الثروة الحيوانية ودورها في تحقيق الاكتفاء الذاتي..بقلم/د. حسين عبدالله مقبولي*
المتابع للمشهد العام في اليمن يتضح له بكل سهولة الفجوة الكبيرة بين معدل الاستهلاك ومعدل الإنتاج للثروة الحيوانية ولعل من أهم أسباب تلك الفجوة هي الهجرة من الأرياف إلى المدن وكذا النمو السكاني وعدم توفر مراعٍ كافية ومحدودية الموارد المائية واعتماد جزء كبير من مربي المواشي على الطرق التقليدية في تربية الحيوانات ودعم وجود خبرة كافية في التربية وكذا الأمراض السارية مثل الطاعون البقري والحمى والدودة الحلزونية وأمراض حيوانية مستوطنة. مما يستوجب رفع مناعة الحيوان، وتقليل الحاجة إلى استخدام العلاجات والأدوية البيطرية، واستئصال الأمراض على المدى البعيد، والمحافظة على الثروة الحيوانية وصولاً لتحقيق التنمية المستدامة في قطاع الثروة الحيوانية وزيادة العائد الاقتصادي على مربي الثروة الحيوانية، وكذا تغيير الأنماط الاستهلاك والأهم هي أن حجم الاستثمارات ضئيل جداً في مجال الإنتاج الحيواني لأسباب غير معروفة مما يحتم الأمر على الجهات المعنية المسئولة عن الثروة الحيوانية أن تروج للاستثمارات في مجال الإنتاج الحيواني وتعزز من مساهمته في الناتج والاقتصاد المحلي.
إن ضرورة تنمية الثروة الحيوانية صارت حاجة ملحة نظراً للمنعطفات التي تمر بها هذه الثروة المهدرة وضرورة تعزيز دورها في الإسهام للوصول الى الاكتفاء الذاتي من المنتجات الحيوانية ورفع مستوى الأمن الغذائي. ولعل الاستثمار في الإنتاج الحيواني سواء في إنتاج اللحوم بأنواعها أو إنتاج الألبان والبيض وغيره سيكون له أثر تنموي كبير يعود بالنفع على هذه الثروة الهامة، من خلال زيادة مساهمة صغار المنتجين بالقطاع الحيواني وذلك بإقامة عدد من المشاريع التي تخدم المربي مثل مشاريع الإرشاد الحيواني، البيطرة، إنتاج الأعلاف التي تهدف إلى دعم وتوعية مربي الثروة الحيوانية بأهمية استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج وتصنيع المنتجات والتسويق والإدارة والرعاية الصحية للقطيع الحيواني.. كما أن مشاريع تربية الدواجن المحلية يهدف إلى تطوير السلالات المحلية المناسبة لرفع إنتاج البيض المحلي زيادة دخل الأسرة. الأمر الذي يحتم على الجهات المعنية العمل على تنمية وتطوير الثروة الحيوانية بوضع الخطط والدراسات والبحوث ووضع حد للظلم الكبير الذي تتعرض له الثروة الحيوانية في بلادنا سواء من ناحية ذبح الحوامل وصغار الحيوانات أو من ناحية استيراد الحيوانات من الخارج.
تشكل الثروة الحيوانية منا نسبته ٢٠ ٪ من القطاع الزراعي فهي تعتبر في بلادنا ركيزة اقتصادية مهمشة ولا يلمس المواطن أو المربي أي اهتمام أو خطوات جادة تعمل على الاهتمام بها أو دعم الإنتاج أو تنمية صادراتها على طريق تحقيق وتوفير الأمن الغذائي. ولكي تتحقق التنمية والحفاظ عليها كثروة وطنية لا بد للجهات المعنية من وضع خطط هادفة للحفاظ على هذه الثروة الحاضرة الغائبة وحمايتها من الأمراض الفتاكة حيث وإن قطاع الثروة الحيوانية يعتبر رافد أساسياً من روافد التنمية الاقتصادية وأحد مجالات مكافحة الفقر كون الثروة الحيوانية تشكل مصدر دخل لحوالي ٧٠ % من الأسر الريفية وتوفر فرص عمل لحوالي ٣٠ % من سكان الريف.
