الرواية الكاملة لهندسة العلاقات السعودية-“الإسرائيلية” على يد بندر بن سلطان>>للكاتب المتخصص بالشؤون الأمنية في صحيفة “هآرتس” الصهيونية يوسي ميلمان
Share
روى الكاتب المتخصص بالشؤون الأمنية في صحيفة “هآرتس” الصهيونية يوسي ميلمان، قصة العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني، والتي كان بطلها رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق بندر بن سلطان، وكان محور التلاقي فيها: إيران، حزب الله، حماس، الأسلحة الصهيونية للسعودية.
ولفت ميلمان في مقالة له اليوم الأربعاء إلى أن هناك مسؤولين صهاينة يحاولون أن ينسبوا لأنفسهم زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية والكيان الصهيوني هذا الأسبوع، والتي سيحاول خلالها المضي قدمًا بخطوات تطبيع إضافية بين البلدين. لكن “الحقيقة المجردة” بحسب ميلمان هي “أن من يستحق أن يحصل على كامل رصيد التقارب بين الرياض وتل أبيب هو في الحقيقة سعودي وهو الأمير بندر بن سلطان”.
وأشار ميلمان إلى أن بندر الذي درس في الولايات المتحدة، بدأ إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني بشكل تدريجي، بعد تعيينه سفيرًا للسعودية في واشنطن.
وأوضح الكاتب الصهيوني: “في بداية الطريق كانت الاتصالات مع السعودية غير مباشرة وكانت تجري عبر زعماء منظمات يهودية في الولايات المتحدة الأميركية. حقيقة أن السفير السعودي اجتمع معهم لم تكن مسألة سهلة. المملكة الوهابية منعت دخول اليهود إلى أراضيها. لعدة أيام روى بندر لـ”الإسرائيليين” أن سبب التحول في العلاقات هو رغبته في فهم كيف تعمل وتؤثر المنظمات اليهودية على أذرع الإدارة. لقد أراد أن يؤسس في الولايات المتحدة شبكة نفوذ سعودية، بشكل مشابه لتلك الموجودة لدى اليهود و”إسرائيل”. وبالفعل، بفضل مهاراته وقدراته، أقام بندر علاقات شخصية وثيقة مع الرؤساء رونالد ريغان وبشكل خاص مع جورج بوش الأب وجورج بوش الابن. اللوبي الذي أقامه في واشنطن ساعده أيضًا على دفع معارضة “إيباك” و”إسرائيل” لعدة صفقات أسلحة سعودية مع الولايات المتحدة”.
ولفت الكاتب إلى أن بداية التدخل السعودي في محاولات إنهاء الصراع العربي – الصهيوني ترجع إلى عام 2002، حينها عُرضت ما تسمى “مبادرة السلام العربية”. لكن عمليًا، بدأت قبل ذلك بكثير. في عام 1981 بادر ولي العهد فهد (الذي أصبح ملكًا بعد عام من ذلك) إلى خطة “سلام” بين الكيان الصهيوني والدول العربية. الخطة، التي تبنتها جامعة الدول العربية بعد عام من ذلك، تتألف من ثماني نقاط، أهمها: انسحاب كامل من جميع الأراضي المحتلة عام 1967، والاعتراف بحق عودة الفلسطينيين أو دفع تعويضات لمن لا يريد العودة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وحرية العبادة لجميع الأديان في “الحرم القدسي”، وتفكيك جميع المستوطنات. إلا أن الخطة بحسب الكاتب الصهيوني، رُفضت من قبل رئيس الحكومة آنذاك مناحيم بيغن، ولكن كانت هناك عدة تعديلات، أهمها: اعتراف عربي فعلي بـ”إسرائيل” في حدود 4 حزيران 1967 وإلغاء “اللاءات الثلاث” لمؤتمر الخرطوم في آب 1967 – “لا اعتراف، لا مفاوضات ولا سلام”.
وأكد ميلمان أن “”خطة فهد” هي الأساس لتسريع العلاقات السعودية الصهيونية بمبادرة من الأمير بندر، الذي تم تعيينه بعد حوالى عامين سفيرًا في الولايات المتحدة، موضحًا أن اللقاء الأول لبندر مع مسؤول صهيوني كبير، هو رئيس “الموساد” شفتاي شافيت، حصل في النصف الأول من التسعينات، بعد حرب الخليج الأولى وانتخاب إسحاق رابين رئيسًا للحكومة الصهيونية، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، طوال 30 سنة، اجتمع رؤساء الموساد وأيضًا اثنان على الأقل من رؤساء الحكومة – إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو- مع مسؤولين سعوديين، حتى ولو ليس مع الملك نفسه، فيما حصلت اللقاءات بمعظمها في أوروبا، وكذلك في الأردن، مصر وفي السنوات الأخيرة أيضًا على الأراضي السعودية نفسها. وكالعادة، رافق رئيس الموساد في اجتماعات كهذه رئيس وحدة “تيفل”، قسم العلاقات الخارجية في الموساد، أو على الأقل رئيس البعثة في الدولة التي ينعقد فيها اللقاء، ويمكن الافتراض أن رئيس الموساد الحالي أيضاً، دافيد برنياع، اجتمع مع السعوديين”، وفق ميلمان.
