الدكتور مصباح الهمداني يكتب عن :شبل كيلو16!
قال لي يوما وهو يعرض لي صورا له مع(الآلي) الكلاشينكوف:
أريد أن التحق بالجبهات..
نظرت في وجهه الممتلئ حيوية ونشاط، ووسامة الشباب الحاضرة المتقدة، تأملت أنفه الأقنى، وعينيه الواسعتين..وقامته الطويلة والتي اقتربت من قامةأبيه.. وعدت إلى الوراء لأستعيد تاريخ ميلاده..لقد دخل السادسة عشر من عمره قبل أيام.. أعدت النظر فيه لأرى نفسي تماما حين كنت في عمره..
وبينما ينتظر جوابي..
أعاد سؤاله بطريقة أخرى وقال:
لن أذهب إلا وأنت راض عني..ثم سكت هنيهة وأردف وهو يبتسم:
ومثلك لن يرفض…
أيقنت بإصراره..وفي القلب أمور كثيرة..ومهام كبيرة..وحمل ثقيل..وقلت له:
-سأسمح لك..ولكن بشرط أن تدخل دورة ثقافية وتدريبية قبل ذلك…
تهللت أسارير وجهه..ولم تمر بضعة أيام إلا وأنا أتساءل أين الشبل فتلفونه مغلق والواتس لا يظهر.. فتخبرني الأم:
بأنه في يد الله..وتضيف أخته الأصغر منه وتقول بفرح:
الشبل صار رجلا وهو في دورة تدريبية مكثفة…
ومرت الأيام سريعا، وخرج الشبل من الدورة رجل آخر بأخلاق قرآنية عالية وعرفان وإيمان كبير..
لقد كان يحدثني بصوت منخفض وبوقار وخلق رفيع..
لقد كان خلوقا ومؤدبا وصدوقا من قبل؛ لكنه بعدها صار أكمل…
قال لي يوما ممازحا:
هل سأزيد الأحزان في هذا المنزل لو صار لي شيئ?
سؤال هزني من الأعماق، وشتت ذهني، وجمع لي كل الذكريات دفعة واحدة..وما أشد بعض الأسئلة وكأنها زلزال بدرجة 8 رختر…
تذكرت المنزل وقد خرج من تحت سقفه سبعة شهداء..
شهداء لو تحدثت عن أحدهم لقلتم عنه ولي من خاصة النبي صلى الله عليه وآله وسلم …
سبعة شهداء فيهم من سجن وعذب عذابا شديدا قبل استشهاده، وفيهم من فقد نصف عقله قبل لقاء ربه.. نظرت في عيني الشبل وفي عيني دموع أداريها لكنها تأبى إلا أن تنهمر..
لقد تذكرت الشهداء السبعة وفيهم من يحفظ نصف القرآن وثلثه وربعه، وفيهم من كان يقوم الليل ولم يبلغ الحلم..
تمالكت نفسي وردت عليه:
لم تكن هناك أحزان، بل أفراح؛ أيها الشبل فقد كانت الأم تمنح الجميع القوة والصبر والثبات وهي؛ تحمد الله وتشكره…
هز رأسه وابتسم وحاول تغيير الموضوع قائلا:
أنا امزح…
كان الزلزال ما يزال يفعل في قلبي وجوارحي فعله، وظلت كلمات الشبل ترافقني كل حين..
والشبل كل يوم يتابع المجازر اليومية، والتي يرتكبها الطيران السعودي الأمريكي، ويقلب رشاشه ويستعرض مهاراته التي تعلمها أمام أمه واخته الصغيرة والتي تشجعه وتدفعه وتعبر له عن حبها للسيد القائد وللمجاهدين العظماء…
لم يكن الشبل من أسرة فقيرة ولا غنية ولكنها أسرة مستورة ميسورة الحال إلى حد ما…
وبعد أيام من خطاب السيد القائد والذي حث فيه الأشبال والرجال بالنفير نحو الساحل..
استغربت غياب الشبل غير المعتاد، وغيابه أيضا عن الواتس، وتلفونه المغلق..
فسألت أخته المجاهدة الصغيرة عنه، فقالت وهي تضحك فرحا وفخرا:
أخي في الساحل الغربي..فهل رأيت ما فعلوه بالغزاة في كيلو16…
لم تترك لي جوابا وكأن حديثها ما زال يتردد في أذني :
إنني فخورة بأخي، وهو ينكل بالأعداء..فخورة بأخي وهو يحمي الأرض والعرض..فخورة بأخي وقد انطلق للمعركة ولم يرقد كباقي الشباب الجبناء..
فخورة بأخي المجاهد وإخوته الشهداء وأعمامي الشهداء والمجاهدين..فخورة بأني تربيت في بيت كله جهاد وإنفاق وولاء…
ماتزال نبرة صوتها الحنون تقرع أذني..
وتذكرت بأن الشبل هو آخر الأبناء الذكور..إنه وحيد أسرته الآن…
ومضت لحظات استعدت بها ذكرى كربلاء وكيف ضحى الإمام الحسين ع بجميع أهله؛من أجل الإسلام..
ورفعت كفي نحو السماء لأقول باستحياء:
اللهم سدد رميه، وشد أزره، وارزقه الثبات والإخلاص، وأرجعه إلينا بنصر مؤزر، وعود مظفر؛
فقد اشتقت لأضمه وأشمه وأستنشق منه مسك الشهداء السبعة وعبق المجاهدين الأحياء.
اللهم إني استودعك إياه ، فإنه في طاعة وجهاد تحت راية حق وهدى..وتقبل منا اليسير يارب العالمين…
سردت لكم شيئا عن أحد الأشبال العظماء؛ ليعلم الأعداء أنهم يواجهون أمة مجاهدة لا تعرف إلا النصر ولا شيء غير النصر…
والشبل المذكور هو ولدي..وقرة عيني.. وفلذة كبدي..
وكم هي أمنيتي الآن؛
أن أكون بجواره في مترسه.