الدائرة تضيق على تحالف السعودية في اليمن
أعتقد جازماً بأن السعودية تبحث عن منقذ لها من وحل اليمن الذي تحوّل إلى ما يشبه اللعنة التي لا يمكن الفكاك منها، وأعتقد أكثر بأن آل سعود وصلوا إلى قناعة تامة بأنه لا مجال لحسم المعركة في اليمن عن طريق العنف والعسكرة وأنهم أصبحوا خارج دائرة النصر منذ الأشهر الأولى من الحرب، ولكن ما يقلق السعودية أكثر هو عدم رغبة الغرب في إنهاء الحرب هناك لكونها تخدمهم من جانبين، الأول في تحسين اقتصادهم عبر بيع الأسلحة للسعودية والثاني عبر توريط السعودية في حرب ظالمة ومن ثم معاقبتها على ذلك عندما تحين الفرصة.
في الأسبوع الأخير شهدت اليمن أحداثاً متسارعة ميّزها التكاتف الضمني بين جميع اليمنيين ضد التحالف بقيادة السعودية، وكأن الجميع وصل إلى قناعة تامة بأن السعودية والإمارات لا تريدان مصلحة الشعب وإنما مصلحة نفسيهما، وعلى هذا شهدنا مظاهرات في جنوب البلاد استمرت عدة أيام احتجاجاً على غلاء الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتنديداً بانهيارِ العملة المحلية.
وحسب مصادر ميدانية فقد خرج المئات من المحتجين في عدة شوارع بمدينة سيئون ورفعوا لافتات تندد باستمرار التدهور الاقتصادي وانهيار العملة وتطالب برحيل دول تحالف العدوان من جنوب اليمن.
محافظة عدن هي الأخرى لحقت بركب الاحتجاجات حيث نظم المئات من المواطنين تظاهرات احتجاجية غاضبة جراء الانهيار المتسارع للاقتصاد وانخفاض قيمة الريال اليمني أمام بقية العملات الأجنبية الأخرى وتفاقم الأوضاع المعيشية بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية.
وردد المشاركون في التظاهرات الاحتجاجية شعارات وهتافات طالبت برحيل قوات تحالف العدوان السعودي الإماراتي من الجنوب وكذلك حكومة هادي المتوغلة بالفساد وعدم اكتراثها لمعاناة المواطنين في المحافظات الجنوبية.
الأوضاع الحالية
نحن مقبلون على فصل الشتاء ومع ذلك لم يتعاطَ العالم بمجمله بشيء من الإنسانية مع هذا الشعب المظلوم الذي يبحث عن قوته في كل مكان ولا يجده بسبب الحصار الجائر عليه، والذي تقوده كل من الإمارات والسعودية عبر منع فتح المطارات والموانئ، وكذلك استحواذ أبو ظبي على كل منابع النفط والغاز في كل المحافظات الجنوبية بعد أن كان تصديرها يغطي جزءاً كبيراً من موارد الدولة.
يضاف إلى هذا فرض قيود من قبل تحالف العدوان على وصول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة للشعب ومنع تفريغ المشتقات النفطية ما قد يفاقم من الوضع المعيشي والإنساني والصحي والاقتصادي وينذر بكارثة إنسانية لا تحمد عقباها.
وبناءً على الوضع نفّذ عمال وموظفو فرع شركة النفط بمحافظة الحديدة أمس وقفة احتجاجية أمام مكتب الأمم المتحدة للتنديد بمنع تحالف العدوان السعودي الأمريكي دخول ناقلات النفط إلى ميناء الحديدة دون أي وجه حق .
ورفع المشاركون في الوقفة الاحتجاجية التي شارك فيها عدد من قيادات فرع الشركة وعدد كبير من عمال وموظفي الفرع والمنشآت لافتات عبّروا من خلالها عن استنكارهم الشديد لفرض تحالف العدوان القيود على وصول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة للشعب ومنع تفريغ المشتقات النفطية.
وعلى إثر هذه الكارثة الرهيبة، خاطب رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة قبل أسبوعين مجلس الأمن وحذّره من تداعيات كارثية في اليمن بسبب ارتفاع خطر المجاعة في البلاد.
كل شيء يختنق في اليمن ولا حل في المدى المنظور بالرغم من جميع التنازلات التي قدمها “أنصار الله” من أجل حماية الشعب اليمني وعدم تعريضهم لأي نوع من الأذى، فعلى سبيل المثال، قال عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة “أنصار الله” (الحوثيين): إن المفاوضين قدموا تنازلات كبيرة من بينها الموافقة على الدور الرقابي للأمم المتحدة على ميناء الحديدة ولكن لا يزال العدوان مستمراً.
هذا التنازل يعدّ خطوة إنسانية مهمة أظهرت نوايا “أنصار الله” وبأنهم يبحثون عن مساعدة شعبهم وعدم تعريضه للمجاعة وبادرة حسن نية لرفع الحصار المفروض من قبل تحالف العدوان، ويعدّ اقتراح السيد الحوثي اختباراً صعباً للتحالف لكونه يكشف الغطاء عن سياسة السعودية والإمارات في اليمن ويعرّي أساليبهم ونواياهم.
كما أن هذا التنازل يعدّ بمثابة تحدٍ كبير للغرب لمعرفة ما إذا كان يرغب في مساعدة الشعب اليمني أم لا.
اليوم لم يعد هناك حجة لهذه الجهة أو تلك للقول بأن “أنصار الله” يعرقلون الأوضاع وغيرها من الحجج الواهية، التي كانت السبب الرئيسي في تجويع الشعب وتدمير منازله وقتل أطفاله من خلال مجازر يندى لها الجبين “فعلتها السعودية على مرأى العالم كله دون أن يهزّ لأحد جفن”.
العالم لا يجب أن يقف مكتوف الأيدي جرّاء ما يجري في اليمن، لأن منع وصول المشتقات النفطية إلى اليمن سيؤدي إلى كارثة كبيرة خاصة أننا على أبواب فصل الشتاء، ناهيك عن كون هذه المواد هي الشريان الرئيسي لحركة النقل ووصول المساعدات الغذائية والإنسانية إلى جميع المناطق اليمنية وعدم توفر المشتقات النفطية يؤدي إلى كارثة إنسانية في كل المجالات المعيشية والصحية والاقتصادية.
الوقت التحليلي