الترقي في الاستدلال.. مستوحى من المحاضرة الرمضانية الحادية عشرة 

 

نتحدث اليوم عن ما فهمناه بفهمنا القاصر عن ما تحدث به علم الهدى  السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) في محاضرته الرمضانية الحادية عشرة , ومركزًا على عدة نقاط هامه منها: مبدأ أساسي في مسيرة الدعوة إلى الله، وهو الترقي في الاستدلال، وهو ما جسّده نبي الله إبراهيم (عليه السلام) في طريقته الحكيمة لإيصال رسالة التوحيد, فقد بدأ بالدعوة إلى الله، مستخدمًا أسلوبًا متدرجًا في الاستدلال، مترقيًا في الحجة حتى بلغ بها أقصى درجات الإقناع.

 

وركز السيد المولى بإن التوحيد أساس الدعوة , وقدم لنا من فيض علومه الربانية في كيف كانت دعوة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) القائمة على أساس التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى ، فكانت أولى خطواته كسر حاجز الشرك، وترسيخ أن الله هو الكمال المطلق الذي يستحق الألوهية وحده, لم يكن هدفه مجرد دعوة سطحية، بل كان يسعى إلى نسف الشرك من جذوره، وإثبات أن كل ما يُعبد من دون الله لا يملك من الأمر شيئًا.

 

وفي الاستدلال العقلي والتأمل في الظواهر الطبيعية , ركز السيد القائد في وسائل نبي الله إبراهيم في طرق إقناع قومه، فاستخدم نبي الله إبراهيم (عليه السلام) أسلوب التأمل والاستدلال العقلي، فبدأ بالنظر إلى الكوكب، ثم القمر، ثم الشمس، وطرح تساؤلات منطقية:

 

هل هذه الأجرام السماوية تستحق العبادة؟

 

هل تملك شيئًا من القوة الذاتية أم أنها تخضع لقوانين أخرى؟

 

لقد كانت هذه الأسئلة بمثابة زلزال فكري يهز عقيدة القوم، فهم يعلمون أن هذه الكواكب تغيب، وتتغير أحوالها، ولا تملك القدرة المطلقة، وبالتالي فهي أضعف من أن تكون آلهة! وهكذا، استطاع نبي الله إبراهيم (عليه السلام) أن يلفت أنظار قومه إلى أن الألوهية لا يمكن أن تكون إلا لمن هو ثابت، دائم، متعالٍ عن كل نقص، وهو الله وحده.

 

ونستلهم الدروس من رد فعل القوم أمام الحجج القوية ,نأخذ منها الدرس والعبرة فلم يكن لدى قوم إبراهيم (عليه السلام) أي حجة قوية للرد، ولكنهم تمسكوا بعاداتهم وتقاليدهم، متجاهلين قوة البرهان الذي قدمه لهم, وهذا ما نراه اليوم أيضًا، حيث نجد أن الباطل مهما امتلك من وسائل التضليل، يبقى هشًّا أمام حجة الحق القوية والمتماسكة على لسان علم الهدى.

 

فالترقي في الاستدلال وتوسيع نطاق الحجة , أكدها السيد المولى في كلامه إن نبي الله إبراهيم لم يكتفِ  بإثبات ضعف المعبودات الباطلة، بل ارتقى بأسلوبه في الاستدلال، مستخدمًا منهجًا أكثر صراحةً وقوةً, في مقام آخر، جاء بمبدأ المساءلة المباشرة فقال: “مَا تَعْبُدُونَ؟”، ليضعهم أمام مواجهة صريحة مع حقيقة عبادتهم.

 

وهذا يعطينا درسًا مهمًا في كيفية إيصال الحق للناس، فالدعوة لا تقتصر على عرض الحقائق، بل يجب أن تتدرج وفق وعي المخاطبين، وتتحرك من الاستدلال البسيط إلى التفنيد العميق، ومن الحوار الهادئ إلى المساءلة الصريحة، وفق مقتضيات الحال.

 

والتأكيد على حاجة الإنسان لله, فأحد أهم الأسس التي ركّز عليها السيد القائد (يحفظه الله) في محاضرته لهذه الليلة المباركة، هو أن الإنسان في كل شؤون حياته مفتقر إلى الله، في خلقه، في رزقه، في هدايته، وفي أجله. فكيف يتوجه الإنسان بعبادته إلى غير الله وهو لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا؟!

 

فالعبادة لا تكون إلا لله وحده, العبادة الحقيقية ليست مجرد طقوس، بل هي حالة من الافتقار المطلق لله، وهذا ما أكده السيد القائد بحديثه عن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) في دعوته، فقد بيّن أن العبودية فطرة مغروسة في قلب الإنسان، ولا يمكن أن يتخلى عنها، لكنه إما أن يوجّهها لله، فيكون على الحق، أو أن يوجهها لغير الله، فيكون في الضلال المبين.

 

ومن هذه المسيرة الرسالية في الترقي في الاستدلال، نستخلص موجهات هامة مستنبطه من كلام السيد القائد (يحفظه الله) لنا في حياتنا اليومية وهي على النحو الآتي:

 

  1. استخدام العقل والحجه في الدعوة إلى الله، وعدم الاكتفاء بالنقل المجرد.

 

  1. التدرج في الطرح والاستدلال، بحيث نبدأ من الأمور البسيطة التي يدركها الناس، ثم نرتقي معهم إلى أعماق الحقائق.

 

  1. عدم الاكتفاء بعرض الحقائق، بل مساءلة الخصوم، ودفعهم للتفكير في مواقفهم.

 

  1. إدراك أن العبادة الحقيقية تعني التوجه الكامل إلى الله في كل شؤون الحياة.

 

  1. مواجهة العادات والتقاليد الباطلة بحجج واضحة وقوية، دون تهاون أو مجاملة.

 

ومن خلال ما سبق أيها الإخوة ، نستخلص إن مسيرة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) في الدعوة تمثل نموذجًا خالدًا لكل من يحمل رسالة الحق, فالدعوة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي حركة واعية، تقوم على الاستدلال القوي، والترقي في تقديم الحجة، حتى تصل إلى مرحلة الإقناع الكامل.

 

فلنستلهم من هذا الدرس العظيم  كيف نكون دعاةً للحق، وكيف نحمل حجة قوية تجعل الباطل ينهزم أمام نور الحقيقة, ولنكن على يقين بأن الحق أقوى بحجته، وأنه مهما حاول أهل الباطل التمسك بأوهامهم، فإنهم لا يصمدون أمام نور اليقين.

 

نسأل الله أن يحفظ لنا سيدنا ومولانا بحفظه للقرآن الكريم , وأن يجعلنا من أنصار الحق، وأن يثبتنا على طريق الهداية، وأن يوفقنا لحمل رسالته بوعي وحكمة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

.🔸أحمدصلاح🔸.

🔸11رمضان1446🔸

قد يعجبك ايضا