الحلول السعوديّة لا تعمل: احتدام الصراع على الموارد جنوباً

 

يتواصل التعثّر في تنفيذ «اتفاق الرياض»، على رغم إعلان قيادة التحالف السعودي – الإماراتي أخيراً الاتفاق على بدء تطبيقه. مردّ ذلك إلى استمرار الخلافات العميقة بين طرفَيه، ومن ورائهما رعاتهما، حول ملفّات كثيرة، ليست محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز، والتي تتنازعها الرياض وأبو ظبي في صراع غير مباشر بينهما، مستثناةً منها

لا يزال من المبكر الحكم على نجاح خطّة الفصل بين القوات العسكرية المتقاتلة، التابعة من جهة لمّا يُسمّى «الشرعية»، ومن جهة أخرى لـ»المجلس الانتقالي الجنوبي»، في محافظة أبين. لكن الأكيد أن الخطّة تسير ببطء وفق مصادر الطرفين المتنازعين، اللذين يلقي كلّ منهما باللائمة على الآخر في تأخير الانسحاب من جبهات القتال، ويتّهمه بمحاولة التملّص من تعهّداته أمام السعودية. وإلى الآن، لم يتمّ تحقيق سوى جزء بسيط من الترتيبات العسكرية المتّفق عليها، فيما لا يزال الوضع قابلاً للانفجار في أيّ لحظة. المفارقة أن ما تمّ العمل على تداركه في آلية تسريع تنفيذ «اتفاق الرياض»، لم يشمل جميع المحافظات التي تشهد نزاعاً بين الطرفين. ولذا، تسود حالة توتّر شديد محيط منشأة بلحاف في محافظة شبوة (شرق)، بحسب مصادر عسكرية وإعلامية متطابقة تحدّثت عن تعرّض المنشأة لهجوم بقذائف «الهاون»، في حادث غير مسبوق، تدخَّل على إثره الطيران الإماراتي في عملية التصدّي للهجوم، الذي وصفته مصادر إماراتية بـ»العدائي من قِبَل عناصر إرهابيين تابعين لحزب الإصلاح الإخواني».

انتقال الصراع، مرّة أخرى، إلى محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز له بعده المحلّي، وأهمّيته في رسم الخارطة السياسية لليمن، وتأثيره في تغذية النزاع وإطالة أمد الحرب، وفي شكل نظام الحكم مستقبلاً (يعتقد الخبراء أن المحافظات الجنوب – غربية غير قادرة على تلبية حاجاتها المالية والاقتصادية من دون المحافظات الجنوب – شرقية الغنية بالنفط). وتُعدّ «بلحاف الغازية» منشأة اقتصادية استراتيجية، كانت تدرّ جزءاً أساسياً من واردات اليمن قبل الحرب، وحُيّدت من الصراع لاحقاً، وتمتلك شركة «توتال» الفرنسية 40% من أسهمها، وتتواجد فيها قوات إماراتية منذ بداية العدوان، الأمر الذي أدّى إلى توقّف عملها نهائياً على رغم المطالبات الرسمية باستئناف نشاطها.

