الخبير العسكري اللبناني شارل ابي نادر يكتب عن:العدوان على اليمن .. يلفظ أنفاسه الأخيرة
ما هي المُعطيات الميدانية والعسكرية والاستراتيجية التي توحي ذلك؟ وكيف يمكن، من خلال حركة الميدان الأخيرة، فَهمُ هذه المعادلة؟
مَن يُتابعْ مسار الحركة الميدانية مؤخَّراً في اليمن، وخصوصاً في الوسط الشرقي بين محافظتَي شبوة ومأرب، يَستنتجْ، على نحو لا يدعو إلى الشكّ، أن الحرب على اليمن أصبحت في نهايتها. فعناصر الجيش واللجان الشعبية يتقدَّمون بسرعة البرق نحو إكمال الحصار على مأرب. وفي طريق إكمال هذا الإنجاز الميداني الاستراتيجي (تحرير مأرب)، تكتمل سيطرتهم على محافظة البيضاء على نحو كامل، وعلى أكثر من مديرية ومدينة حيويتين في محافظة شبوة. وإذ نتكلّم على تحرير آلاف الكيلومترات بسرعة قياسية في تلك المحافظات، يمكن القول إن العدوان على اليمن بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة.
فما هي المُعطيات الميدانية والعسكرية والاستراتيجية، التي توحي ذلك؟ وكيف يمكن، من خلال حركة الميدان الأخيرة، فَهمُ هذه المعادلة أو استنتاجها؟
في متابعة دقيقة لمضمون المعطيات الميدانية على الأرض، والتي تصوِّر حركة التقدم الأخيرة لوحدات الجيش واللجان الشعبية و”أنصار الله”، نجد أن كلَّ العمليات الهجومية، التي نفَّذتها الوحدات المذكورة خلال آخر عامين من الآن، ينتج منها تقدُّمٌ وسيطرة على مساحات شاسعة وتحريرٌ لها، وسقوطُ آلاف القتلى والمصابين، بالإضافة إلى أَسر الآلاف من عناصر العدوان والمرتزقة، مع اغتنام مئات الآليات العسكرية الحديثة، وكميات كبيرة من الأسلحة المتطوّرة، من دون أن يقابلها، من جهة وحدات العدوان ومرتزقته، أيُّ تقدُّم في أيّ جبهة، ولا أي موقف ثبات في الدفاع، ولو فترةً قليلةً من الوقت.
هذه المعطيات المذكورة أعلاه، موثَّقة وثابتة في الصور والأفلام والمَشاهد الحية، ومن خلال ما يُعرَض في المؤتمرات الصحافية المتتالية للمتحدث العسكري اليمني العميد يحيى سريع، بالإضافة إلى أن مقارنة خريطة الانتشار والسيطرة الميدانية بين اليوم والأمس وما قبل الأمس وما قبله، لجميع الوحدات العسكرية التي تتواجَه في تلك المناطق، تؤكّد ذلك على نحو ثابت وواضح.
الأهم في الموضوع، من الناحية الميدانية، بالإضافة طبعاً إلى المساحات الشاسعة التي يتمّ تحريرها حالياً، هو ما يقدّمه هذا التحرير إلى معركة الجيش واللجان و”أنصار الله” الكبرى، في الدفاع والتحرير، والذي يمكن حصره – حتى الآن – في التالي:
بعد السيطرة مؤخَّراً على مدينتي بيحان وحريب في شبوة وتحريرهما، أصبحت كل الطرق المباشِرة والرابطة بين مدينة شبوة ومدينة مأرب مقطوعة، الأمر الذي يمنع أي دعم ومساندة متبادلَين بين وحدات العدوان في المدينتين، إلّا من خلال التوسُّع شرقاً عبر طريق العبر- حضرموت، التي يتجاوز طولها 400 كلم، الأمر الذي يفرض ضغوطاً كبيرة على مناورة وحدات العدوان والمرتزقة في الدفاع عن مأرب، أو في الدفاع لاحقاً عن شبوة.
