الدفاع عن اليمن استحقاق تاريخي
توفيق سلام
,تقف اليمن في لحظات الشموخ والإباء وهي تستجلي الحاضر وتتطلع إلى المستقبل مع مشارف الذكرى الوطنية السابعة لشن العدوان على اليمن الذي فشل في تحقيق أهدافه الخبيثة
للسيطرة على اليمن أمام أسوار المقاومة الوطنية وصخرة الصمود لأبناء الشعب الذي حمل راية الكفاح المسلح دفاعا عن وجوده وأرضه وعزته وكرامته فكان التصدي انتصارا شعبيا ووطنيا واستحقاقا تاريخيا ووطنيا وانسانيا على قوى الهيمنة الأجنبية التي تقف على رأس رماحها الوكلاء الإقليميين بالإنابة عنهم في الدور التخريبي والتدميري لمقدرات البلد ومنع أي توجه للخيارات الوطنية نحو الحرية والاستقلال وإحداث تنمية مجتمعية للازدهار والتطور والنماء والتقدم الحضاري.
كانت أوروبا تقول عن نفسها بأنها مهد الديمقراطية والحريات الإنسانية التي اقترنت بعصر التنوير ومركزية العقل كمبدأ مكون للحداثة وإدارة الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لتبدو أكثر ارتباطا بالعقلانية بينما كانت العقلانية تقدم نفسها في مجمل الحياة الليبرالية كمشروع عالمي للحداثة وإذا بالأنظمة السياسية الراديكالية اليمينية المتطرفة تحرف مساراتها خلال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى استدعاء السياسات الاستعمارية لنهب ثروات الشعوب والتحكم في مصيرها في ظاهرة استعمارية جلبها التوسع الإمبريالي في فرادته الخاصة ضد الآخر وضد كل ما هو غير أوروبي.
كان الشرق مرآة تجد فيه أوروبا ثم (أمريكا لاحقا) انعكاسا لتفوقها أخذت توظف ذلك التفوق لبلوغ درجة من نجاحها في فرض سيطرتها وجعلت من نفسها مركزا للمرجعية الكونية في تسويغ مزاعمها في الثقافة الاستعمارية وفي توريث وتحديد القيم الإنسانية باعتبارها هي الكونية ورسمت خريطة هذا الانقسام في جغرافيات متعددة لتضع الغرب في مواجهة مع الشرق الواقع تحت سيطرتها الاستعمارية.
الخطورة السلبية التي شكلت صدمة حضارية لدى الشعوب هو الشعور بإغواء المجتمعات بالديمقراطية التي كانت تسوقها الولايات المتحدة الامريكية عبر منظماتها وفق تلك المفاهيم والآليات التي كانت تصب في آخر المطاف في مصلحة الحكام وأتباعهم كما كان العالم العربي والإسلامي مخدوعا أيضا ببرامج منظمات حقوق الإنسان التي تعمل وفق المناهج الأمريكية التي كشفت عنها الأحداث بجلاء ازدياد جرائم الانتهاكات والحروب التي تنتهكها السياسات الأمريكية في أكثر من رقعة جغرافية في العالم وكان حظ العرب منها ليس بالقليل وكانت هذه خارج سياق عمل المنظمات الحقوقية في الكشف عن حجم جرائمها ضد السكان الأبرياء وانتهاك الحقوق الآدمية.
ومع كل دورة انتخابية لرئيس أمريكي قادم كان العالم يتفاءل بانفراج للأزمات إلا أن التقديرات كانت تأتي معاكسة للآمال ليأتي رئيس مشحون بمصلحة أمريكا فيتصرف كصبي جموح إلى هتلر جديد بطبيعته الشوفينية التي تظهر على النقيض في إرباك العلاقات الدولية واهتزازها بصورة تفقد معها اللياقة الأدبية في مخاطبة الغير لتتوسع معاركه وطيش أحلامه هنا وهناك ويفقد في كل جولة توازنه ليتحول إلى ظاهرة سخيفة مغلفا بإشعال معارك الأزمات واستنزاف ما تبقى من الأموال في استكمال حلقات الابتزاز التي يعتاش الاقتصاد الأمريكي عليها وتعزيز الجيوش والقواعد تحت ذريعة حماية الأمن القومي الأمريكي وحماية حلفائها الذين يتعرضون لمخاطر محدقة وتهيئة المناخات المضطربة لبيع منتجات الأسلحة الحربية .
استمرار الحرب تمثل بالنسبة لدول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا سوقا كبيرة لبيع الأسلحة وفي العادة تكون السعودية والإمارات على رأس قائمة حجم المبيعات في اقتناء هذه الأسلحة.
