الحرب اليمنية إلى إين؟
د. وليد عبد الحي أكاديمي وباحث في الدراسات المستقبلية
بدأت الحرب اليمنية السعودية قبل ست سنوات ونحن على اعتاب بدء السنة السابعة لها ، ورغم متابعتي الحثيثة طيلة هذه الفترة لمئات المقالات والدراسات والتقارير أو الرسائل الجامعية التي تتناول تطورات هذه الحرب من غربية (أمريكية واوروبية) أو روسية أو صينية أو إسرائيلية فأنني أؤكد انني لم اجد أي من كل ما ورد يتوقع انتصاراً سعودياً في هذه الحرب.
ويمكن تلخيص أهم ما اتفقت عليه هذه الدراسات في تفسير ” استحالة الانتصار” هو:
- الاستهانة السعودية والإماراتية بقدرة الخصم ، وبلغت هذه الاستهانة بتقدير ولي العهد السعودي أن الأمر لن يستغرق أكثر من أسبوعين الى ثلاثة للانتهاء من الحوثيين، بينما نحن على أبواب الأسبوع رقم 313 لبدء الحرب وميزان الحرب يميل حالياً لصالح الحوثيين كما يتضح في معارك مأرب، أي ان نسبة الاستهانة هي 99.42%، علماً ان المفكر الاستراتيجي الصيني لاو تسو (LaoTzu) وضع قاعدة تعتمدها كل المعاهد العسكرية وهي ان أول مبادئ الحرب ” لا تستهن بعدوك”.
- المعادلة الجبرية للقوة (algebraic factor) التي طرحها لورنس العرب قبل أكثر من قرن تقريباً، وهي المعادلة القائمة على متغيرات عدة أهمها التناسب الرياضي بين عدد القوات ومساحة منطقة الصراع وطبيعة التضاريس ومعرفتها، ولكي لا نغرق في تفاصيل تطبيق المعادلة في اليمن فأن تطبيقها يشير الى ان المعادلة تعمل لصالح الحوثيين أكثر منها لصالح السعوديين ، فحجم القوات في ميدان المعركة المركزي( اليمن الشمالي بشكل خاص) يشير إلى ان تطبيق المعادلة يشير الى تفوق حوثي يصل الى حوالي 40%. وفي هذا المقام يجب الاشارة الى ان الحوثيين يسيطرون حالياً على حوالي 60-62% من السكان (أي حوالي 18 الى 19 مليون نسمة) وحوالي 32% من المساحة ( حوالي 158 الف كم2)، بينما يتوزع 10 مليون يمني على مساحة أكثر من 400 الف كم2 تحت سيطرة حكومة هادي.
3- الخبرة القتالية: رغم المشاركة الإماراتية في بعض معارك “الربيع العربي” فان القوات السعودية لم تدخل في أي حرب منذ 1990، أي قبل حوالي ثلاثين سنة، ومعلوم ان مشاركتها في حرب الخليج كانت أقرب للتجميل السياسي. وتشير أحد الدراسات الى نقص الخبرة لدى القوات السعودية وبشكل اقل الإماراتية التي تعتمد على قدر من المرتزقة من ذوي الكفاءات، كما ان حرب العصابات أكثر تعقيداً من الحروب الكلاسيكية، وهي خبرات تفتقدها قوات كل دول الخليج، وحتى الافراد الخليجيون ممن شاركوا في افغانستان أو التنظيمات الدينية لا ينخرطون تحت أمرة قادة سعوديين لانهم موضع شك في ولائهم. بينما يستفيد الحوثيين من خبرات إيران وح ز ب ال ل ه من ناحية ومن معرفتهم الدقيقة بتفاصيل المناطق الجبلية الوعرة للغاية التي تدور فيها رحى المعارك الكبرى من ناحية ثانية.
4- ابتعاد الأمراء بشكل نهائي عن مسرح الدم والنار، وتشير التقارير الغربية بخاصة أن مشاركة الأمراء محدودة للغاية ومقتصرة على قبادة بعض الطائرات الحربية، وكثيراً ما طغى على هذا الدور دافع ” الزهو الفردي”، ومثل هذا الانكفاء للأمراء عن القيادات الميدانية يجعل الحافز القتالي عند الجندي أكثر ضعفاً، لا سيما ان المبررات التي سيقت لتبرير الحرب فيها ثقوب كثيرة.