من سمات الثروة الحيوانية في اليمن
لم يحظ قطاع الثروة الحيوانية في اليمن باهتمام من الحكومات السابقة، كونه يعد أحد أبرز مصادر توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي بما يوفره من اللحوم والألبان والبيض ومشتقاتها. هذا القطاع يواجه العديد من التحديات مثل ندرة المياه والتصحّر وضعف المراعي، وضعف إنتاجية الحيوانات، وارتفاع أسعار خامات الأعلاف عالمياً والتغيرات المناخية وضعف الاستثمارات والأمراض الحيوانية وزيادة السكان واتساع الفجوة الغذائية. كل هذه التحديات والمستجدات تفرض علينا التفكير في إيجاد حلول مستدامة تساعد على التكيّف مع هذه الظواهر، واغتنام الفرص وحماية أنفسنا من المخاطر، واتخاذ العديد من السياسات والإجراءات لتجاوز تلك التحديات.
وبعد أن انعم الله علينا بالأمطار ونمت المراعي في كل الوديان وسفوح الجبال.. اصبح العودة الى تربية الماشية والاهتمام بالثروة الحيوانية ضرورة وطنية هامة، حيث يعد هذا القطاع من أهم القطاعات الإنتاجية والحيوية في اليمن ورافدا أساسيا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية اذ يشكل القطاع ما نسبته ٢٠٪ من الناتج المحلي الزراعي. وتعتمد نسبة كبيرة من الأسر الزراعية والريفية المحلية ذات الغالبية السكانية بشكل كبير على ما تملكه من حيوانات في توفير احتياجاتها الغذائية ويتوقف عليه تلبية الاحتياجات الغذائية للسكان من المنتجات الحيوانية لحوم، بيض، حليب، وألبان.
تشير الإحصاءات الى أن الثروة الحيوانية وتطوير القطاع الحيواني في اليمن لم يكن محورا أساسيا في خطط وبرامج وسياسات الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة والري على الأقل منذ تحقيق الوحدة المباركة في الـ22 مايو 1990م، حيث شهدت أعداد الثروة الحيوانية خلال الـ ٢٠ عاما الماضية نموا متواضعاً أو بالأصح هامشيا حيث بلغت نسبة الزيادة السنوية لا تتجاوز ٢٪ لكل عام. حيث تبين الاحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة والري ان أعداد الثروة الحيوانية ارتفعت من ١٩ ملايين ونصف رأسا من الأغنام والماعز والأبقار والابل عام ٢٠٠٨م إلى حدود ٢١ مليون رأس عام ٢٠١٢م. بنسبة ٤٥٪ من الأغنام و٤٤٪ نم الماعز و٨٪ من الأبقار و٢٪ من الابل.
جدول (1) يوضح أعداد الثروة الحيوانية اليمنية خلال الفترة (2008-2012) (ألف رأس)
البيان أعداد الثروة الحيوانية
في الجمهورية اليمنية
1990 8349
2008 19501
2009 19921
2010 20231
2011 20553
2012 20705
المتوسط السنوي 20.182
شكل 1 توزيع متوسط الثروة الحيوانية في محافظات الجمهورية اليمنية للعام 2012م(المصدر المركز الوطني للمعلومات)
فيما يلي عدد من المشكلات التي تختلف حدتها ومدى تأثرها بين محافظة وأخرى ويمكن تحديد أهم المشكلات ذات الطابع المشترك على النحو التالي:
- العوامل البيئية
- قلة معدلات هطول الأمطار وعدم انتظام هطولها وتكرار فترات الجفاف مما يحد من التنمية الزراعية ومن إنتاجية المراعي الطبيعية.
- ندرة موارد شرب الحيوان وعدم انتظام توزيعها.
- ندرة موارد المياه للأغراض الزراعية فيما عدا مناطق الأنهار الكبرى.
- تشكل المناطق الجافة وشبه الجافة النسبة العظمى من مساحة اليمن وتتميز هذه المناطق عموما بدرجات قصوى من الحرارة واحيانا من الرطوبة يكون لها تأثيرا سلبيا على الحيوان.