كانت إيران قد خرجت من تحت العباءة الأمريكية بعد سقوط نظام الشاه الموالي لأمريكا في ثورة 1979م لكنها تعرضت لمؤامرة دولية في حرب مع العراق دامت ثماني سنوات لمحاولة اخضاعها مجددا للهيمنة الأمريكية ثم لحق بعدها تدمير العراق بعد غزوه للكويت وهكذا استمر مسلسل التدمير ليطال لبنان وسوريا واليمن وليبيا وفرض العقوبات بالحصار الاقتصادي للعديد من الدول .
فما الذي يمكن للمرء أن يستخلصه من ذلك؟
اعتقد أن الصراع محوره الرئيس يتعلق بأطماع أمريكا والاوروبيين للثروات النفطية والغازية وجعل المنطقة سوقا اقتصادية لبضائعها وسلعها المختلفة وكانوا على يقين مطلق بأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى مراتبهم العلمية والصناعية عندما أعلنوا التجارة الحرة وعندما غزت بضائع ومنتجات الصين أسواق العالم اعتبروها منافسا غير مرحب بها.
عقود من الزمن أشاعت الامبريالية الرأسمالية الخوف وسط المجتمعات الأوروبية وغير الأوروبية في اعتبار الاسلام خطرا على شعوبهم ومارست هذه الدعاية منذ موقعة أجنادين 634م وحتى أزمة السويس 1956م كان العداء يجري توظيفه سياسيا لمنع أي تقارب فأظهروا المسلمين كأعداء أساسيين حتى داخل مجتمعاتهم وكانت حصيلة هذه الثقافات بأن اكتسب الأوروبيون دولتهم بطرد المسلمين بدءا باستعادة اسبانيا في مطلع القرن الثاني عشر وحتى حرب استقلال ألبانيا 1912م وامتدت بعدها الحروب الصليبية على الشرق الأوسط واليوم ما برحت تصيغ مفاهيم جديدة لتحويل الإرهاب إلى ظاهرة وأداة سياسية لنشر الفوضى لتربط بين الإرهاب والإسلام في مصوغ سياسي على أن الإسلام معاد للحرية.
فالعرب والمسلمون عامة ليسوا متحدين حتي يشكلوا خطرا على الغرب فهم يتوزعون حول مزاعم قومية متصارعة أو برامج أيديولوجية متباينة ومزاعم حدودية متضاربة ورؤى مذهبية والعنف في الشرق الأوسط هو أحد عوارض هذه الخلافات التي تدفع بها الدوائر الامبريالية إلى هذا المنزلق.
ثمة حقيقة أخرى وهي أن بعض الحكومات العربية والإسلامية تتعاون مع الغرب أكثر ما تهدده وما يزيد من الاطمئنان أكثر أن دول الخليج وظفت أموالها في البنوك الأمريكية والأوروبية على نطاق واسع وباتت مصالحها مرتبطة بالمركز الأمريكي فمن أين سيأتي الخطر وهذه الدول في مجموعها تابعيات سياسية للمركز الدولي الذي يتحكم في كل تفاصيلها؟
وعندما يرى المركز صعوبة ضبط ايقاع التوازنات يضطر إلى إنتاج الأزمات واحدة إثر الأخرى كما هو حاصل اليوم في اليمن وإيران وسوريا ولبنان وليبيا ويبدو ما تخطط له الإدارة الامريكية من تحشيد دولي ضد الصين وتبديل اللاعبين والتحرك اللافت في الزيارات إلى اليابان والهند وكوريا الجنوبية واليمن وإيران للاتفاق حول الملفات الأكثر حساسية أمام إدارة بايدن التي قد تزيد الأمور سوءا في تعقيدها أكثر من تسويتها.
فعلى مدى الأعوام الستة تُرك اليمنيون لشأنهم تحت رحمة القصف الجوي والدمار الهائل لإجبار الشعب اليمني على الاستسلام وكانت تراجيديا هذه الحرب الغاشمة يتحملها اليمنيون لوحدهم في قدرتهم على التصدي والمقاومة من جهة وعلى الإبداع الخلاق في مجال التصنيع العسكري من جهة أخرى لقلب ميزان المعركة لصالح اليمن وتحولت الحرب تدريجيا إلى فعل ورد فعل مواز حتى أصبحت محكومة بمعادلة «توازن الرعب» بين الأطراف المتحاربة كانت قوات صنعاء أكثر ديناميكية وحنكة وخبرة في إدارة الصراع بل أصبحت أكثر فاعلية بشكل ملفت في تحقيق الانتصارات على المستوى السياسي والعسكري.
