الحرب على اليمن.. عبثية بالأرقام
الخسائر البشرية في اليمن لم تكن لتقع بهذه الأعداد الهائلة لو لم تتدخل الآلة العسكرية الثقيلة للمملكة العربية السعودية وحلفائها في تلك البلاد، فبحسب الأمم المتحدة هناك أكثر من 5000 شهيد و25 ألف جريح في هذه الحرب التي يُأمل أن تضع أوزارها مع انتهاء مفاوضات وقف إطلاق النار الدائرة في سويسرا.
لا يمكن أن يمر تصريح رئيس الحكومة اليمنية خالد بحّاح منذ بضعة أيام مرور الكرام، الرجل الذي يُعتبر في موقع المسؤول سبق له وأن أعلن مفاجأته بانطلاق عملية “عاصفة الحزم” العسكرية في أيامها الأولى ليعود بعد ذلك ويعتبر بأنها جنّبت اليمن حروباً لسنوات واقتتالاً داخلياً، أما اليوم فيبدو وبحرفية ما قال “عازم على إنهاء الحرب العبثية في اليمن التي تسببّت بها ميليشيا الانقلاب”. نعم قد يُلخّص وصف “العبثية” الوضع في اليمن منذ آذار/مارس الماضي حتى اليوم.
قد يقول قائل بأن الوضع في اليمن لم يكن جيداً، تحديداً على صعيد الفساد المستشري في البلاد الذي أدى الى زعزعة الوضع السياسي مع تزايد الاحتجاجات المطلبية ووصول أنصار الله الى العاصمة صنعاء، ولكن مما لا شك فيه بأن الخسائر البشرية لم تكن لتقع بهذه الأعداد الهائلة لو لم تتدخل الآلة العسكرية الثقيلة للمملكة العربية السعودية وحلفائها في تلك البلاد، فبحسب الأمم المتحدة هناك أكثر من 5000 شهيد و25 الف جريح في هذه الحرب التي يُأمل أن تضع أوزارها مع انتهاء مفاوضات وقف إطلاق النار الدائرة في سويسرا.
إليكم أبرز التقارير التي صدرت عن منظمات دولية وحقوقية:
– أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً تحت عنوان “اليمن الحرب المنسية”، وفيه أن المدنيين هم الأكثر تضرراً من هذه الحرب التي سببّت بآلاف الشهداء والجرحى وأكثر من مليون نازح داخلي في صفوفهم فضلاً عما سببّته من تفاقم لأزمة إنسانية خانقة خلّفتها سنوات من الفقر وسوء الإدارة.
وبحسب “أمنستي” هناك أربعة من كل خمسة يمنيين يعتمدون على المساعدات الإنسانية بهدف البقاء على قيد الحياة فقط، فالخدمات الضرورية غير متوافرة لا سيما مياه الشرب النظيفة والكهرباء، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني لتخلق أوضاعاً بائسة للملايين من سكان اليمن”. التقرير المذكور يضيف بأن الحرب على اليمن أدّت الى دمار لحق بمنشآت البنية التحتية الرئيسية كالجسور والمطارات والموانئ ما عرقل حركة قوافل الإمدادات الإنسانية الضرورية ؛هذا فضلاً عن تكرار استهداف قوات التحالف بقيادة السعودية الطواقم الطبية والأعيان المدنية من قبيل المنازل والمدارس والأسواق والمساجد على الرغم من عدم تواجد مقاتلين أو أهداف عسكرية على مقربة منها، ما يجعل من الممكن لتلك الهجمات أن ترقى إلى مصاف جرائم الحرب.
وأشارت منظمة العفو الدولية الى عثورها على أدلة تشير إلى استخدام قوات التحالف لذخائر عنقودية وأسلحة انفجارية فتّاكة يُحظّر استخدامها بموجب القانون الدولي في صعدة شمال اليمن.
-وفي تقرير آخر للمنظمة ذاتها تحت عنوان “أطفالنا يُقصفون: المدارس تتعرّض للهجوم في اليمن”، تمت الإشارة مرة جديدة الى أن قوات التحالف بقيادة السعودية نفّذت سلسلة من الضربات الجوية، استهدفت المدارس التي كانت لا تزال قيد الاستخدام عند ضربها، الأمر الذي يشكّل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، ويحول دون حصول آلاف الأطفال اليمنيين على التعليم.
