” التصعيد مقابل التصعيد “، معادلة يمنية جديدة في مسيرة الصمود والانتصار
الخبير العسكري البناني شارل ابي نادر
” التصعيد مقابل التصعيد ” ، معادلة جديدة ولافتة تضمنها الخطاب الاخير للسيد عبد الملك الحوثي قائد حركة ” انصار الله ” اليمنية ، و حيث عوَّدنا السيد في قيادته لمعركة المواجهة التي يخوضها اليمنيون في الحرب التي تشن عليهم ، وخاصة في خطاباته و قراراته و مقارباته ، على مواكبة مراحل هذه الحرب بكافة تفاصيلها بشكل دقيق و فاعل ، تخطيطا و تقريرا و تنفيذا ، جاءت معادلته هذه اليوم لتشكل نقطة مفصلية في هذه الحرب .
هي طبعا ليست المعادلة الاولى التي فرضها و يفرضها الجيش واللجان الشعبية و انصار الله في اليمن ، و ذلك بمواجهة العدوان الظالم عليهم من قبل تحالف دولي اقليمي واسع ، و حيث تطورت معركتهم الدفاعية بمواجهة هذا التحالف بشكل كان لافتا من خلال اكثر من مناورة ، من المناورات الثابتة والصاعقة في الميدان الى المناورات الذكية و الواعية في السياسة والديبلوماسية وادارة المفاوضات ، الى المناورات الاستراتيجية في تطوير و تفعيل القدرة الصاروخية و استهدافاتها الحساسة و المؤثرة ، ان كان في الداخل اليمني على جبهات المواجهة المتعددة ، او خارج الحدود شمالا في العمق السعودي القريب والبعيد ، جاءت اليوم معادلة التصعيد مقابل تصعيد الاعداء لتوجز و لتشمل خلاصة منطقية و طبيعية لمسار الحرب في اليمن وعليها من جهة ، و لتشكل عنوانا واسعا يحضن جميع مراحل المواجهة في هذه الحرب من جهة اخرى .
ميدانيا
ما لاحظناه مؤخرا – بعد معادلة التصعيد مقابل التصعيد – ان حركة مقاتلي الجيش واللجان الشعبية وقوات انصار الله قد توسعت ابعد نحو العمق السعودي بشكل لافت ، وحيث كانت عمليات هؤلاء في السابق تستهدف مواقع معينة في ذلك العمق القريب من الحدود مع اليمن ، بعد ان يتم اختيارها لاسباب ميدانية او عسكرية لخدمة معركة الحدود او لاحداث ضغط على الطرف الاخر في تلك المواقع المستهدفة ، اصبحت تجري العمليات اليوم من خلال تنفيذ خطة واسعة تستهدف مناطق وتلال ووديان واسعة تتعدى المواقع المحددة الى السيطرة على ميدان شامل ، وعملية هؤلاء الاخيرة في السيطرة على موقع الجابري الاستراتيجي بعد السيطرة على سلسلة حيوية من الجبال ( ملحمة و الغاوية والفريضة ) في محافظة جيزان الحدودية ، جاءت لتثبت معادلة التصعيد و تفسرها بانها تصب في اطار ميداني متطور يتخطى احتلال المواقع العسكرية الى السيطرة او استعادة السيطرة ، على مساحات واسعة من الاراضي التي هي تحت سلطة المملكة حاليا ، الامر الذي يأخذنا باتجاه تغيير معادلة الحدود الدولية .
عسكريا
ايضا ، يظهر هذا التصعيد و بشكل صارخ ، من خلال متابعة دقيقة لمسار تطور مناورة القدرة الصاروخية اليمنية ، في النقاط المستهدفة داخل العمق السعودي والذي وصل مدى احداها الى 1300 كلم في ” ينبع ” الساحلية على البحر الاحمر ، او في نوع ومضمون وحساسية الاهداف المستهدفة ( مطارات و قواعد جوية وموانىء نفط وطاقة ) ، او في تعدد النقاط المستهدفة ببضعة صواريخ باليستية من الانواع المختلفة في نفس الوقت ، كما حدث بالامس في استهداف قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف ( مدى يتجاوز ال 600 كلم تقريبا ) ، او في تطوير القدرات التقنية لهذه الصواريخ لكي تتجاوز ، والى حد كبير ، القبة الحديدية التي تنشرها منظومات الصواريخ الاميركية المضادة للصواريخ ( الباتريوت وغيرها ) .
وجاءت مؤخرا الضربة الصاروخية التي استهدفت البارجة الاماراتية بالامس في البحر الاحمر ، والتي تشترك في الحرب والحصار على اليمن ، لتعطي شكلا مميزا لهذا التصعيد من خلال نقل المعركة ومعادلة الردع والضغط الى الممر المائي الاستراتيجي المواجه للساحل اليمني .
واخيرا … من خلال كل ذلك يمكن تلمس مستوى هذا التصعيد الذي بدأ يلامس او حتى يتجاوز الخطوط الحمر الاقليمية والدولية ، والتي كانت لفترة طويلة ، مصانة ومضمونة و محمية من قبل قوى كبرى ، و حيث يبدو ان مدى المواجهة ( اليمنية – غير اليمنية ) بعد معادلة التصعيد مقابل التصعيد هذه سوف يتوسع ويتطور ، ربما تكون هذه المعادلة التي فرضها الصمود والثبات اليمني نقطة تحول في الحرب على اليمن ، و قد تشكل مفصلا استراتيجيا يفرض انكفاء المملكة العربية السعودية اولا عن هذه الحرب ، ويفرض ثانيا اقتناع المحور الاقليمي والدولي الذي يدعم هذا العدوان على اليمن ، بانه لم يعد من حل لهذه الازمة المستعصية التي قد تطيح بالعديد من الانظمة الهشة في الاقليم الا الحوار والمفاوضات والتسويات التي تحفظ حق جميع الاطراف ، وخاصة حق الطرف اليمني المعتدى عليه.