التفاخر بضرب اليمن لا يثمر: «سيغنال غايت» تتعاظم
دفعت مزاعم المسؤولين في إدارة دونالد ترامب، أخيراً، وعلى رأسهم مديرة المخابرات الوطنية، تولسي غابارد، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف، حول عدم تضمّن الرسائل التي تبادلها كبار مسؤولي الأمن القومي الأميركي، على تطبيق «سيغنال»، أي «معلومات سرية» – وهو ما أكّده، في وقت سابق، ترامب نفسه -، بمدير تحرير مجلة «ذي أتلانتيك»، جيفري غولدبرغ، إلى التخلي عن «تحفظه» في ما يتعلق بنشر التفاصيل كافة التي وصلته على المجموعة «عن طريق الخطأ».
وفي تقرير نشره الأربعاء، أكّد غولدبرغ أنّه في أعقاب ادّعاء المسؤولين الأميركيين عدم تضمن الرسائل أي «معلومات حرب»، قررت المجلة نشر المعلومات المتبقية، ووضعها في عهدة القراء، ليستخرجوا، بأنفسهم، «الخلاصات منها»، مشيراً إلى أنّ الإدارة الأميركية تبدو حريصة، بشكل خاص، على عدم نشر تفاصيل المحادثة، على الرغم من محاولتها، في الوقت عينه، التقليل من أهميتها. وممّا جاء في تقرير المجلة: «سألنا المسؤولين في إدارة ترامب عما إذا كانوا يعترضون على نشر النصوص بشكل كامل»، وبعدما امتنعت غالبيتهم عن الإجابة، أرسلت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، الثلاثاء، رداً عبر البريد الإلكتروني، جاء فيه: «كما ذكرنا مراراً وتكراراً، لم يتم تداول أي معلومات سرية في الدردشة الجماعية.
ومع ذلك، كما أعرب مدير وكالة المخابرات المركزية ومستشار الأمن القومي اليوم، فإن هذا لا يعني أننا نشجّع على نشر المحادثة»، مؤكدةً: «لهذه السبب، نعم، نحن نعارض النشر». ومن جهته، طلب متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية حجب اسم رئيس أركان الوكالة، والذي أرسله راتكليف على التطبيق، نظراً إلى أنّه لا يتم، عادةً، الإفصاح عن هويات مسؤولي المخابرات علناً. وكان راتكليف نفسه، قد زعم، في وقت سابق، أنّ اسم المسؤول المشار إليه ليس «سرياً»، وأنه من «المناسب تماماً مشاركة اسمه في المحادثة». وبالفعل، التزم غولدبرغ، في تقريره الأخير، بعدم نشر اسم المسؤول.
على أنّ المعلومات الأخرى التي تمّ نشرها في التقرير كانت كفيلة، على ما يبدو، بـ«ضرب» سردية إدارة ترامب، وفضح «خطورة» تصرفات مسؤوليها، ولا سيما أنّها تضمّنت التوقيت الدقيق لتنفيذ العمليات قبل نصف ساعة من بدئها، جنباً إلى جنب أهدافها، والطائرات المستخدمة فيها، ما جعل غولدبرغ يجادل بأنّه في حال وصلت تلك المعلومات إلى أي شخص آخر، أو جهة معادية، لكان «لدى الحوثيين ما يكفي من الوقت للاستعداد لما كان من المفترض أن يكون هجوماً مفاجئاً على معاقلهم»، ولتسبب ذلك، أيضاً، بـ«عواقب كارثية على الطيارين الأميركيين». وهذه المرة أيضاً، نشرت المجلة «لقطات شاشة» توثّق محادثات المسؤولين الأميركيين، والتي شملت معلومات من مثل: «12:15 بتوقيت المنطقة الزمنية الشرقية – مقاتلات (أف- 18) – الجولة الأولى من الضربات» أو «الهدف الإرهابي في موقعه، لذا يجب تنفيذ الضربات في توقيتها – وأيضاً إطلاق مُسيّرات (MQ-9)».