تصرّ السعودية على إبقاء الهلال النفطي الممتدّ من شبوة وحتى وادي حضرموت من نصيبها

غير أن النزاع على شبوة وبقية المحافظات النفطية ليس محصوراً بالبعد المحلي، إنما هو أيضاً ذو أبعاد إقليمية ودولية لا تقلّ أهمية، بل إن الخبراء والمطّلعين يرجعون إطالة مدّة الحرب، في جزء منها، إلى عدم حسم حصص الدول المشاركة في العدوان من «كعكة» هذا البلد. دولياً، دخلت فرنسا هذه المرّة بالكشف عن تحوّل منشأة بلحاف إلى سجن سرّي يمارَس فيه التعذيب من قِبَل الإمارات، الأمر الذي ولّد استغراباً في الأوساط السياسية والشعبية اليمنية، كون المنشأة ليست الوحيدة التي تتّخذ منها أبو ظبي سجناً سرّياً، بعدما كشفت المنظّمات الدولية عن عشرات السجون الأخرى التي يرعاها الإماراتيون من دون يثير ذلك القادةَ الغربيين عموماً والفرنسيين خصوصاً. بات الجميع (في اليمن وغيره) يدرك أن الغرب ينظر إلى الحرب على اليمن بعين مصالحه الخاصة، ومن منظار صفقات التسلّح الكبرى مع الخليج وشركات النفط. وفي السياق، وَجّه، نهاية الأسبوع الماضي، 51 نائباً في البرلمان الفرنسي رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، حول وجود قاعدة عسكرية ومركز احتجاز للجيش الإماراتي ضمن حدود «بلحاف». وفي معلومات «الأخبار»، فإن الدبلوماسيين الفرنسيين المعتمدين في اليمن يطرحون قضية المنشأة المذكورة في كلّ المناسبات واللقاءات الرسمية والحزبية، بل تكاد تكون الموضوع الوحيد المطروح لديهم. وعلى إثر رسالة النواب الفرنسيين، دار نقاش واسع في فرنسا حول المسؤولية الأخلاقية للحكومة الفرنسية تجاه تحويل مصنع تسييل الغاز إلى قاعدة عسكرية وسجن ومركز تعذيب، وحرمان اليمن من الاستفادة منه.

إقليمياً، يستمرّ التوتر بين فصائل ما يُسمّى «الشرعية» (المدعوم بعضها من قطر وتركيا أيضاً) من جهة، والميليشيات الموالية للإمارات من جهة أخرى، منذ آب/ أغسطس من العام الماضي، عندما تَمكّنت قوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، من السيطرة على المحافظة. إلا أن توقيت التصعيد الحالي مرتبط بالتحرّكات السعودية في محافظة أبين المجاورة لتنفيذ الشق العسكري من «اتفاق الرياض»، والذي يتبادل «الإصلاح» والإمارات الاتهامات بالسعي لإفشاله. وتُشكّل شبوة أحد ملفّات الخلاف بين السعودية والإمارات؛ إذ تطالب الأخيرة بإبقاء المحافظة من نصيب أتباعها في «المجلس الانتقالي الجنوبي»، في حين تصرّ الأولى على إبقاء الهلال النفطي الممتدّ من شبوة وحتى وادي حضرموت من نصيبها بحكم محاذاته للحدود. وهو أمر لا يروق لـ»الانتقالي»، الذي يبقى مشروعه للانفصال ناقصاً ما لم يضمّ إلى مناطق نفوذه المحافظات الغنية بالنفط أو إحداها على الأقلّ.

وفي السياق، اتهم قيادي بارز في «الانتقالي» في شبوة، السعودية، بتدبير الهجوم على القاعدة الإماراتية في بلحاف. وقال سالم الشيبة إن خلافات إماراتية – سعودية تصاعدت خلف الكواليس، في إشارة إلى رفض أبو ظبي تنفيذ «اتفاق الرياض» قبل حسم ملفّات عالقة كشبوة، معتبراً أن ضرب «بلحاف» تمّ بضوء أخضر سعودي، وهو يهدف إلى رفع يد الإمارات عن شبوة وحضرموت. وحذّر من تحويل المحافظة النفطية إلى مسرحٍ لحرب بالوكالة، مشيراً إلى أن المصالح الإقليمية فيها متضاربة، في تأكيد لاستمرار تمسّك أبو ظبي بها. في المقابل كشف محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، المحسوب على «الإصلاح»، عن تعرّضه لعدّة محاولات اغتيال خلال العامين الماضيين من قِبَل «مرتزقة تابعين للإمارات». ورأى بن عديو، في حوار أجرته معه صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن الإمارات تتصرّف في المحافظة كـ»قوة استعمارية»، كاشفاً أنها أرسلت إليه مبعوثاً في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وعرضت عليه كلّ ما يريد من المال والمساعدة لمنطقته، بشرط أن يتوقف عن الحديث عن شركة «توتال».

 

الأخبار اللبنانية

قد يعجبك ايضا