التطبيع: خيانة يجمّلها الإعلام وتفضحها منصات التواصل
موقع العهد/ليلى عماشا
يهلّل الإعلام الخليجي للعار. ينقل وقائع وحيثيات وفعاليات التطبيع باهتمام. يستضيف طبّالين من كلّ حدب وصوب لدسّ عسل “الإيجابيات” المتوقعة في سمّ الخيانة. يمرّر في كلّ برامجه رسائل غير مباشرة تحاول أن تضع ما ارتكبته الأنظمة المتصهينة في خانة الإنجازات. ويتجاهل بشكل تام حقيقة أنّ هذا “الحدث” ليس أكثر من فقرة استعراضية يحتاجها أحمق البيت الأبيض لتظهير نفسه أمام ناخبيه بمظهر القائد صاحب الإنجازات الدولية، ولإقناع الصهاينة منهم بالتصويت له على اعتبار أنّه فتح لإسرائيلهم بابًا إلى الإستقرار عبر اتفاقات سلام مع “العرب”.
المفارقة المضحكة أن المرشح الطامح لولاية رئاسية ثانية في الولايات المتحدة الأميركية يحاول تصوير انجازه هذا وكأنّه إنهاء لحالة عداء وتهديد للصهاينة، علمًا أنّ هذه الإتفاقات تمّت أصلًا مع أنظمة لم تطلق يومًا رصاصةً واحدة باتجاه الكيان الصهيوني، لا بل قدّمت له كلّ الدعم السرّي وتعاونت معه سنينًا عبر ضرب حركات المقاومة في العالم العربي، لا بل وقفت خلفه تحرّضه على ارتكاب المزيد من المجازر ذات تموز ٢٠٠٦ كي ينهي حزب الله وسلاحه المقاوم.
وفي الوقت ذاته، يقوم هذا الإعلام بالتعتيم التام على كل أصوات الرفض والإستنكار التي تتحرك في الدول التي أذلّ فيها الحكّام ناسهم واسم بلادهم. بل ويحاول قلب الصورة عبر إظهار تأييد شعبي وهمي للإتفاق، أو عبر مرتزقة له يسوّقون لفكرة أنّ “الحكّام مرايا شعوبهم” في حين يشهد العالم كلّه على حجم الظلم الذي تعانيه هذه الشعوب بنسب متفاوتة من حكّامها. وهنا لا يمكن لأي حرّ أن ينسى أو يتجاهل ما ارتكبه آل خليفة بمساعدة آل سعود بحق أحرار البحرين..
في لبنان، التحق الإعلام ذو الهوى والتمويل الخليجي بوجهة الأنظمة التي تشغّله، وإن بدا تعاطيه مواربًا بعض الشيء نظرًا لحقيقة أن خبز التطبيع في لبنان لن يجد له مَن يرضاه قوتًا إلا في دوائر غير مؤثرة ومكشوفة من حيث علاقاتها الوظيفية مع أنظمة الخليج المطبّعة وحلفائها. وإن كان إعلاميٌّ موتور قد خرج على الناس بموقف يهلّل للتطبيع ويتمّنى “سلامًا” مشابهًا في لبنان عسى يأتيه “عرض عمل” ما في دول الخليج، فلم يجد من يتجرّأ على التصفيق له في العلن أو يجاريه.. ومن هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإعلام الفتنوي في لبنان يعي قبل أيّ طرف آخر أنّه سيخسر الكثير بحال جاهر بالتطبيع العلنيّ أو حتى دعا إليه. ويعرف أنّه أمر لا يمكن أن يتحقّق في البلد الذي انتصر على الصهاينة بسلاح مقاومته. لذلك يعتمد، أي الإعلام المحليّ المتصهين، سبلًا ملتوية كالفتنة والتحريض والتصويب على سلاح المقاومة على أمل أن يتمكن من كسر الحواجز ناحية المجاهرة بالتطبيع..
وإن كان الإعلام المطبّع بنسب متفاوتة قد سلك الدروب التي مشى فيها أصحابه ومموّلوه نحو “الإحتفال” بالتطبيع وتصوير البهجة وكأنها حالة عامّة، فإن منصات التواصل الإفتراضية عكست صورة مختلفة وأكثر واقعية.
فمنذ الإعلان عن “اتفاق السلام” بين آل زايد في الإمارات والصهاينة، مع التحاق آل خليفة في البحرين به، وتوقع إنضمام آل سعود إلى القافلة الخيانية، تعدّدت المشاهد المتعلّقة به وكانت جميعها محلّ سخط الناس على مواقع التواصل وتحوّل إلى خبرٍ أوّل ترتفع أسهم السخرية في سوق تداوله، حتى أنه لاقى ترحيبًا “كوميديًا” حتى في الأوساط الأكثر جذرية في رفضه، على اعتبار أن إعلان العلاقة السريّة يسهّل على مَن اكتشفها قبل الإعلان المجاهرة برفضه لها، ويقطع على الرماديين أي سبيل للتشكيك بوجودها. لكنّه، أيّ الإتفاق، بقي مؤلمًا ومحلّ غضب واستنكار لا سيّما بين مواطني الدّول التي تحكمها هذه السلالات الظالمة، وبشكل أو بآخر كان يدلّ على حجم مظلومية الأحرار في هذه الدول، ولا سيّما البحرينيين الذين تظاهروا شجبًا وحزنًا حال الاعلان عن تسجيل اسم بلادهم في قائمة العار. من هنا، أصبح التعميم أشدّ ظلمًا من أي وقت مضى.
فالحكام ليسوا مرايا شعوبهم كما يروّج مرتزقة الأنظمة.. ونحن، كبيئة مقاومة منتصرة نفهم أكثر من أيّ بيئة أخرى وقع التعميم في نفوس أحرار الإمارات والبحرين والسعودية. ولأجلهم، وجب أن نركزّ على حقيقة أنّ الأنظمة التي وقعت أو ستوقّع اتفاقيات الخيانة هي في الأصل أنظمة تنكرّت لناسها وظلمت ناسها ونكلّت بناسها قبل أن تقدم على إعلان الخيانة.. وفيما أقدم البعض وعلى سبيل التعبير عن السخط على رجم العروبة والقيم العربية، كان آخرون يقومون بتصويب السخط بحيث يصب فقط في مربع الحكّام الذين خانوا العروبة والقيم، واعتبارهم خارجين عنها وليس ناطقين باسمها أو ممثلين لها.
إذن، بين إعلام ينطق زورًا وإعلام موازٍ يدوّن الناس، كل النّاس، مواقفهم من الأحداث عبره، مسافة كالتي تفصل الكذب عن الحقيقة.. وإن كان الكذب يسعى سعيه ليجمّل الخيانة، فالتحارب التاريخية على مرّ الثقافات والعصور تقول أن الحقّ يعلو، ولا يُعلى عليه.