تعتبر اليمن من أكثر البلدان العربية التي تزخر بالتراث الإسلامي ويرتبط أبناء الشعب اليمني ارتباطاً وثيقاً بأولياء الله الصالحين محبة واتّباعاً.. وخُصُوصاً آل البيت -عليهم السلام- وهذا ليس غريباً عليهم فقد كان أجدادهم أول من ناصر الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وقد دخلوا في دين الله أفواجًا وآمنوا بالرسالة حينما أرسل إليهم الإمام عليًّا -عليه السلام- ومعاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وشيد فيها أول الجوامع خارج المدينة المنورة وهو الجامع الكبير بصنعاء وجامع معاذ بن جبل في تعز.
هذا الإقبال الكبير نحو الإسلام والنصرة للرسول -صلوات الله وسلامه عليه وآله- جعل منها محطة وأرضًا خصبة وحاضنة لآل البيت -عليهم السلام- خُصُوصاً بعد أن نكّل بهم الأمويون والعباسيون، فتوجّـه من تبقى منهم إلى اليمن واتخذوا من سهولها وجبالها أماكن للعلم والتعلم والإصلاح بين الناس، بل إن الإمام الهادي -عليه السلام- ذهب إليه اليمانيون بأنفسهم ليأتيَ إليهم بعد أن سمعوا بعدله وعلمه وحكمته في الإصلاح بين الناس، والذي اتخذ من صعدة منطلقاً لحكمه ووصل إلى أماكنَ عديدة، فيما توزع من بعده من آل بيت النبي في مناطق متفرقة ومتعددة.. ومن حب اليمنيين للنبي وآله بنيت المساجد وأقيمت القباب والأضرحة لآل البيت وأولياء الله الصالحين وأوقفت الأراضي الزراعية الخصبة لهذه الجوامع والزوايا التي شكلت منارة للعلم وجسدت العدل والإنصاف.. وارتبط اليمانيون بهؤلاء الأعلام ارتباطًا وثيقًا، وانتشرت هذه المدارس والأضرحة والقباب في مختلف الأراضي اليمني وكانت محل إعزاز وإكبار واتباع واهتداء واقتدَاء.
ونتيجة لموقع اليمن الجغرافي الذى جعله محل أطماع وتعرض للغزو على مراحل متعددة إلَّا أن المقامات والأضرحة وقبور الأولياء لم تتعرض لأي أذى وكان الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، فمثلاً عندما احتل البريطاني عدن كانت توجد الكثير من القباب والأضرحة والمساجد التاريخية والأثرية ولم تتعرض لأي أذى، إلى أن جاءت الوهَّـابية التي زرعها اليهود في خاصرة الأُمَّــة ودعمها وتمويلهم من قبل النظام السعوديّ الذي يعتبر الولد المدلل لبريطانيا.. فعملوا على إبعاد الأُمَّــة عن هُــوِيَّتها الإيمانية الجامعة، وقاموا بإنشاء هذه الجماعات والتي تلعن كُـلّ طائفة أختها وتعتبرها خارجةً عن الدين، مستغلين الأحاديث الموضوعة التي كُتبت وأُلِّفت كما يريد بنو أُمية والدول المتعاقبة.. فعمدت على استهداف هذه الأماكن التي كانت مجالس للذكر ومدارس للعلم والتنوير بإقامة المساجد الضخمة ودعمها بمختلف الإمْكَانيات؛ لكي يسهل استقطاب الناس إليها وتهجر تلك المعالم التاريخية والمساجد الأثرية، بل وتتعرض للنهب وطمس التراث فيها كما حدث في مسجد الجند أثناء قيام النظام السعوديّ بسرقة كُـلّ ما فيه من تراث، وانتشرت ثقافة التبديع والتكفير بعد أن ابتعد الناس عن القرآن الكريم وقرناء القرآن من أولياء الله وأعلام دينه، فأصبح ذكر الله بدعة ومحبة أوليائه شركاً.. وانتشرت فرق أُخرى لهدم القبور والأضرحة وتسويتها بالأرض وخُصُوصاً في المناطق التي انتشرت فيها هذه الجماعات وحظيت بدعم محلي وإقليمي..
