الحرب في اليمن تعري السياسة الأمريكية وتكشف أقنعتها..
سبقت جماعة أنصار الله الحوثية الكثير من المكونات والأحزاب والأنظمة والفعاليات السياسية، على مستوى المنطقة والعالم، في كشف التحركات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وكثير من دول العالم، وفق خطط واستراتيجيات مدروسة أحكمت الولايات المتحدة وضعها بما يتوافق مع أجندات مصالحها وأطماعها في ثروات الشعوب ومواقعها الاستراتيجية المهمة،
خصوصاً التي تتحكم في منافذ بحرية تُعدّ خطوطاً رئيسة للملاحة الدولية، وتعبر من خلالها السفن التجارية التابعة لأكبر الاقتصادات العالمية، ومنها اليمن، التي تتحكم في أهم المنافذ البحرية وهو مضيق باب المندب، ومنذ أن تبنت جماعة أنصار الله عداءها المعلن والواضح لأمريكا وإسرائيل، تقريباً في عام ألفين واثنين، على لسان مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي، أقامت الولايات المتحدة الدنيا ولم تقعدها، واستنفرت كل قوى وطاقات النظام اليمني حينها والذي كان أشد حلفائها في المنطقة وفاءً وامتثالاً لخدمة مصالحها، في سبيل القضاء التام على تلك الجماعة، إذ أعلن النظام حينها الحرب عليها وفقاً للأوامر الأمريكية مستخدماً كل ألوية قواته المسلحة على اختلاف تخصصاتها، بما فيها طيرانه الحربي الذي سوّى قرىً بأكملها بالأرض في محافظة صعدة، معقل الحوثيين في ذلك الوقت، والتي انطلقت منها حركتهم، وانتهت الحروب الست التي أشرفت عليها السفارة الأمريكية في صنعاء بشكل مباشر بمقتل مؤسس الحركة، حسين بدر الدين الحوثي، إلا أن الحركة لم تنتهِ بمقتله كما ظنت الولايات المتحدة والنظام اليمني الحليف لها، بل تهيأت لها الظروف لإعادة تجميع صفوفها والتوسع الكبير حتى أصبحت أكبر وأهم مكون في الجمهورية اليمنية، آخذةً على عاتقها الاستمرار في تعرية السياسات الأمريكية حتى تمكنت من انتزاع حرية واستقلال القرار اليمني من هيمنة السفارات الأجنبية وفي مُقدَّمها الأمريكية والسعودية، وكان ذلك أمراً بالغ السوء على الولايات المتحدة والمملكة السعودية والإمارات، وهما الأداتان الأبرز لواشنطن في المنطقة، ونتيجة لذلك تم إعلان الحرب على اليمن صبيحة السادس والعشرين من شهر مارس عام 2015، من داخل الأراضي الأمريكية، بقيادة الرياض وأبوظبي، وتحت مبرر إعادة الشرعية وإعادة الدولة وإعادة الجمهورية، والكثير من المسميات والشعارات، على اعتبار أن الحوثيين سلبوا اليمن كل ذلك، ولكن الحرب لم تكن سوى على اليمنيين أرضاً وإنساناً ومقدرات، ولا تزال حتى اليوم وقد أوشكت على دخول عامها الثامن بالأسلوب نفسه والطرق الوحشية ذاتها، وقد خفتت وتوارت كل الشعارات والعناوين، وتكشفت النوايا والأهداف الحقيقية من الحرب، تماماً كما قرأها الحوثيون منذ عام 2002م.
وقبل أن تبدأ الولايات المتحدة الحرب على اليمن بالوكالة والمشاركة المباشرة، سواءً في الميدان أو عبر صفقات الأسلحة لحليفتيها في المنطقة، السعودية والإمارات، حرصت وعبر وسائل إعلام الدولتين الحليفتين على تضليل الرأي العام العالمي والعربي، مشرعنةً الحرب، ومقدمةً نفسها راعيةً لمصالح اليمن واليمنيين، وأنفقت الرياض وأبوظبي- وما زالتا- أموالاً باهظة لشراء ضمائر ومواقف العالم، إزاء الجرائم البشعة التي ترتكبها طائراتها وآلتها الحربية بحق اليمنيين، ليتخذ الغالبية موقف الصمت وغض الطرف عن مئات الآلاف من الأطفال والنساء الذين أزهقت أرواحهم بقصف الطائرات، ورأى العالم أجمع ما وثقته الكاميرات من أشلاء مزقتها القنابل والصواريخ على مدى أكثر من سبع سنوات، ودفنتها تحت أنقاض المنازل والمدارس والمستشفيات وقاعات الأعراس والمساجد وفي الطرق والأسواق والمزارع، إلا أن النفاق العالمي ظل يلتزم الصمت مقابل مصالح وصفقات تخلوا مقابلها عن إنسانيتهم وسقطوا أخلاقياً، وفي المقابل لم يكن أنصار الله كما ظنت الولايات المتحدة وحلفاؤها هدفاً سهلاً فقد التف حولهم ملايين اليمنيين في مناطق الكثافة السكانية التي تقع تحت سيطرتهم، وقد أصبحوا وعياً بما يدور ويحاك ضد بلادهم، عدا القليل من حاصدي المال والوعود الزائفة التي يمنيهم بها التحالف، وهي لا تساوي شيئاً مقابل تفريطهم في سيادة بلادهم ودماء إخوانهم.
ويرى مراقبون أن وقوف اليمنيين في وجه المشروع الأمريكي بذلك الثبات والعزم كان أشبه بفتح المجال للمزيد من تعرية سياسات الولايات المتحدة، لكن هذه المرة من مراكز بحوث ودراسات وأكاديميات وكُتّاب وشخصيات سياسية ودينية اعتبارية، وكلٌ لا يزال يدلي بدلوه، لتستمر إزالة المساحيق التي طالما ظلت تخفي قبح السياسة الأمريكية وتجمّل وجهها القبيح وأياديها الملطخة بدماء الأبرياء، وكان أحدث ما تناولته مواقع إخبارية متعددة مقال نشره موقع “ذا كناري” الإسباني، للصحافي بيتر بولتون، ذكر فيه أن حرب التحالف المستمرة في اليمن والتي تقودها السعودية، الحليف الأبرز لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط لا تزال ترتكب الفظائع والأعمال الوحشية، موضحاً أن سلوكها يفضح المعايير المزدوجة الوقحة للولايات المتحدة، عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، معتبراً الحرب دليلاً قائماً وواضحاً على استخدام الولايات المتحدة المخزي للحروب بالوكالة لتعزيز مصالحها الجيوستراتيجية.
الصحافي بولتون أشار في مقاله إلى أن تصعيد التحالف العسكري الذي حدث مؤخراً في اليمن، ليس سوى إضافة إلى قائمة طويلة من الفظائع التي ترتكبها قوات التحالف بقيادة السعودية، إلى جانب الإمارات، الحليف الآخر للولايات المتحدة.
في السياق، نشر معهد بروكينغز مقالاً للمختص في شؤون الأمن والاستراتيجيا، بروس ريدل، ذكر فيه أن الحوثيين انتصروا وهزموا معارضيهم، والسعوديين والإماراتيين الذين تدخلوا ضدهم بدعم من الولايات المتحدة، معتبراً ذلك إنجازاً لافتاً لجماعة لا تملك قوة جوية أو بحرية، ووصف ريدل انتصار الحوثيين بأنه قصة نجاح مدهشة، رغم الثمن الباهظ للحرب.
YNP – إبراهيم القانص :