- الموارد العلفية
تشكل الأعلاف أكبر عائق أمام تنمية الثروة الحيوانية وقد لعبت العوامل البيئية دورا هاما في الحد من إنتاج الأعلاف إلا أن هنالك العديد من العوامل الأخرى التي تساهم في اتساع الفجوة بين موارد الأعلاف المحلية والاحتياجات الغذائية للثروة الحيوانية.
من هذه العوامل انه يمكن اعتبار المراعي الطبيعية مصدرا أساسيا لتغذية الإبل ثم الماعز ثم الأغنام ثم الأبقار مرتبة حسب درجة اعتمادها على المرعى، وتتصف المراعي الطبيعية بانخفاض في إمكاناتها الإنتاجية من المواد العلفية نتيجة لسوء إدارتها واستخدامها المتمثل بزيادة الحمولة الرعوية، كما ان الرعي المبكر والجائر وقطع الأشجار واقتلاع الشجيرات، وعدم وجود سياسات شاملة لصيانة وتحسين المراعي يؤدي إلى سيادة النباتات غير المستأنسة وتعرية التربة وانتشار التصحر في مناطق شاسعة من مناطق المراعي.
ولهذا يجب علينا في قيادة الدولة والمؤسسات المعنية ممثلة بوزارة الزراعة والهيئة العامة للاستثمار بالاهتمام بالترويج لمشاريع تساعد على الاكتفاء الذاتي ودعم المشاريع المجتمعية والصغيرة ومنها ما يلي:
- مشاريع التربية المنزلية للماعز والأغنام والأبقار.
- مشاريع إنتاج الألبان والأجبان ومشتقاتها.
- مشاريع التربية المنزلية لإنتاج البيض والدجاج البلدي ثنائي الغرض، ومشاريع الفقاسات والحضانات المتوسطة والصغيرة.
- مشاريع تربية النحل وإنتاج العسل، ومشاريع إنتاج الخلايا وشمع الأساس.
- مشاريع العيادات البيطرية.
- مشاريع دباغة الجلود.
- مشاريع إنتاج الأعلاف.
- مشاريع التعبئة والتغليف.
كما يتوجب على وزارة الزراعة والجهات المعنية التنسيق المشترك والبدء في تبني مشاريع وخطط استراتيجية تستهدف مشاريع الإنتاجين النباتي والحيواني بما يضمن تجاوز النظم التقليدية في الإنتاج ويعالج معوقات الإنتاج الحيواني من انخفاض مردود وحدة المساحة وعدم الاستفادة من المخلفات الزراعية في تغذية الحيوان ويضاف إلى ذلك ان ندرة المياه من جهة والنظام السعري السائد من جهة أخرى اللذان لا يسمحان في التوسع بإنتاج الأعلاف التي لا تستطيع منافسه المحاصيل النقدية إذا لم يتم إدخال تربية الحيوان في المناطق الزراعية. كما أن تطور النظم الإحصائية سيساهم في التخطيط الأمثل ويفيد في تتبع تنفيذ الخطط الوطنية وتقييمها.
- العوامل الاجتماعية
العنصر البشري هو الأساس في التنمية فاحتياجاته ومتطلباته كماً ونوعاً هي التي تدعو للتنمية وإمكاناته المتاحة هي التي تحدد مداها وقراراته هي التي توفر سبل النجاح لها أو تؤدي إلى فشلها وعلى ذلك يجب دراسة تأثيرات العنصر البشري وتقييمها سواء كمعوق للتنمية أو كدعائم لها. والعمل على الحفاظ على مكانة مربي الحيوانات والرعاة واستعادة مكانتهم خصوصاً وقد بدأت دخولهم تتدنى تدريجيا واختار الكثيرون منهم الاستقرار تلقائيا في المدن أو في المناطق الزراعية حيث تتوفر فرص أفضل للعمل والدخل وحيث يستطيعون مواكبة مظاهر التطور الحضاري.