التقرير الذي كُتب بناءً على تحقيق في خمس ضربات جوية شُنّت في الفترة بين أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول 2015 ركّز على أن قوات التحالف تتلقى أسلحتها من دول، بينها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، داعية إلى تعليق جميع عمليات نقل الأسلحة التي تُستخدم لارتكاب انتهاكات للقانون الدولي والى إجراء تحقيق مستقل ومحايد في الهجمات الخمس وإخضاع المسؤولين عنها للمساءلة. كما تدعو التحالف إلى تقديم تعويضات كاملة لضحايا الهجمات غير القانونية وعائلاتهم.
– لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أيضاً أرقامها في هذه الحرب، فوفقاً لبياناتها، هناك ما يقرب من 10 ملايين طفل بحاجة ملّحة الى مساعدات إنسانية، حيث تضاعف عدد الأطفال دون سن 5 سنوات ممن هم عُرضة لخطر سوء التغذية الحاد خلال 2015 ثلاث مرات، حيث “أصبح 537,000 طفل عُرضة للخطر مقارنة مع 160,000 طفل فقط” قبل هذه الحرب، كما يتوقع أن يعاني ضعف عدد الأطفال تقريباً ممن هم دون سن الخامسة، “أي ما مجموعه 1,2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد المعتدل هذا العام مقارنة مع 690,000 طفل من قبل”.
أما على الصعيد التربوي، فتقول المنظمة في بيان لها بعد مضي ستة أشهر على الحرب تحت عنوان “النزاع في اليمن: يتسبّب بخسائر فادحة للأطفال”، لقد انقطع ما يقارب من 2 مليون طفل عن الدراسة، حيث أغلقت 3,584 مدرسة أبوابها، أي مدرسة من كل أربع مدارس، كما تضرّرت 860 مدرسة، أو تحوّلت الى مأوى للمهجّرين.
– وفي تقرير مصوّر لهيومن رايتس واتش تؤكّد المنظمة مرة أخرى استهداف المنازل السكنية والأسواق والتجمعات الكبيرة ما أدى الى وقوع آلاف الشهداء المدنيين أغلبيتهم بالضربات الجوية. وتقول الباحثة بلقيس ويلي في التقرير بأن “التحالف ببساطة غير حذر بما يكفي عندما ينفّذ غارات جوية في مناطق مأهولة بالمدنيين أو قربها، وأنه بارتكابه هجمات عشوائية على المدنيين لا يلتزم قوانين الحرب”. وفي تقرير آخر للمنظمة تحت عنوان “ما الهدف العسكري الذي كان في بيت أخي؟: غارات التحالف الجوية غير القانونية في اليمن”، يقول نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط جو ستورك إن “مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان لا يحرّكا ساكناً فيما تقتل قنابل التحالف المدنيين. على المجلسين الأمر بفتح التحقيقات التي أحجمت عنها الأطراف المسؤولة عن هجمات يظهر بوضوح أنها غير قانونية”.
بعد استعراض غيض من فيض التقارير التي تحدثت عن خرق القانون الدولي في هذه الحرب، لا بد من الإشارة الى أنه بالتأكيد هناك انتهاكات ارتُكبت من قِبَل أنصار الله وحلفائهم أيضاً ولكنها تبقى لا تُذكر اذا ما قارناها بالإمكانيات العسكرية لقوات التحالف السعودي، وأيضاً لنؤكّد على عبثية هذه الحرب التي اذا كانت قد أدّت إلى شيء فهو إلى إرجاع اليمن سنوات إلى الوراء كما أّدّت الى تعميق الشرخ الداخلي بين أبناء الشعب الواحد وانتشار أوسع لمنظمات إرهابية كالقاعدة وغيرها … أما الهدف من هذا الاستعراض المطوّل بعض الشيء هو التمسك بهذه الاستفهامات:
إذا ما توصل المجتمعون في سويسرا الى التهدئة هل سيجري التحقيق في كل الانتهاكات التي ارتُكبت على هذه الأرض؟ مَن سيقوم بهذه التحقيقات؟ هل ستتم المحاسبة؟ هل سيتم تعويض اليمن خسائره البشرية والمادية؟
والأهم هل ستكون هذه الأرقام المُضرجة بالدم والدموع برسم أي تحالف عسكري جديد قد يتشكّل؟!
رانيا ابي جمعة