التواصي بالحق وأسلوب تقديم النصيحة :التربية الإيمانية للعاملين في سبيل الله.
Share
التواصي بالحق:
في إطار المسيرة العملية قد يأتي الهوى، والمؤثرات الكثيرة جدًّا التي تؤثر على الكثير من الناس في أدائه العملي، وفي أداء مسؤولياته، وقد يخرج عن الحق في موقفٍ وتصرفٍ معين، حينها يجب التواصي بالحق، والتناصح بالحق، والحذر بأن لا يتحول الواقع إلى واقع مجاملات ومداهنات يسود فيه الانحراف، ويتعاظم فيه الانحراف، وألا يتحدث شص مع أحد، ويوصيه بالحق.
وهناك آثاراً سلبية لغياب التواصي بالحق، فإذا غاب التواصي بالحق، وحل بدلاً عنه الصمت والسكوت والجمود؛ فإنه يحصل الفتور والملل، وقلة النشاط، وإذا غاب التواصي بالحق أمام الالتزامات العملية، وفي السلوك والأداء العملي، وحلت محله المجاملة والمداهنة السلبية؛ حينها تتعاظم الانحرافات، ويكثر الخطأ، ويكبر الانحراف، وتكثر الإشكاليات، ويترتب على ذلك المفاسد الكبيرة، ويغيب الحق شيئاً فشيئاً، تتسع المساحة التي يغيب عنها الحق في السلوك، في الالتزام العملي، في التصرف، في القضايا، فالتواصي بالحق لا بدَّ منه.
والتواصي بالحق ليس عبارة عن تصيدٍ للأخطاء من الجامدين المفرطين المهملين، أو الذين يشتغلون على تصفية الحسابات الشخصية، وبذلك فإن الأسلوب الصحيح في التواصي بالحق لا يكون بالتصيد للأخطاء في الأداء العملي، وبالتصيد لجانب القصور؛ لتوظيفها سلباً في المهاجمة، والانتقاد السلبي؛ لأنك استأت من إنسانٍ معين لاعتبارات شخصية، أو اعتبارات أخرى.
وأولياء الله مهما بلغت مرتبتهم الإيمانية لا يأنفون أبداً من التواصي بالحق، مهما كان دورهم العملي، لا يغضبون أن يوصيهم أحدٌ بالحق، لا يأنفون ولا يستكبرون من أن يُقال لهم الحق، ومن أن تقدم إليهم كلمة الحق، أياً كانت: ملاحظةً على تقصيرٍ معين، تبييناً لموقفٍ معين، تنبيهاً لخطأٍ في سلوكٍ معين، أو أياً كانت.
أسلوب تقديم النصيحة:
إن موضوع التناصح مهم جداً، وزميلك المخلص من أهدى إليك عيوبك… يقول الإمام علي “عليه السلام”: “المؤمن مرآة أخيه” بما يعني أنك ترى فيه كل تصرفاتك وأعمالك، وتكتشف من خلاله أخطاءك وعيوبك ويرشدك إليها بطريقة صحيحة وموضوعية وبناءة، ولهذا لا يمكن لأحد أن يستغني عن الأخ والزميل والصديق الناصح الذي يقدم لك النصح.
ولا بدَّ من التناصح والتواصي بالحق، والتنبيه عند ملاحظة بوادر انحراف، أو مؤشرات انحراف عن الحق في قضيةٍ معينة، أو موقفٍ، أو سلوكٍ، أو تصرفٍ معين، أو تقصيرٍ في مسؤولية مهمة، ويجب أن تكون هذه حالةً مقبولة، ومطلوبة وليس فقط مقبولة، بل أيضاً مطلوبة.
والتناصح والتواصي بالحق ليس عبارة عن تصيدٍ للأخطاء من الجامدين المفرطين المهملين، أو الذين يشتغلون على تصفية الحسابات الشخصية، فالتواصي بالحق ينطلق من واقعٍ مسؤول، وبروحٍ أخوية، وبمسؤوليةٍ تامة، وبنصحٍ صادق، وبجد، وبدافعٍ إيمانيٍ خالص.
إن الأخوة الإيمانية قائمة على المعاملة الصادقة، وعلى التناصح والتواصي، الذي يجسد أرقى صور المودة والمحبة الإيمانية، فالعلاقة الإيمانية لا تقوم على المجاملات والمداهنات لبعضنا البعض.
ولذلك لابد أن يكون التواصي وتقديم النصيحة بدون تشنيع ومكايدة وعداوات، وتصفية حسابات، وأغراض شخصية، إذ إن للنصح آدابه وشروطه، وليس كل شخص يمكن أن يقدم نفسه بأنه ناصح، وهو في نفس الوقت يثير العداوات والفرقة والبغضاء بين العاملين.
