الرئيس صالح الصماد الأسطورة الذي لم يخلق مثلها في البلاد.
بيني وبين أبي :
عين الحقيقة /كتب / صوتي حر
في طفولتي كنت اتعلق فوق كتفي أبي كلما جلس اقفز (لأتقرقع) فوق ظهره وعندما كان يطل من (الطاقه) وهي الإسم الصنعاني للنافذة كنت اقفز للتعلق فوق ظهره ليطل رأسه ورأسي من النافذة ، في أحد الأيام دق باب البيت فأطل أبي من النافذة ليرى من الطارق فقفزت فوق ظهر ابي واطليت معه من النافذة كان يقف بالباب شخص سمين شاحب الوجه قال يا علي قتلوا الحمدي ، رفع أبي ظهره المنحني الذي كنت متعلق به من هول الصدمة فصدم رأسي في الإطار العلوي للنافذة ، بكيت من ألم ضربت رأسي وبكى أبي على إبراهيم الحمدي.
كانت تلك أول معرفة لي بشخص يدعى الحمدي وكانت المرة الوحيدة التي رأيت فيها أبي يبكي.
كبرت وسمعت من أبي عن الحمدي ذلك الرئيس المحبوب والمتواضع الذي كان يتنقل بسيارته الفلوكسواجن في شوارع صنعاء وحكى لي أبي انه ذات يوم نصح الحمدي بالحذر وعدم التفريط في سلامته بالتنقل الدائم بدون مواكب حراسه.
كان تواضع الحمدي أسطورة تكبر كلما رأيت جيوش الحراس الذين يسدون الشوارع وعشرات السيارات المصفحة التي كانت ترافق عفاش.
حدثني أبي عن بيت إبراهيم الحمدي الوحيد في صنعاء والواقع في حي الخزان بنقم وكيف كان نظيف اليد ، وكلما رأيت قصور عفاش كان الحمدي يتم في وجداني ليصبح الرئيس الأسطورة.
كان للحمدي عيوب رغم جوانبه المضيئة فقد حدثني أبي ان الحمدي كان مدمن لشرب الخمر وضعيف أمام الجنس الناعم (مطيرف) لكن هذا العيب كان يتلاشى امام عظمة تواضعه ونزاهته.
كان الحمدي يحمل مشروع التصحيح ويهدف للقضاء على مراكز القوى ويسعى للاستقلال عن الوصاية السعودية ، فصحيح أن السعودية هي من اوصلته للرئاسة إلا أن أصالة القبيلي اليمني كانت تأبى الرضوخ السعودي ودفعت الحمدي للسعي لنيل الحرية والاستقلال عبر إزاحة مراكز القوى العميلة .
كبرت وكبر معي الحمدي وكبر أبي في السن وخرجت لأعمل في السعودية تلك البلد العدو والذي تربيت على كرهه منذ ضرب أبي رأسي في إطار النافذة العلوي يوم مقتل إبراهيم الحمدي ، كانت ظروف الإضطهاد التي قاسيناها من حكم عفاش إظافة لاستحالة العيش في اليمن دون الانخراط في منظومة فساد نظام عفاش هي ما دفعتني للغربه في البلد الذي أكرهه،
في أحد الأيام إتصلت بأبي فقال لي اليوم لقيت من هو افضل من الحمدي فقلت له من هذا ؟
فقال لي اليوم لقيت الرئيس صالح الصماد في الجامع الكبير وسلم عليا وعرفني وطلب مني أبغلك سلامة،
لم يمضي على لقاء ابي والصماد سوى شهر حتى إنتقل أبي إلي جوار ربه ، فحزمت حقائبي وعدت لليمن مطلقا الغربة التي حرمتني لحظات وداع أبي وحضور جنازته.
بعد أيام من وصولي لليمن أتصل بي صديق وعزمني على الغداء ، ذهبت لإجابة الدعوة وأخذت معي إثنين من المرافقين المسلحين كوني كنت مستهدف بالقتل من عصابة المخلوع عفاش بسبب نشاطي ضده في وسائل التواصل الاجتماعي.
وصلت للغداء ففوجئت بالرئيس صالح الصماد أمامي سلمت عليه وجلسنا للغداء حدثني عن أنه لقي أبي رحمة الله عليه وعزاني في وفاته ،
وأنا أمد يدي للأكل من صحن واحد مع الرئيس وانا مسلح ومع إثنين مسلحين والرئيس بلا سلاح وبلا مرافقين شعرت بالخجل كنت أبدو كرئيس لا هو ، في تلك اللحظات المحرجة تحطمت أسطورة تواضع الحمدي وقلت في نفسي ليت والله والناس تعرف تواضع هذا الصماد.
سافرت إلي صعدة بني معاذ وشاهدت مزارع آل الصماد وتحدثت مع الناس هناك ومع أصدقاء مقربين من الصماد فحكوا لي قصة الصماد الذي أطلق شرارة الثورة في مدينة صعدة وقاد أولى المعارك على تخوم مركز السلطة الغاشمة في أرض مفتوحة كصنعاء لا جبال ولا كهوف ، ما اذهلني أن الصماد هو من كان يمول الجبهه التي فتحها من حر ماله أو بالأصح مال أبيه ، كان يجاهد بماله ونفسه واخوته وأهله ..
فوجئت بأن الصماد ليس فقط ذلك المتواضع بل إنه قائد عسكري بل هو أكبر القيادات العسكرية مجاهد بطل لا يشق له غبار ، وفق ذلك ينفق حر ماله في جهاده واستمر انفاقة حتى وهو رئيس.
بعد زيارة صعدة انهار ما تبقى من أسطورة الحمدي وتمنيت لوعاش أبي وأتى معي لصعدة ليرى ويسمع عن أسطورة اليمن الجديدة أسطورة صالح الصماد الذي لم يخلق مثلها في البلاد. .
هذه بداياتي مع الصماد والنهايات سأحكيها في الوقت المناسب بعد أن يزول الألم ألم ضربة الرأس الثانية والأكثر ألم من ضربة الحمدي في نافذة منزلنا العتيق بصنعاء. ..