين للمجلس الإنتقالي قصر “المعاشيق” الرئاسي في عدن. تعامت “السعودية” عن العدو الحقيقي للأمة العربية وهو العدو الصهيوني الذي يستبيح أراضي العرب وثرواتهم ومقدساتهم، منذ عقود، وكذلك الإرهاب التكفيري المدعوم أمريكياً وصهيونياً لتفكيك أواصر العالم الإسلامي وإغراقه في وحول الصراعات والتخلّف والطائفية، كما تجاهلت الإستعمار الأمريكي الذي ينتهك سيادتها وسيادة جميع الدول العربية بقواعده العسكرية ومؤسساته الأمنية، تجاهلت كل ذلك وتوجّهت نحو اليمن لتفرض عليه عدواناً دموياً تحت يافطة الحفاظ على “الأمن القومي العربي”، فقط لأن شعبه قرّر أن يخالف أسيادها في واشنطن وتل أبيب.