جاءت مبادرة إدارة بايدن لوقف إطلاق النار مرارا هو الأمر المؤكد أن هناك حالة عميقة من عدم الثقة بالسياسة الأمريكية المتقلبة بين الحين والآخر ومن الواضح أن إدارة بايدن تخلط بين أوراق الأزمة اليمنية مع قضايا وملفات عديدة في المنطقة وهذا ما يعمق القناعة لدى الكثير من المحللين والسياسيين بأن واشنطن لا تسعى لإنهاء الحرب فعبثيتها تتواصل مع استمرار الغارات الجوية على اليمن ومناوراتها السياسية لصالح حلفائها وقد أظهرت المبادرة السعودية تناقضا مع مبادرة المبعوث الأمريكي تيم ليندر كينغ في جوهر مضامينها للمقايضة بين ما هو سياسي وعسكري مع ما هو إنساني وتحاول السعودية تقديم نفسها على أنها وسيطا اقليميا لا طرفا رئيسا في العدوان على اليمن فهي تتقمص دور المكر السياسي لتقديم نفسها وسيطا لتتهرب من التزاماتها نتيجة عدوانها ونتائج وتبعات هذه الحرب المأساوية وآثارها المستقبلية.
جولة المفاوضات بين وفد حكومة صنعاء والجانب الأمريكي في عمان لم تخرج بأي تقدم أو تبدل في رؤية واشنطن لملف حرب اليمن فهناك محاولات ترهيب وترغيب ومحاولات ابتزاز بالملف الإنساني تستهدف إخضاع حكومة صنعاء للمطالب السعودية.
كان موقف رئيس الوفد المفاوض لحكومة صنعاء محمد عبد السلام قويا لا تنازل عن القضية اليمنية عند رغبات واشنطن ولا عودة للتفاوض قبل وقف العدوان وفك الحصار وهما المطلبان اللذان جاءت المبادرة السعودية تحمل شروطا في الخلط بين الجوانب الإنسانية والسياسية والعسكرية لتستمر في المراوغة بعيدا عن أي إعلان جاد وحقيقي لحل الأزمة.
إحلال السلام في اليمن لا يمكن أن يرتكز على مثل هكذا مبادرات دبلوماسية برجماتية أكثر انتهازية حول مصالح أمريكا وحلفائها في الخليج لإنهاء الأزمة على حساب دماء اليمنيين طالما بقيت هجمات الغارات الجوية دون انقطاع لتدمير اليمن وسفك دماء الأبرياء ولطالما بقي الحصار هو الماثل لتجويع الشعب اليمني.
هناك العديد من الملفات أمام إدارة بايدن وتبدو هناك صعوبات كبيرة لحلحلتها لسببين الأول: أن امريكا والسعودية والإمارات هم جذر المشكلة في الحرب اليمنية
وثانيا: أن مفاوضات الامريكان تحمل اشتراطات لمطالب سعودية .
هذا الأشكال في اليمن فكيف ببقية الملفات في منطقة الشرق الأوسط التي تقول إدارة بايدن أنها ستسعى إلى تسويتها وهي تقف إلى جانب حلفائها في الخليج فأي الملفات التي ستناقشها الخارجية الأمريكية لإحلال السلام في اليمن وهي تدفع بالسعودية لاستمرار شن عمليات الغارات الجوية لتدميرها وفي نفس الوقت تغذي الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا واليمن وتدفع بتركيا لقيادة هذه المهمة؟
ما يهم الدبلوماسية الأمريكية في قضية الشرق الأوسط أمران وهما: منع إيران من تطوير برنامجها النووي وتوقيفها عن إنتاج الصواريخ الباليستية وهذا أولا وثانيا: عودة اليمن لتكون حديقة خلفية للسعودية أي تابعية سعودية تخضع لتنفيذ مشاريع مشتركة سعودية إماراتية أمريكية بريطانيا فرنسية إسرائيلية على أراضيها. وهكذا تريد أمريكا النجاح لسياستها الخارجية لتكون قد حققت انتصاراتها على أيدي حلفائها.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة ستقود عملية السلام – كما يجري تصورها حاليا- إلى طريق مسدود وفق تلك الرؤى العقيمة في جولات المباحثات التي لم ينتج عنها أي خطوة جادة لإحلال السلام عدا الحذلقة السياسية ومحاولة تمرير الأوراق أو التلويح باستخدام العصا.
لذلك فإن السلام يضع في أولياته وقف الحرب وإنهاء الحصار أما الكولسة الدبلوماسية فذلك مجرد تحايل لا تخدم عملية السلام بقدر ما تسعى إلى انتهاز الفرص المواتية لاستمرار الحرب.