ويتابع الكاتب في صحيفة “هآرتس”: “بعد شافيت، اجتمع مع الأمير بندر أيضًا إفرايم هليفي ومائير دغان. في ولاية الأخير، روّجت السعودية، حينها بقيادة ولي العهد (والملك لاحقًا) عبد الله، لمبادرة السلام العربية المذكورة آنفًا. المبادرة كررت “خطة فهد”، لكنها وسعتها أيضًا بحيث أيّدت للمرة الأولى تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”. هذه المبادرة أيضًا حظيت بقبول الجامعة العربية، ووفق ميلمان، فإنّ ثلاثة مواضيع دفعت آنذاك العلاقات السرية ولا تزال تشكل حتى اليوم حجر الزاوية في العلاقات السعودية الصهيونية وهي: “المخاوف المشتركة من برنامج النووي الإيراني، سعي إيران الى تحقيق هيمنة إقليمية، والرغبة السعودية في التجهز بتكنولوجيا وأسلحة متطورة من انتاج “إسرائيل””.
ويقول ميلمان: “لحظة تاريخية أخرى ساعدت في توطيد العلاقات أكثر حصلت في عام 2005، مع انتهاء فترة ولاية بندر في واشنطن وتعيينه رئيسًا لمجلس الأمن القومي السعودي. في عام 2012، تم تعيينه أيضًا رئيسًا للاستخبارات الوطنية وشغل المنصبين بالتناوب حتى عام 2015. خلال هذه الفترة، شارك بخطوات دبلوماسية علنية وسرية حول العديد من القضايا في الشرق الأوسط المتعلقة بإيران، لبنان، الحرب الأهلية في سوريا والتدخل الروسي، وبالطبع “إسرائيل” والفلسطينيين”.
ويضيف: “محادثات بندر مع دغان ولاحقًا اجتماعه مع أولمرت في عمان، عاصمة الأردن، تناولت بشكل أساسي إيران. الأمير، والبيت الملكي السعودي كله، اعتبروا منذ ذلك الحين الجمهورية الإسلامية ودعمها للشيعة في البحرين، العراق، سوريا ولبنان على أنها التهديد الأكبر عليهم. لهذا السبب، هم شجعوا “إسرائيل” للعمل بمختلف الوسائل الموجودة بحوزتها لإحباط البرنامج النووي. دغان، بحسب تقرير أجنبي، سعى في المحادثات للحصول على موافقة الرياض للسماح لطائرات سلاح الجو بالمرور فوق الأجواء السعودية، إذا قررت “إسرائيل” شن هجوم. ليس واضحًا ماذا كان ردّ السعوديين، لكن يمكن الافتراض أنه طالما لم يتم الكشف عن مثل هذا الهجوم وإحراجهم – لم يكونوا ليعارضوا ذلك”.
فرضية أخرى بحسب ميلمان هي: “أن السعودية تنظر إلى الرئيس السوري بشار الأسد، على أنه عدو، وأن استخباراتها بادرت عدة مرات إلى خطط لاغتياله. لذلك، في الرياض لم يذرفوا دمعة عندما هاجمت “إسرائيل” المفاعل النووي في دير الزور في أيلول 2007″.
ويتابع الكاتب الصهيوني: “في حرب لبنان الثانية، حثّت السعودية “إسرائيل” على توجيه ضربة قاسية لحزب الله، ومنعت دولا عربية من العمل لإنهاء الحرب، وأصيبت بخيبة أمل عندما وافقت “إسرائيل” على وقف إطلاق النار”، وبحسب الكاتب، فإنّ كراهية السعودية لـ”حماس” لا تقل عن كراهيتها لحزب الله، اذ تعتبر السعودية “حماس” أيضًا عدوًا خطيرًا يهدد الاستقرار في المنطقة”.
ويضيف الكاتب: “حزب الله، إيران و”حماس” كانوا في صلب اتصالات بندر خلال فترة ولاية تامير باردو كرئيس للموساد، بدءًا من عام 2011. بحسب تقارير أجنبية، اجتمع باردو وممثلو “تيفل” مع الأمير في أوروبا، بما في ذلك في منزله في بريطانيا. الاجتماع الأهمّ حصل في آب/ أغسطس 2014، مع انتهاء عملية “الجرف الصامد”، عندما دعا الأمير إلى السعودية مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية. لقد كانت هذه المرة الأولى التي يهبط فيها “إسرائيليون” بمناصب رسمية في المملكة. هناك، بموافقة الملك عبد الله، ناقش الطرفان لساعات طويلة مبادرة بعيدة المدى تهدف إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط. بندر بلور خارطة طريق لاتفاق مع الفلسطينيين، والتي استندت إلى مبادرات السلام السابقة، لكن هذه المرة مُنحت “إسرائيل” إمكانية إدخال تعديلات على المخطط. في خلفية الأمور بعث وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، برسالة تصالحية اتهم فيها “حماس” بالمسؤولية عن تدمير قطاع غزة ودعا إلى التعايش مع “إسرائيل””.