- السياسات والخدمات
من ضمن الخطط الاستراتيجية للدولة يجب أن تتبنى الدولة خطة شاملة ومتكاملة لتنمية الثروة الحيوانية بحيث تتوفر كافة المعلومات عن الجوانب الفينة والاقتصادية المتصلة بها وبالتنسيق مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص بشكل رئيسي وبما يضمن التنسيق المشترك لضمان كفاية الموارد المالية المتاحة. وكون مشاريع التنمية المتكاملة تحتاج إلى برامج بعيدة المدى وإلى استثمارات مالية مرتفعة نسبيا، نرى أن يتم الاهتمام بالمشاريع المتوسطة والأسرية ودعم الأسر المنتجة وتشجيعها لأنها سوف تساهم في مكافحة الفقر وتوفير فرص عمل مناسبة وإذا كانت هنالك رعاية حكومية فسوف تزدهر الثروة الحيوانية بشكل كبير.
ومن الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة تبني المشاريع التالية:
- إنشاء أسواق مركزية غير احتكارية للحيوانات والحدّ من استغلال الوسطاء الحصريين.
- يجب منح المستفيدين الأعداد الكافية من المواشي والتي تحقق الجدوى الاقتصادية وتنفيذ مشاريع إنتاج السلالات الحيوانية والتسمين.
- إنشاء مشاريع إنتاج الأعلاف المركزة والمالئة من المصادر المحلية القريبة.
- تفعيل قانون الثروة الحيوانية وتجريم ذبح وتهريب إناث وصغار الحيوانات.
- إنشاء مختبر مركزي لتحليل منتجات الثروة الحيوانية والزراعية ضمن خطة شاملة لتطوير وضبط الجودة وفق المعايير الدولية.
- تبني سياسات التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة
- رفع الوعي والتثقيف المجتمعي حول أهمية الثروة الحيوانية والزراعية
الجانب الآخر.. يجب على الدولة الاهتمام بسلسلة القيمة المضافة للثروة الحيوانية، والتي تتكون من عده سلاسل يجب التركيز عليها لتطوير وتحسين القيمة المضافة للإنتاج الحيواني ابتداء من سلسلة القيمة الأساسية (الإنتاج، التربية، التجهيز والتسويق) يليها سلسلة القيمة الموسعة التي تضم كل الأعمال والمدخلات التي تساعد المنتجين من المزارعين وأصحاب المشاريع الأسرية على تطوير وتحسين جودة منتجاتهم (من خدمات بيطرية، وخدمات البيع والتسويق، و منتجي الأعلاف) . الجميع يعمل ضمن في ظل بيئة تمكينية تحكمها سياسات حكومية مضبوطة ومحوكمة تراقب وتطور الأداء وتدعم التغيرات الإيجابية وتذلل الصعوبات بما يؤثر ايجاباً وبشكل كبير على أداء الفاعلين في هذا القطاع، هذه البيئة تتكون من عناصر اجتماعية وثقافية (الدين، والهوية، إلخ.)، وعناصر تنظيمية (الوزارات، والمدارس ومنشآت البحوث والتنمية الحيوانية، وجمعيات البيطرة الوطنية، ومنتجي الاعلاف، إلخ.)، وعناصر مؤسسية (السياسات، والقوانين، والتقاليد وغيرها من القواعد المكرسة اجتماعياً، إلخ.) وعناصر متصلة بالبنية التحتية (الطرقات، والأسواق، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والشبكات الكهربائية، وهيكليات التنمية الحيوانية العامة الأساسية، إلخ.). وأمّا العناصر الطبيعية فتشمل مصادر المياه العذبة، المراعي الطبيعية، والتنوّع البيولوجي، والمناخ وما إليه.
تخلص هذه الورقة الى أن الجهات الحكومية المعنية يتوجب عليها تعزيز الاستدامة وتنمية قطاع الثروة الحيوانية وتعظيم دوره في إرساء منظومة الأمن الغذائي وتطبيق مبدا الاكتفاء الذاتي، من خلال التعرف على التحديات التي تواجهه هذا القطاع والتغلب عليها عبر خطط وبرامج دعم وإرشاد فاعلة، تسهم في تمكين مربي الثروة الحيوانية ودعمهم، وتضمن تطبيق أفضل معايير ومتطلبات الأمن الحيوي، ورفع كفاءة الإنتاج في حيازات المواطنين والمشاريع الأسرية الصغيرة ورفد السوق المحلي بمزيد من المنتجات الحيوانية المحلية، في ضل دعم مؤسسي وبيئة تمكينية فعالة تعمل لصالح المنتج المحلي.
*نائب رئيس الوزراء لشؤون التنمية والخدمات