ونتيجة لهذا السلوك وخوف الناس من بطش هذه الجماعات التكفيرية تلاشت هذه الثقافات والزوايا التي كانت تعج بالذكر وتحيي المناسبات الدينية والموالد النبوية وحلقات الذكر.. فحولت هذه المساجد الجديدة إلى مجالس للاختلاف وزرع الشقاق والتكفير والتبديع.. وتبني مواقف تفرق بين الناس أكثر مما توحد..
ولأن نسل النبوة لا ينقطع ظهر المشروع القرآني في منطقة مران بقيادة السيد الشهيد القائد حسين بن بدرالدين الحوثي عليه السلام.. وكان بمثابة عصا موسى.. أزهقت كُـلّ أباطيلهم وبددت كُـلّ مشاريعهم الطائفية حين عاد الناس إلى القرآن الكريم وثقافة القرآن الكريم وارتبطوا بقرين القرآن.
هنا أدرك الأعداء خطورة المشروع القرآني على مشاريعهم المناطقية والطائفية التكفيرية قبل أن يدرك هذا أبناء الشعب اليمني فحاولوا واد هذا المشروع القرآني في مهده، لكن يأبى الله إلَّا أن يتم نوره.
ونتيجة للأقبال الكبير والالتفاف الواضح حول المشروع القرآني من قبل أهل الإيمَـان والحكمة جن جنون العدوان وخُصُوصاً بعد أن قطعت كُـلّ الأيادي العملية، شن العدوان عدوانه الظالم الغاشم.. جاعلاً من استهداف المقامات والأضرحة في سلم أولوياته، ففي مناطق سيطرة الأحرار استهدف هذه المقامات عبر طيرانه الحربي كما حصل لضريح الشهيد القائد السيد حسين بن بدرالدين الحوثي والإمام الهادي -عليهم السلام- في صعدة، والشيخ سنان بن حسان الحساني في جبل حبشي والشيخ سعيد في منطقة الربيع بمديرية التعزية اللذان استهدفهم عبر طيرانه بالقصف المباشر وفي المناطق التي سيطر عليها عبر أدواته التكفيرية سواء عبر التفجير أَو عبر الهدم بالشيولات كما حصل مع ضريح الشيخ عبدالهادي السودي والكدهي والشاذلي والأهدل وجمال الدين الجنيد والشاذلي والرميمة والشيخ صادق وأحمد الفاز وغيره الكثير في لحج وعدن وأبين.. وآخرها جريمة هدم ضريح السيد العلامة علي بن إبراهيم السروري “أبو الأسرار” في مديرية المضاربة بمحافظه لحج الذي مر عليه أكثر من ٨٠٠ عام ولم يتعرض لأي أذى لكن هذا الاعتداء جاء بعد قيام هذه الجماعات ببناء جامع ضراراً بجوار هذا المسجد والضريح ودعمه بمختلف الإمْكَانيات لعزل الناس عن هذا المسجد التاريخي تمهيداً لهدمه في قادم الأيّام وتسويته بالأرض.
كلّ هذه الجرائم والانتهاكات تؤكّـد أن اليمن واليمنيين يواجهون أخطر وأسوأ وأحقر عدوان على وجه الأرض، الذي لم يستهدف الحاضر فقط وإنما استهدف الماضي والحاضر والمستقبل والتي لم تتعرض مثل هذه المقامات والأضرحة أثناء احتلال اليمن في الفترات على مدى أكثر من ألف عام مثلما تتعرض له المقامات والأضرحة اليوم والتي تعد إرثاً تاريخيًّا إنسانياً يربط بين الأجيال.
وهنا يجب على كافة أبناء الشعب اليمني، شعب الإيمَـان والحكمة، شعب المدد والسند الوقوف صفاً واحداً أمام هذه الأفكار التي تعتبر دخيلة على الشعب اليمني.. ولا تمثله لا من قريب ولا من بعيد وإنما جاءت نتيجة اتّفاقيات ساكس بيكو وتمويل قرن الشيطان الذي وصفه من لا ينطق عن الهوى أنه تخرج منه القلاقل والفتن.. ومثلما يراهنون على قوتهم المادية نراهن على ثقتنا بالله وارتباطنا بالقرآن الكريم وقرناء القرآن الكريم من آل بيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سفينة النجاة الذين بهم وعبرهم سوف يزهق الباطل كما زهق أول مرة، وعد الله الذي لا يخلف وعده.