«الحياد» في البحر الأحمر: السعودية فهمت الدرس ..وتلويح أمريكي بعدوان شامل: صنعاء تعدّ لتوسيع عملياتها
«الحياد» في البحر الأحمر: السعودية فهمت الدرس
تنظر السعودية بنوع من الشماتة السياسية إلى حليفتها الولايات المتحدة، وهي تتورّط في الصراع القائم مع حركة «أنصار الله» في البحر الأحمر، من دون أن تجد أي إمكانية للخروج، في ما يشبه الورطة نفسها التي علق بها السعوديون لسنوات. ولعلّها المرة الأولى منذ عقود التي تنجح فيها الرياض في التحلّل من أعباء التحالف مع واشنطن، وتطبّق مبدأ «السعودية أولاً»، وتظهر وكأنها تمسك بالعصا من الوسط، فلا هي قطعت مع الأمريكيّين، ولا انحازت إلى اليمن بالتزامه الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وعن هذا «الحياد»، لا يزال مقال الكاتب السياسي السعودي المقرّب من دوائر القرار في المملكة، عبد الرحمن الراشد، في صحيفة «الشرق الأوسط»، في تاريخ 16 الجاري، يثير كثيراً من الجدل في اليمن والخليج، كونه يعكس، من وجهة نظر مراقبين ومسؤولين في المنطقة، التوجّه السعودي العام، القائم على التخلّص من تبعات الحرب مع اليمن، والتوازن في العلاقة بين الحليفة الإستراتيجية واشنطن والجارة طهران، بما يخدم المصلحة السعودية.
ولم يمضِ وقت طويل حتى تظهّر الموقف السعودي رسمياً بشكل لا لبس فيه، حين ربط وزير الخارجية فيصل بن فرحان، في دافوس، مباشرة بين الأمن في البحر الأحمر ووقف إطلاق النار في غزة.
ويبدو أنّ مجموعة من العوامل أدت إلى اتخاذ الرياض موقف الحياد، الذي يظهر تكتيكياً أقرب إلى صنعاء من واشنطن. إذ إن متطلّبات التحالف الأمريكي – السعودي توجب على المملكة الالتحاق بحلف «حارس الازدهار»، ولكن تجربة الحرب مع اليمن والتي استمرّت ما يقرب من عقد، وما تعرّضت له السعودية فيها من خذلان من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة جعلها تلاقي الهزيمة المرّة هناك، بل ومن ابتزاز سياسي ومالي دائم من جانب واشنطن، تحملها على رفض الانجرار مع الأخيرة لضرب «أنصار الله» في اليمن.
والواقع أن ثمة اعتقاداً في دوائر القرار السعودي بأن عدم التدخل الأمريكي المباشر في حرب اليمن، أدى إلى خسارة المملكة للحرب (تعتبر القيادة السعودية أن المعونة الاستخباراتية والفنية واللوجستية والاستشارية الأمريكية، فضلاً عن التبنّي السياسي الكامل وصفقات التسلح الأمريكي، كلّها لم تكن كافية للفوز). ولعلّ أكثر ما حفر عميقاً في وجدان الرياض، تخلّي واشنطن عن حمايتها أثناء هجمات «أرامكو» عام 2019، الأمر الذي أفقد اتفاقية الحماية بين البلدين، والمعمول بها منذ خمسينيات القرن الماضي، أي معنى.
ومن هنا سارعت السعودية إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية في السنوات التالية، ساعية إلى حلول ديبلوماسية لمشكلاتها الإقليمية بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة لإنقاذها.
ويشير تعاطي السعودية مع أحداث البحر الأحمر إلى أنها استخلصت العبر، وامتلكت خبرة سياسية واسعة جعلتها تنظر إلى مصالحها أولاً. وعلى هذا الأساس، عزلت نفسها عن التصعيد، خصوصاً أنها تعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال تمارس سياسة الابتزاز معها، عبر محاولة ربط محادثات السلام التي تجري مع اليمن، بالتوتر الحاصل حالياً في البحر الأحمر، بينما تعتبر المملكة أنّ مفاوضات السلام منفصلة عنه. وقد شعر المسؤولون السعوديون، بالفعل، بأن زيارة المبعوث الأمريكي لليمن، تيم ليندركينغ، الأخيرة إلى المنطقة، قائمة على فكرة واحدة، وهي جعل مسار السلام اليمني – السعودي ورقة تفاوض بيد واشنطن، تُستخدم لرفع الحصار اليمني عن إسرائيل، من دون أيّ مراعاة لمصالح الطرفين المعنيّين بالحرب، أي صنعاء والرياض. لا بل إن هناك عملاً حثيثاً تقوم به الولايات المتحدة عبر وكلائها الإماراتيين والمحليّين في اليمن لإعادة شبح الحرب وإشعال الصراع المحلي، وبالتالي إنهاء الهدنة بشكل فعلي.
في المقابل، تقوم سياسة المملكة الحالية على مراعاة مجموعة من المصالح، منها اليمنية والإيرانية (ثمة تواصل سعودي – إيراني دائم وبالعمق، وكذلك تواصل سعودي – يمني مباشر أو بواسطة سلطنة عمان)، فيما أدى رفض الانخراط في تحالف «حارس الازدهار» الذي كان مخطّطاً أن يستفيد من الأراضي والمقدّرات السعودية، إلى اطمئنان السعودية إلى تأمين عدد من الثغرات ونقاط الضعف، وتحييد منشآتها الحيوية وحدودها مع اليمن عن التوتير الحاصل في المنطقة.