ويؤكد الكاتب أنه في المحادثات السرية في جدة، اقترح بندر أن يحضر وزير الخارجية الفيصل ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في أيلول/ سبتمبر 2014 إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وبحضور جميع وزراء الخارجية العرب، والموافقة على خارطة الطريق، التي تؤدي إلى تسوية سلام وعلاقات دبلوماسية كاملة وتطبيع بين “إسرائيل” ومعظم الدول العربية. ولأن الاجتماع كان مطولًا، أمر بعودة الوفد الصهيوني.
وبحسب ميلمان، فقد سافر نتنياهو لاحقًا مرتين بنفسه إلى أوروبا للاستماع شخصيًا من بندر عن تفاصيل الاقتراح، وفي نهاية الاجتماعات، أبلغ الأمير السعودي أن الشخص الذي سيدير الاتصالات من قبله سيكون مبعوثه الشخصي، المحامي إسحاق مولخو. لكن الأيام مرت ولم يحدث شيء. شعر نتنياهو بالبرودة، حيث أرسل الاقتراح مع مولخو، وضاعت فرصة تاريخية أخرى لتسوية إقليمية. شعر بندر بالاحباط وقال بازدراء للرجل الذي التقى به “هو (نتنياهو) يظن نفسه أنه تشرشل، لكنه ليس تشرشل. لا يمكنه أن يكذب على كل الناس طوال الوقت”. وعليه، قطع العلاقات مع “إسرائيل” وفي عام 2015 تقاعد بعد أن ترك مهامه وتحول الحكم الى الملك الجديد سلمان.
ويؤكد الكاتب في صحيفة “هآرتس”، “بعد دخول بن سلمان الساحة، استمرت العلاقات السعودية الصهيونية في الازدهار من خلال الموساد، واجتمع مع نتنياهو، كوهين ومع رئيس مجلس الأمن القومي، مئير بن شبات. في أحد الاجتماعات الذي نشرته “إسرائيل” بشكل علني رغم عدم رغبة ولي العهد، سافر الثلاثة الى مدينة الاستجمام نيوم الواقعة في شمال غرب المملكة على شواطئ البحر الأحمر البحر. يمكن الافتراض أن ضباطًا كبارًا في الجيش الصهيوني، بمن فيهم رئيس الأركان آنذاك غادي إيزنكوت، شوهدوا أيضًا برفقة مسؤولين سعوديين”.
ويرى الكاتب أنّه “اليوم أيضًا، نفس القضايا والاهتمامات هي في قلب الاتصالات على محور تل أبيب – الرياض: تبادل تقديرات سياسية، تبادل معلومات استخباراتية، صراعات مشتركة ضد إيران، حزب الله، سوريا، حماس، القاعدة وداعش. السعودية تشتري أكثر فأكثر معدات أمنية وتكنولوجية وأدوات سيبرانية واستخبارية من الكيان الصهيوني، بما في ذلك برنامج التجسس “بيغاسوس” التابع لشركة NSO. في الآونة الأخيرة، كانت هناك تقارير متزايدة عن أن السعودية تدرس شراء أنظمة دفاع جوي من الكيان الصهيوني”.
إلى جانب ذلك، لفت الكاتب إلى “تسارع في الأعمال التجارية المدنية والتعاون في الزراعة، المياه، المعدات الطبية والهايتك. مئات “الإسرائيليين” من حاملي الجنسية الأجنبية يسافرون بحرية إلى السعودية في الأشهر الأخيرة، وطائرات مدنية تمر في طريقها من وإلى “إسرائيل” عبر مجالها الجوي.
ويؤكد الكاتب الصهيوني أنّ بايدن خلال زيارته إلى الشرق الأوسط سيحاول بلورة “مخطط اتفاق تعاون إقليمي بين: “إسرائيل”، السعودية، دول الخليج، مصر، الأردن والعراق، “للحماية من الصواريخ والطائرات غير المأهولة لإيران”.
ويختم الكاتب معربًا عن اعتقاده بأنه “إلى جانب كل الجدية التي سترافق الزيارة من المهم التأكيد على أنه حتى لو تم التوصل إلى مسودة خطة، فلن يكون هناك حلفًا دفاعيًا رسميًا، طالما أنه لا يوجد تقدم في تسوية سياسية مع الفلسطينيين وطالما أن سلمان هو الملك.