فلو أخذنا، مثلاً، أحد أهم الوحدات القتالية الإماراتية وهي “الحرس الرئاسي”، نجد أن من يقودها هو الجنرال الاسترالي مايك هندمارش Mike Hindmarsh، وهو ما يعزز فكرة عدم وجود الكفاءات المحلية من الخبرات العسكرية.
5- ظهور بعض التشقق في جدران التحالف السعودي الإماراتي، وهذا التشقق اخذ منحيين هما: شقاق سعودي إماراتي صامت حول دور المجلس الانتقالي الجنوبي وحدود عمله وعلاقاته مع حكومة هادي، وظهور تذمر داخل العائلات الحاكمة، وهو ما أتضح في انتقاد الشيخ راشد بن حمد الشارقي أحد أبناء أمير الفجيرة (الأكثر فقراً بين الإمارات السبعة) للحرب في اليمن ، وأنتهى به الأمر الى طلب اللجوء السياسي إلى قطر، أما في السعودية فان ضرب أعمدة الدولة الثلاثة خلخل البنية الى حد بعيد( تمزيق العائلة الحاكمة، وضرب القاعدة الوهابية، وتراجع الريع البترولي)، وهو أمر يجعل العلاقة بين الجبهة الداخلية والجبهة العسكرية أقل تناغماً.
6- مؤشر المسافة السياسية (Power Distance index) وهو المؤشر الذي وضعه عالم النفس الاجتماعي الهولندي هوفستيد (Hofstede)، ويقيس هذا المؤشر درجات قبول المجتمع بتراتبية توزيع المواقع الفردية على سلم الثروة (عدالة توزيع الثروة) وعلى سلم السلطة (تراتبية السلطة والقدرة على مناقشتها في إدارتها لشئون البلاد).
وفي حالة الحرب يجب ان يشارك أصحاب الخبرات في تحديد مصفوفة البدائل وحساباتها في القرار السياسي والعسكري، وكلما كان ذلك أعلى (قبول التراتبية) كانت احتمالات الهزيمة أعلى، فاذا علمنا ان أفضل دولة في هذا المقياس في دول العالم هي النمسا بمعدل 11، وقارناها مع كل من السعودية والإمارات سنكتشف الخطورة، فكل من الدولتين الخليجيتيين حصلتا على معدل 80 بخاصة في التراتبية، وهو ما يؤدي الى عدم المرونة في اتخاذ القرار وتباطؤ تسارعه بموازاة تسارع إيقاع وتيرة الحرب.
7- اتساع قاعدة الجبهة الدبلوماسية الاقليمية والدولية الأقل حماساً لاستمرار الحرب، ويعود ذلك لأسباب عدة:
البعد الإنساني بخاصة أعداد القتلى من المدنيين وأعداد المرضى والجرحى وأعداد المهجرين من بيوتهم ، وكل ذلك أصبح يقدم صورة مشوهة لحرب غير مقنعة في أسبابها للكثير من دول العالم
انضمام الولايات المتحدة مؤخراً الى نقد هذه الحرب والعمل على وقفها، ورفع أسم جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب مؤشر كبير على اتساع الفتق الدبلوماسي على الراتق السعودي.
التساؤلات التي بدأت تظهر حول حجم الخسائر البشرية السعودية الإماراتية، ولعل عدم الإعلان الصريح يجعل باب التأويل والاشاعة مفتوح على مصراعيه.
8- بالمقابل، فان نسبة غير قليلة من الدراسات الغربية –وكثير منها مرتبط بهيئات صنع القرار- ترى ان احتمالات الشقاق بين الحوثيين عالية في حالة وقف الحرب، ولعل اتساع القناعة بهذا المر قد يدفع السعودية الى التوجه نحو وقف الحرب بدافع استثمار الاحتمال المشار له لاحقاً.
9- أخيراً : إن استمرار الحرب يعني ان صانع قرار إشعال هذه الحرب لا يعتبر ما اوردناه كافيا لوقفها. وهو ما قد يزيد حجم الخسارة بل قد يدفع لتذكر قصة المثل العربي: “يداك أوكتا وفوك نفخ”!