أيضاً، بعد السيطرة مؤخَّراً على كامل محافظة البيضاء، وخصوصاً مديريتي الصومعة ومسورة، أصبحت وحدات الجيش واللجان الشعبية تمتلك نقطة ارتكاز ملائمة، عسكرياً وميدانياً، من أجل التوجُّه جنوباً نحو مكيراس ولودر، في اتجاه مدينة زنجبار الساحلية جنوباً، مع الإمكان، في وقت لاحق، وفيما لو تطوَّرت العمليات في المحور المذكور، لفصل مدينة عدن عن المدن والمحافظات الشرقية (شبوة وأبين والمهرة وحضرموت) بصورة كاملة.
من الناحية العسكرية، والتي تُضاف إلى المعطيات الميدانية، في سياق تأكيد فكرة أن العدوان على اليمن يلفظ أنفاسه الأخيرة، من المفيد الإضاءة على التالي:
في الفترة الأخيرة، أصبحت وحدات الدفاع الجوي للجيش واللجان الشعبية تنجح في إسقاط نسبة كبيرة من طائرات العدوان المسيَّرة، والتي لطالما كانت تؤدي دوراً أساسياً في معركته، لناحيتي الرصد والمراقبة، أو لناحية كشف تقدُّم الوحدات البرية للجيش واللجان الشعبية وحركتها، الأمر الذي أثّر سلباً في القدرة الدفاعية للعدوان. والنتيجة لذلك يمكن تلمُّسُها في التقدم الميداني الأخير لوحدات حكومة صنعاء، والذي كان لافتاً في سرعته، وفي المساحات الكبيرة التي استعادها.
كان لافتاً أيضاً مؤخَّراً، تزايدُ عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة من جانب الجيش اليمني واللجان الشعبية، داخل الميدان اليمني. ولم تعد عمليات الإطلاق هذه مقتصرة على الاستهدافات الاستراتيجية خارج اليمن، تحت عنوان الردع. وهذه المناورة الصاروخية والجوية الداخلية، أدّت دوراً أساسياً في دعم وحدات المشاة في الجيش و”اللجان” ومساندتها، في الوقت الذي كانت تتقدَّم في صورة صاعقة وكاسحة.
الأهم في الموضوع أيضاً، من الناحية العسكرية، يمكن استنتاجه من متابعة المشاهد والأفلام والصور التي وثَّقت عمليات التقدُّم البرية الأخيرة، وذلك في طريقتَيِ التقدم والمناورة، وفي تكتيكات الالتفاف والتسلُّل البعيد لوحدات المشاة وللوحدات الخاصة التابعة للجيش واللجان الشعبية، بحيث أثبتت تلك الوحدات أنها أصبحت تمتلك خبرة غير مسبوقة في القتال الخاص، وفي اختراق خطوط الدفاع المحصَّنة للعدوان، ولم يعد هناك إمكان، كما يبدو، لإيقافها في أيّ جبهة محصَّنة، أو في أي خط دفاع مهما كان متماسكاً.
وأخيراً، من الناحية الاستراتيجية، من غير المنطقي أو الطبيعي أن يكون ما زال لدى العدوان التزامٌ بشأن متابعة الحرب، أو قدرة على ذلك، مع هذا الانهيار في كل جبهات المواجهات، ميدانياً وعسكرياً، طوالَ فترة تجاوزت ثلاثة أعوام إلى الوراء. وإلّا، فلماذا هذا التراجع اللافت لقوى العدوان؟ وفي المنطقة الأهم لمعركتها؟ ومع هذه المعطيات، لم يعد مستبعَداً أن نتكلم على استسلام العدوان، وبدء انسحابه من المعركة، ووقف دعمه للمرتزقة ولـ”قوات هادي”، وخصوصاً أن من يخوضون معركة العدوان مؤخَّراً، هم الدبلوماسيون الأميركيون ومبعوث الأمم المتحدة لدى اليمن، والذين لا تنقطع مطالباتهم يومياً بوجوب عدم تقدُّم الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى مأرب، بحيث فقدوا القدرة العسكرية على وقف ذلك، ولم يعد لديهم سوى التذرُّع بالعامل الإنساني، والذي يتم استغلاله من خلال ادّعاء حرصهم وخوفهم على سلامة المدنيين والنازحين في مأرب.