السعودية تتاجر بالملفات الإنسانية وتحوّل المغتربين إلى أسرى حرب
عملية تجميلية جديدة، تجريها السعودية لإخفاء جزء من تشوهات وجهها أمام العالم، وكالعادة تفشل العملية، لتضيف المزيد من القبح على ذلك الوجه الذي أزرت به دماءُ أطفال اليمن، وتدمير بلادهم وحصارهم في لقمة عيشهم ودوائهم وضروريات بقائهم على قيد الحياة، هذه المرة تمثلت العملية في مبادرة أطلقتها السعودية، وأضفت عليها طابعاً إنسانياً، حيث أعلنت أنها ستفرج عن 108 أسرى من قوات صنعاء، وبينما تعرقل وتقوّض الهدنة الإنسانية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، كانت مبادرتها المزعومة بشأن الأسرى هي الأسرع في سجلها الحافل بالتضليل وتزييف الحقائق، إذ وصلت طائرة سعودية إلى مطار عدن الدولي، وعلى متنها أربعون شخصاً قالت إنهم أسرى من قوات صنعاء.
ورغم أن الشروع في تنفيذ المبادرة المزعومة كان سريعاً، إلا أن الفضيحة التي حاولت السعودية تغطيتها بذلك العنوان الإنساني العريض كانت الأسرع في انكشافها، فطرح المبادرة وإجراءات نقل الأسرى المزعومين تمت خارج سياق نص الحوار القائم بين الرياض وصنعاء والتفاهمات في ما يخص الأسرى، والذي يتم بإشراف جهات دولية، حيث رفضت سلطات صنعاء ذلك الكرم السعودي المفاجئ، وأثبتت أن الأسرى الواصلين إلى عدن والدفعات التي ستلحق بهم، أسماء مجهولة لا صلة لهم بها ولم يكونوا ضمن قواتها، ليتضح فيما بعد أن غالبيتهم من المتسللين عبر الحدود بحثاً عن عمل، ومن المخالفين لقوانين الإقامة.
وحين انكشف أن من بين المرحّلين الذين نقلتهم السعودية على أساس أنهم أسرى، أشخاصاً من جنسيات عربية وإفريقية، أصبحت الصورة أكثر وضوحاً، فالهدف من وراء كل هذه الضجة هو ادعاء أن صنعاء تستعين بمقاتلين أجانب في صفوف قواتها، وهو ما لم تتأخر السعودية في ادعائه عبر وسائل إعلامها، لكن صنعاء نفت ذلك بشدة وثقة كبيرة على لسان رئيس لجنة شئون الأسرى التابعة لها، عبدالقادر المرتضى، الذي تحدى السعودية علناً أن تثبت وجود مقاتل أجنبي واحد في صفوف قوات صنعاء، الأمر الذي وضع السعودية في موقف محرج للغاية، خصوصاً لأنها جمعت مقاتلين من أنحاء العالم وبأعداد مهولة للقتال إلى جانب قواتها في اليمن، ومع ذلك لم تحقق انتصاراً واحداً على الأرض، ولا تحصد سوى الهزائم المتلاحقة، واشارت لجنة الأسرى التابعة لسلطات صنعاء إلى أن قضية الأسرى ملف إنساني بامتياز، متهمة السعودية باستغلاله للمزايدات والابتزاز السياسي، مؤكدةً أنها لن تسمح للنظام السعودي بتسييسه واستهداف العمالة اليمنية أو المعتقلين من جنسيات مختلفة وتقديمهم على أنهم أسرى حرب.
في سياق الفضيحة السعودية، ذكرت مصادر مطلعة أن الأجهزة الأمنية في مطار عدن الدولي استجوبت المرحّلين من الجانب السعودي على أنهم أسرى، وخلال الاستجواب أنكروا علاقتهم بالحوثيين أو القتال في صفوف قواتهم، وأكد غالبيتهم أنه تم القبض عليهم بسبب دخولهم إلى الأراضي السعودية بطريقة غير قانونية بحثاً عن فرص عمل، فيما ذكر آخرون أن سبب القبض عليهم وترحيلهم هو مخالفتهم للقوانين السعودية بشأن نظام وشروط الإقامة، ومن بين من تم استجوابهم في مطار عدن أشخاص كبار في السن لا قدرة لديهم على حمل السلاح أو القتال، حسب المصادر.
المستشار الإعلامي السابق في سفارة الشرعية بالرياض، الصحافي أنيس منصور، كشف على حسابه في تويتر أن السعودية اعتقلت مغتربين يمنيين إقامتهم منتهية وقدمتهم كأسرى حرب، وعلى الصعيد نفسه ذكر القيادي في المقاومة الجنوبية، عادل الحسني، في تغريدة على تويتر أن “الأسرى الذين قررت السعودية إطلاق سراحهم ليسوا حوثيين، بل عُمال يمنيون تم القبض عليهم بذرائع مختلفة”، موضحاً أن السعودية تريد صناعة انتصار كاذب، وترحيل عمالة يمنية بطرق وصفها بـ”الجبانة” والمخالفة لكل القيم والأعراف.
ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبروا رفض صنعاء مبادرة السعودية بشأن المرحّلين الذين قدمتهم كأسرى حرب، انتصاراً سياسياً جديداً، وتعرية مخزية للمتاجرة والابتزاز السياسي بالملفات الإنسانية، التي درجت عليها السعودية بتواطؤ من المجتمع الدولي والأمم المتحدة، مرجحين أن تكون المملكة قد نقلت ضمنهم عناصر من تنظيم القاعدة، وأدخلتهم إلى عدن بطريقة رسمية وبجوازات يمنية صادرة من الرياض، لتنفيذ عمليات إرهابية في المحافظات الجنوبية، تحت مزاعم أنهم أسرى يتبعون قوات صنعاء، مشيرين إلى أن ذلك يُعدُّ أكبر سقوط إنساني وأخلاقي للسعودية منذ بدأت الحرب على اليمن قبل سبعة أعوام.
YNP – إبراهيم القانص :