الحرب في عدن سعوديّة إماراتيّة بواجهات يمنيّة.. لماذا تحوّل التحالف إلى الخُصومة؟ وما هي الحُلول والمخارِج المُمكنة لتطويق الأزَمَة؟
تتواصل الاشتباكات الدمويّة في مدينة عدن بين قوّات الحزام الأمني التّابعة للمجلس الانتقالي اليمني الانفصالي والمدعومة إماراتيًّا، وبين قوّات حكوميّة تابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي، إثر مُحاولة اقتحام الأولى، أيّ الحزام الأمني، قصر المعاشيق، مقر الحُكومة المُؤقّتة بعد مُطالبة قادة المجلس الانتقالي بإسقاطها.
الصّدامات الدمويّة هذه داخل التحالف السعودي الإماراتي الذي يخوض الحرب ضد حركة “أنصار الله” الحوثيّة في اليمن، جاءت بعد اتّهام المجلس الانتقالي حزب الإصلاح اليمني الإسلامي المدعوم سعوديًّا بالتّواطؤ في هُجومٍ صاروخيٍّ استهدف عرضًا عسكريًّا لقوّات (المجلس الوطني) أدّى إلى مقتل العشرات كان بينهم العميد منير اليافعي، أحد أبرز قادة قوّات الحزام الأمني.
إنّها حربٌ بالإنابة بين الحَليفين الرئيسيين، أيّ المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات، تأتي انعكاسًا للخِلاف الصّامت بينهما الذي بلغ ذروته بعد قرار الأخيرة، أيّ الإمارات، سحب قوّاتها من اليمن، ووقف مُشاركتها العسكريّة فيها، وإرسال وفد أمني تابع لها إلى طِهران لبحث قضايا أمنيّة وحدوديّة مُشتركة بين البلدين، ودون التّنسيق مع الحليف السعودي.
العلاقات بين العرب تتّسم بالمزاجيّة الحادّة، وتنتقل في أحيانٍ كثيرةٍ من التطرّف في التحالف والود إلى التطرّف في الخُصومة والعداء، ويبدو أنّ هذه القاعدة تنطبق حاليًّا بطريقةٍ أو بأخرى، على العلاقات السعوديّة الإماراتيّة.
المُطالبات لا تتوقّف عن ضرورة التحلّي بضَبط النّفس ووقف هذه الاشتباكات الدمويّة فورًا حقنًا للدماء، وضرورة التوصّل إلى هدنة ولو مؤقّتة بمُناسبة حُلول عيد الأضحى المُبارك، ولكنّ الوقائع على الأرض تقول بغير ذلك.
دولة الإمارات تُجاهر بدعمها لانفصال الجنوب، وقيام دولة تخضع لسيطرتها، وعبّر أكثر من مسؤولٍ إماراتيٍّ عن هذه الاستراتيجيّة، بينهم الدكتور عبد الخالق عبد الله، الناطق شبه الرسمي للشيخ محمد بن زايد، وليّ عهد الإمارات، الذي قال أن اليمن لن يعود مُوحّدًا مِثلما كان عليه الحال في السابق، والفريق ضاحي خلفان، نائب رئيس شرطة دبي الذي طالب علنًا بانفصال الجنوب في إحدى تغريداته، وانتقد الرئيس هادي مُذكّرًا له بأنّه لم ينتصر قائد يُقيم في الفنادق.
السعوديّة في المُقابل تتمسّك بالرئيس هادي وتعتبر “شرعيّته” غطاء ضروريًّا لتبرير حربها التي دخلت عامها الخامس في اليمن، وأرسلت دبّاباتها وطائراتها لحماية قوّاته في عدن، ومنع اقتحام قصر المعاشيق بالتّالي، في مُواجهةٍ مُباشرةٍ مع قوّات الحِزام الأمني المدعومة إماراتيًّا، مُعلنةً بذلك مُعارضتها المُسلّحة للإمارات ومشروعها في الجنوب.
لا نعتقد أننا سنرى حلًّا وشيكًا لهذه الأزمة الدمويّة في عدن، وإن كنّا لا نستبعِد “هدنة” مؤقّتة تعود بعدها الحرب بالإنابة بين أنصار السعوديّة والإمارات إلى مرحلةٍ ربّما تكون أكثر شراسةً في المُستقبل المنظور.
الإمارات والسعوديّة خسِرتا الحرب في اليمن، الأولى قرّرت الانسحاب وتقليص الخسائر، والثانية تبحث عن مخرج بعد أن وجدت نفسها وحيدةً في مُواجهة حركة “أنصار الله” الحوثيّة التي تتوغّل في أراضيها وتعطّل مطاراتها في الجنوب، وتملك ترسانة هائلة من الصواريخ والطائرات المُسيّرة.
ربّما من المُبكر الجزم بأنّ الحوثيين هم الطّرف الرابح حتى الآن لصُمودهم ووحدتهم وتفكّك خُصومهم نتيجة صراعات داخليّة، سواء على صعيد الدول، أو الجماعات المُسلّحة، ولكنّها الحقيقة، التي تتجلّى وقائعها على الأرض، وحرب عدن الأهليّة هي أحد الأدلّة.. واللُه أعلم.
افتتاحية رأي اليوم