الدفاع الجوي اليمني: قدرات نوعية استراتيجية
الحقيقة/شارل ابي نادر
ليست المرة الأولى التي تنجح فيها وحدات الدفاع الجوي اليمني باسقاط قاذفة أو طوافة أو طائرة بدون طيار، من الطائرات التابعة لطيران تحالف العدوان، من الانواع والنماذج الغربية -وحتى الشرقية- المتطورة والمعروفة عالميا بمميزاتها التقنية اللافتة، مثل القاذفات “اف 15” أو “اف 16” الاميريكة او “التورنادو” البريطانية، أو الطائرات بدون طيار “ام كيو 9″ الأميريكة و”اس – اتش 4” الصينية، وغيرها من الطائرات التي سقطت في العمق السعودي وبقيت مجهولة، بعد اصابتها فوق اليمن.
اللافت مؤخرًا في اسقاط طوافة “اباتشي” سعودية (اميركية الصنع) في منطقة جيزان الحدودية مع اليمن، وفي اسقاط طائرة قتال تجسسية دون طيار سعودية صينية الصنع وينغ لونغ، في مديرية حيران الداخلية – محافظة حجة، أن الانجازين يأتيان في سياق مسار من التغيير الاستراتيجي الناجح، تشهده معركة الصمود الشرسة التي يخوضها الجيش واللجان الشعبية اليمنية بمواجهة تحالف العدوان منذ حوالي خمس سنوات تقريبًا.
لتبيان أهمية الانجازين، عسكريًا وميدانيًا، وكيفية ارتباط ذلك في مسار العمليات التي تشهدها تطورات الحرب على اليمن، لا بد من الاضاءة على المعطيات الفنية لكل من طوافة القتال الاباتشي والطائرة التجسسية وينغ لونغ.
الطوافة الأميركية اباتشي: “تعتبر المقاتلة الأكثر شراسة وخطورة على القوات البرية في المواجهة الحربية، إضافة لقدرتها على الصمود حتى بعد إصابتها في مناطقها الحساسة”. وهي بحسب عدة مصادر اعلامية وعسكرية، طوافة قتال عالية التسليح المتعدد الاختصاص، مزودة بأكثر من مئة صاروخ تعمل بالليزر وتخترق الدروع بمدى يزيد على 14 كيلومتراً، إضافة إلى مدفع رشاش من عيار ثلاثين ملليمتراً، وتقنيات داخل حجرة القيادة لتحديد الهدف، قادرة على ضرب ما يزيد على 128 هدفا بدقة فائقة خلال دقيقة واحدة، وتستطيع رماية اهدافها لمسافات بعيدة تبعا لمقدرة الصاروخ الذي تُجهز به، الأمر الذي يخفيها بالكامل عن نظر طواقم الدفاع الجوي العدوة لها، بالاضافة لقدرتها على التعامل مع أهدافها ليلًا”.
من هنا، وحيث تُعتبر الأباتشي، طوافة هجومية عالية التسليح، وتتمتع بردّات فعل سريعة، وقادرة على الهجوم من مسافات قريبة أو في العمق، بحيث تكون قادرة على التدمير وضعضعة قوات “العدو”، وبما أن هذا النوع من الطوافات السعودية اصبح بعد اليوم مهدداً بشكل جدي من قبل وحدات الدفاع الجوي اليمنية، والتي استعملت صاروخ ارض – جو مطوَّرًا محليًّا، غير واضح النوع والامكانيات، يمكن القول ان مناورة الدعم والمساندة لدى الوحدات السعودية خسرت، وبنسبة غير بسيطة، المميزات العسكرية والتقنية التي تقدمها طوافات الاباتشي، والتي كانت تحتاجها بقوة المواجهات الحدودية مع اليمن، وخاصة جبهة جيزان (مجازة) الأكثر حساسية على الحدود اليمنية والأصعب جغرافيًا، كونها المنطقة الحاضنة لأهم التلال الاستراتيجية، مثل جبل النار وجبل الدود وتلة الرادار، والتي طالما شكَّلت نقاط مواجهة مباشرة ومتقاربة، بين الوحدات السعودية ووحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية خلال كامل فترة الحرب على اليمن.
الطائرة التجسسية وينغ لونغ: من أفخر صناعات الصين العسكرية، تحمل الكثير من المواصفات المشتركة مع طائرة الدرون الامريكية (بريداتور)، طائرة متعددة المهام، صممت للمراقبة وللقتال، مدى عملها 4000 كلم وعلى ارتفاع 5 كلم، حمولتها 200 كلغ موزعة بين صواريخ (هلفاير) مضادة للدروع موجهة حراريا، وبين صواريخ مباشرة مضادة للتجمعات الحيوية (ممكن ان تكون من عدة انواع ونماذج). وهذه الطائرة تحمل أجهزة استشعار ورادار الفتحة الاصطناعية، والذي يستعمل عادة لرسم خرائط طوبوغرافية دقيقة الابعاد، والاهم انه يُستعمل لكشف طبقات ما تحت الارض، بهدف كشف الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية، والتي يتم تخزينها وتخبئتها في المغاور والكهوف والملاجىء، حيث يعمل على ارتدادات صدى الصوت وليس على ارتدادات الاشعة كما في الرادار العادي.
اهمية اسقاط الطائرة التجسسية وينغ لونغ تأتي لناحية إضعاف مناورة المراقبة والكشف لدى الوحدات السعودية، خاصة كونها متخصصة بكشف اي تغيير ولو بسيط في حركة الارض وفي تفاصيل الميدان، وقادرة ايضا على كشف الاسلحة النوعية اليمنية (الطائرات المسيرة والصورايخ الباليستية)، والتي لعبت دورا اساسيا في تغيير مسار الحرب على اليمن عبر الردع الاستراتيجي الذي حققته مؤخرا وخاصة خلال العام الحالي (2019).
انطلاقا من ذلك، وحيث تقاربت عمليتا اسقاط الاباتشي والطائرة التجسسية وينغ لونغ، في الاستهداف الناجح لطائرتين سعوديتين متطورتين ومن ارتفاع غير بسيط، بصاروخ ارض – جو مطور محليا، ماثل الصواريخ العالمية الاخرى في التقنية وفي القدرات، يمكن القول ان الاجواء اليمنية أصبحت محمية أكثر من السابق، وهي اليوم مصانة بشبكة دفاع جوي فعالة وجاهزة على مدار الساعة.
وحيث يأتي هذا الدفاع الجوي اليمني الفعال ليضاف ويتكامل مع أسلحة نوعية أخرى، مثل الطائرات المسيرة والصورايخ الباليستية، والتي أثبتت نفسها في المواجهات الداخلية أو الحدودية أو في الاستهدافات الاستراتيجية البعيدة، في الامارات أو في السعودية، في عمقها وشرقها أو على سواحلها الغربية.
من هنا يمكن القول الآن، إن وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمينة، أصبحت تملك من القدرات النوعية الاستراتيجية، ما يؤمن لها أولًا الصمود الثابت والنهائي في الحرب على اليمن، والتي تغيَّر مسارها واتجاهها مؤخرًا بشكل كامل، وما يؤمن لها ثانيًا نقاط القوة المطلوبة لفرض مسار التسوية والتفاوض بعد أن غابت بشكل كامل اية امكانية ولو ضئيلة لاستمرار ونجاح الخيار العسكري والعدوان.