وفي هذا السياق، يقول السيد القائد هبد الملك بدر الدين الحوثي:
“لا بدَّ أن نتقبل من بعضنا البعض التواصي بالحق، وأن يعتبر الإنسان هذا أمراً إيجابياً، وأنه علامة إيجابية ومؤشر إيجابي، الإنسان مهما كان موقعه ومرتبته في المسؤوليات، أنت رئيس، أو أنت قائد، أو أنت زعيم، أو أنت مدير، أو أنت وزير، أو أنت مسؤول، أو أنت شيخ، أو أنت مشرف… في أي مستوى من مستويات المسؤولية، وفي أي موقع من مواقع المسؤولية، وفي أي مرتبة أنت، لا تأنف عندما توصى بالحق، لا تغضب عندما توصى بالحق، لا تستاء عندما توصى بالحق، لا تنفعل عندما توصى بالحق، لا تعادي من يوصيك بالحق؛ لأنه أوصاك بالحق، لا تحاول أن تتغير في علاقتك معه، البعض قد يستاء ممن يوصيه بالحق بشكل ملاحظة تجاه تقصير قصر فيه، أو تجاه خطاء في موقف معين أو سلوكٍ معين، قد يغضب وينفعل ويستاء من ذلك الشخص، ويتخذ منه موقفاً، قد يتعامل معه بالإقصاء إذا كان في نطاق مسؤوليته، هو في إطار مديريته كمدير، أو في نطاق إشرافه كمشرف، أو في إطار مسؤوليته كقائد؛ لأنه أوصاه بالحق يأنف منه، يغضب منه، يستاء منه، يحاول أن يبعده عنه وأن يتخلص منه، هذه جريمة، لا يجوز للإنسان أن يستاء لهذه الدرجة” (الرمضانية المحاضرة الثانية عشرة، 1441هـ).
ومن التربية الايمانية لصلاح ذات البين: الحرص بأن تكون العلاقة الأخوية مع إخوته المجاهدين والعاملين في سبيل الله علاقةً أخويةً إيجابيةً سليمة، حيث يكون السعي لصلاح ذات البين، وذلك من خلال: حسن التعامل، وبذل المعروف، والاحترام المتبادل، والإنصاف عند الخطأ، العدل في المعاملة.، بالإضافة إلى الحذر ممَّا يفسد ذات البين، ويفسد العلاقة الأخوية من سوء تعامل، وأوهام، وسوء الظن، وتصرفات سيئة، ومعاملات سلبية ظالمة.
كما لا بد أن نلتزم بالمنهجية القرآنية في التواصي، وتقديم النصائح لبعضنا البعض، وعندما تنصح زميلك فيجب أن يكون كلامك مع أخيك، ومع زميلك، كلام الناصح، وليس كلام الساخر.
وفي هذا الصدد، يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن:
“صلاح ذات البين من الأمور المهمة الإلزامية، ويعتبر الاهتمام بها من ضمن الالتزامات الدينية الإيمانية، فالإنسان الذي هو مؤمنٌ حقاً، وصادقٌ مع الله -سبحانه وتعالى-، سيحرص على صلاح ذات البين، وسيحرص أن تكون العلاقة الأخوية مع بقية أبناء مجتمعه المؤمن وإخوته المؤمنين والمجاهدين والعاملين في سبيل الله علاقةً أخويةً إيجابيةً سليمة، ويسعى لصلاح ذات البين، بكل ما يساعد على صلاح ذات البين: من حسن التعامل، من بذل المعروف، من الاحترام المتبادل، من الإنصاف عند الخطأ، من العدل في المعاملة… بكل ما يساعد، وهي تعليمات كثيرة جعلها الله -سبحانه وتعالى- سبباً لصلاح ذات البين.
ويحذر- في نفس الوقت- مما يفسد ذات البين، مما يفسد العلاقة الأخوية: من سوء تعامل، من أوهام، من سوء الظن، من تصرفات سيئة، من معاملات سلبية ظالمة… كل التصرفات، وكل التأثيرات النفسية التي تفسد ذات البين يتجنبها، ويحذر منها، فهذه مسألة مهمة جدًّا، وهي تدخل ضمن الالتزامات الإيمانية، بمعنى: أنَّ من يخل بها، من يستهتر بها، ومن لا يلتزم بها؛ فهو يبرهن على أنه ليس بمؤمنٍ حقاً، أنه ناقص الإيمان، لم يصل بعد إلى مصداقية تامة مع الله -سبحانه وتعالى- في انتمائه الإيماني، ولا يبرر للإنسان وجود إشكالات في الواقع العملي أن يتعامل مع ذلك بإفساد ذات البين، لا يبرر ذلك أبداً؛ لأن هذا يخالف توجيهات الله وتعليمات الله -سبحانه وتعالى-” (المحاضرة الرمضانية التاسعة عشر،1441هـ).