تلويح أمريكي بعدوان شامل: صنعاء تعدّ لتوسيع عملياتها
تعيش أمريكا حالة تخبّط بعد فشل كلّ عملياتها العسكرية التي نفّذتها على مدى الأسبوعين الماضيين ضد ما قالت إنها أهداف حساسة لحركة «أنصار الله»، في وقف عمليات صنعاء ضد الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، فيما تبيّن أن المواقع المستهدفة سبق لقوات التحالف السعودي – الإماراتي أن شنّت عليها عشرات الغارات الجوية.
وفي إطار العمليات الهجومية المتبادلة، أكّدت مصادر مقرّبة من «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، أن صنعاء أوشكت على إنهاء ترتيباتها لشن عملية عسكرية واسعة النطاق على القوات الأمريكية والبريطانية في البحريْن الأحمر والعربي، وذلك رداً على الغارات التي يشنها البلدان على اليمن.
وكانت القيادة المركزية الأميركية، ربطاً بآخر الاعتداءات المُسجّلة يوم الجمعة، زعمت أنها شنّت غارتين على أهداف حساسة، من دون أن تذكر اسم المنطقة المستهدفة، في حين ذكرت وسائل إعلام في صنعاء وقتها أن تلك المنطقة هي الجبانة الواقعة في جنوب مدينة الحديدة، بالقرب من مطار المدينة، والتي تضم معسكراً مهجوراً منذ سنوات. إلا أن مصادر مطّلعة استبعدت، في حديث إلى «الأخبار»، أن تكون الضربة قد وقعت هناك، مرجحةً أن تكون قد استهدفت مناطق واقعة على التماس مع المحافظات الجنوبية.
ورغم إشارة واشنطن إلى أن العملية أفشلت محاولة استهداف سفن في البحر العربي وخليج عدن، إلا أن صنعاء تعتمد في ردّها على هذه المزاعم، تنفيذ المزيد من الهجمات التي تؤكد من خلالها أن قدراتها العسكرية بعيدة عن المخاطر.
وبينما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الولايات المتحدة تخطّط لحرب مستمرة في اليمن لا تشمل غزواً برياً، لكنها تنطوي على تكثيف للضربات إلى حدّ إضعاف القدرات اليمنية، فإن الجانب اليمني اتّبع ولا يزال في مواجهته مع الولايات المتحدة، استراتيجية النفس الطويل، والتي أكّدها قائد «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي، في خطابه الأخير قبل أيام.
واشنطن تضغط على شركات الشحن لوقف إبحارها عبر البحر الأحمر
في هذا الوقت، انتقلت الإدارة الأمريكية إلى حرب الضغط على شركات الشحن لوقف إبحارها عبر البحر الأحمر، وذلك بعد أيام من إيقاف السفن ومنعها من المرور في مضيق باب المندب واحتجازها بالقرب من السواحل الجيبوتية.
وأكّدت مصادر ملاحية يمنية، لـ«الأخبار»، أن حركة الناقلات في البحر الأحمر متواصلة، لكنها تراجعت بفعل إعلان عدد من شركات الملاحة الدولية وقف إبحار سفنها من الممر الملاحي الدولي، نتيجة الضغوط الأمريكية على إدارات الشركات المشغّلة لها.
وأشارت المصادر إلى أن الوضع الملاحي حتى منتصف الشهر الماضي كان شبه طبيعي، ولكن بعد إنشاء تحالف «حارس الازدهار»، بدأت الحركة بالتراجع التدريجي بفعل المخاوف التي تسبّبت بها الولايات المتحدة، جرّاء حشدها البوارج والمدمّرات في البحريْن الأحمر والعربي تحت ذريعة تأمين الملاحة البحرية.
ولفتت المصادر إلى أن البحرية اليمنية تفرض تواجدها العسكري على امتداد المياه الإقليمية، مضيفةً أن غالبية السفن التي تمر عبر البحر الأحمر تتواصل مع القوات البحرية التابعة لصنعاء على «القناة 16»، ويتم السماح لها بالمرور من دون اعتراض، باستثناء تلك التي تحاول المرور بحماية سفن عسكرية وتكون في الغالب أمريكية، أو السفن التي تتعمّد إغلاق أجهزة التعريف وإخفاء هويتها ووجهة سفرها.
وأشارت إلى أن مرور السفن المتجهة نحو موانئ الاحتلال الإسرائيلي توقّف في البحر الأحمر بعد فشل «التحالف» في تمرير أي سفينة إلى هناك، خلال الشهر الفائت، وهو ما يفسر تراجع الهجمات العسكرية اليمنية على هذه السفن.
وبالتوازي مع ذلك، حاولت صنعاء، عبر عدد من القنوات الدبلوماسية، تبديد مخاوف كثيرة من تداعيات عملياتها والتحذير في المقابل من مخاطر التحشيد الأمريكي – البريطاني على الملاحة الدولية في أهم المضائق المائية.
ووفقاً لبيان أصدرته وزارة الخارجية في حكومة الإنقاذ، أمس، فإن الأخيرة لقيت تفهّماً دولياً وحرصاً على أمن الممر الملاحي الدولي.
واتهمت الوزارة الولايات المتحدة، بوقف عشرات السفن التي كانت مرت عبر البحر الأحمر بسلاسة، ومن دون أي مخاطر، قبالة قناة السويس ومنعها من المرور، بهدف الضغط على مصر التي رفضت كل الإغراءات الأمريكية خلال الفترة الماضية لدفعها إلى الانخراط في إطار تحالف «حارس الازدهار».
وأدرج وزير الإعلام في الحكومة نفسها، ضيف الله الشامي، بدوره، تلك الممارسات في خانة الابتزاز، ومحاولة تصوير عمليات صنعاء على أنها المتسبّبة بتعرقل السفن التجارية، وبالتالي خلق أزمة عالمية من أجل إنقاذ إسرائيل، حتى وإن خاطرت باقتصاد العالم.
* المصدر: الاخبار اللبنانية