طلب البيت الأبيض من «ذي أتلانتيك» عدم نشر «الرسائل المتبقية» على التطبيق
وتعقيباً على المعلومات التي نُشرت حديثاً، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأنّ ما نشرته «ذي أتلانتيك» «جعل الوضع يزداد سوءاً»، ولا سيما أنّه فضح «نفاق» الإدارة الأميركية، وكشف أنّه في «عالم ترامب»، فإنّ القواعد تُطبّق، حصراً، على الآخرين، في وقت يخوض فيه ترامب «حرباً قضائية» في العديد من الملفات الأخرى. واستذكرت الصحيفة فضيحة البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون عام 2016، مشيرةً إلى أنّه قبل أيام فقط من انتخابات ذلك العام، أعلن مدير الـ«أف بي آي» آنذاك، جيمس كومي، أن وكالته ستعيد فتح تحقيق في الرسائل المشار إليها، ما جعل الأخيرة تتصدّر الصفحات الأولى للصحف في جميع أنحاء البلاد، وتتسبب، على الأرجح، في «خسارة كلينتون للانتخابات».
كما ذكّرت الصحيفة بتصريحات وزير الدفاع، بيت هيغسيث، السابقة حول حادثة كلينتون، إذ قال في حديث على شبكة «فوكس نيوز»، إنّ «الجميع يعرف معنى عبارة (سرّي للغاية)»، في تعليق وصفته «نيويورك تايمز» بـ«المرعب والمضحك» في آن، نظراً إلى أنّ هيغسيت أرسل توقيت الهجوم على اليمن وتفاصيله عبر «سيغنال».
وفي وقت حاولت فيه إدارة ترامب لفلفة ما بات يُعرف باسم «فضيحة سغنال» (Signalgate)، من خلال الزعم أنّ ضرباتها على مواقع حركة «أنصار الله» في اليمن حقّقت «نجاحاً كاملاً»، لفتت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير منفصل، إلى أنّ الخبراء في الشرق الأوسط يؤكدون أنّه لن يكون «من السهل ضرب الحوثيين»، نظراً إلى أنّ الحروب التي تعتمد على «القوة الجوية» لم تكن كافية لـ«كسب الحروب»، فيما لن يشكل اليمن أي استثناء.
ويأتي ذلك فيما يبدو أنّ أكبر شركات الشحن لا ترغب في العودة إلى البحر الأحمر، بعدما وجدت حلاً بديلاً، وإن أكبر تكلفة، لتسليم بضائعها في الوقت المحدد. ونقلت الصحيفة عن جيمس هولز، المسؤول في «الكلية الحربية البحرية» في رود آيلاند، قوله إنه حتى خلال «حرب الولايات المتحدة على العراق في الكويت، عام 1991، أي عندما كانت القوة الجوية في ذروتها، كان الغزو البري ضرورياً، فيما تتطلب هزيمة الحوثيين، على الأغلب، احتلالاً لليمن». ويردف: «عليك أن تتحكم بالأرض إذا أردت الفوز»، فيما «لا يمكن للطائرات احتلال الأراضي، مهما كانت قدرتها الداعمة قيّمة للجيوش ومشاة البحرية».
وينسحب الموقف نفسه على العديد من المحللين الذين تحدثوا إلى الصحيفة، مؤكدين أنّ «الحوثيين قد يستغلون الضربات لتعزيز موقفهم داخل اليمن وخارجه»، مشيرين إلى أنّ «التاريخ لا يقف بجانب الولايات المتحدة» في حربها الأخيرة على اليمن، نظراً إلى أنّه لم يتم «ردع الحوثيين خلال الضربات التي استهدفتهم في عهد جو بايدن»، كما طوال فترة الحرب التي شنّها التحالف بقيادة السعودية على الأراضي اليمنية. ويضيف أصحاب الرأي المتقدّم أنّه حتى «في حال نجحت الولايات المتحدة في الضغط على إيران للحد من دعمها للحوثيين، فقد أظهر المسلحون هناك قدرتهم على التصرف بشكل مستقل».
ريم هاني الجمعة 28 آذار 2025